يؤكد أستاذ الاقتصاد في جامعة صنعاء الدكتور طه الفسيل أن ما يحدث الآن في أسواق المال العالمية من كوارث هو فوضى ناجمة عن النظرية الليبرالية الجديدة الداعية إلى الحرية المطلقة للفرد بعيداً عن أخلاقيات وقيم وضوابط الرأسمالية الرشيدة. وفيها يرى الدكتور الفسيل في حوار قصير جمعنا به ضرورة إعادة النظر بربط الريال اليمني بالدولار دستور جديد لأسواق المال العالمية. ويجد أيضاً أن الاهتمام بقطاع الصناعة من جانبي الحكومة والقطاع الخاص سيكون واحدة من ضمانات الاستفادة الايجابية من الأزمة الحالية في ظل تدهور أسعار النفط. آثار ايجابية.. سلبية للأزمة دكتور قبل أيام كانت الاردن تقول إنها استغلت الايجابيات من أزمة المال العالمية نحن في اليمن كيف سنستفيد أو نتأثر بالأزمة خصوصاً وأن هناك من يطرح بأن تأثر الدول النامية بالأزمة سيكون ايجابياً؟ هذا سؤال صعب لكن هل ستتأثر جميع دول العالم الكبيرة منها والصغيرة ومن ضمنها اليمن ايجابياً أم سلبياً فهذا يعتمد على العديد من المعطيات فعلى سبيل المثال فيما يتعلق بانخفاض الطلب العالمي على السلع الاستهلاكية والنفط فهذا له آثار ايجابية على اليمن من جانب وله آثار سلبية فكون اليمن بلداً مستورداً صافياً لكثير من السلع الأساسية والاستراتيجية مثل الغذاء والحديد ومواد البناء فهذه سوف تنخفض أسعارها لكن في الجانب الثاني فإن انخفاض أسعار النفط سوف يؤثر كثيراً على الموازنة العامة للدولة ليس لكون إيرادات النفط فقط مصدراً أساسياً من مصادر الموازنة بل لكونها المصدر الأكبر للإيرادات العامة والإيراد الذي يحول عملية التنمية ولا شك أن تأثر أسعار النفط وكمية انتاجه سوف يؤثر تأثيراً كبيراً. وفيما يتعلق بالأثر على الجهاز المصرفي باعتباره أيضاً من مصادر التمويل وإن كانت غير أساسية لعملية الاستشارات والتنمية في اليمن فأعتقد أن الأزمة سوف تؤثر سلباً من خلال التشديد الذي سيكون على المصارف من خلال الرقابة والتي أتمنى ألا تؤثر على سيولة الائتمان لأنه من المعروف أن الائتمان هو الدماء التي تسير في أوردة شرايين وأطراف الجهاز الاقتصادي أما فيما يتعلق بالصناعة فأعتقد أن الاشكالية الكبيرة.. هي ألا ندرك أهمية الميزات النسبية التي تتمتع بها بلادنا فبلادنا فيها مميزات نسبية ومميزات تنافسية فيما يتعلق بالعمالة وبالموقع الجغرافي لكن للأسف لم يتم إيلاء القطاع الصناعي العناية الكافية لا من القطاع الخاص ولا من الدولة وفي اعتقادي الآن أن هناك توجهات نحو هذا القطاع باعتباره من القطاعات الواعدة في الاقتصاد اليمني ولأنه سوف يسهم ليس فقط في التنمية الاقتصادية وإنما أيضاً في التنمية الاجتماعية من خلال تشغيل العمالة والحد من البطالة والتخفيف من الفقر فالقطاع الصناعي يحتاج إلى عمالة كثيفة وخاصة في الدول النامية. دستور جديد للأسواق المالية هناك دعوة جديدة اطلقت في مؤتمر أسيان «7» لوضع دستور جديد للأسواق المالية باعتقادك دكتور هل هذا سوف يحل الازمة؟ في اعتقادي أن النظام الرأسمالي الرشيد هو النظام الاقتصادي الأمثل الذي يتفق مع طبيعة الإنسان وتوجيهات الخالق عز وجل كونه يكفل الملكية الخاصة وحريتها ولكن ليس حرية بدون ضوابط ولا بدون أنظمة. فالحرية الاقتصادية عندما تفتقد إلى قواعد وضوابط تحصل هذه الكوارث وقد أدت النيوكلاسيكية أو النظرية الجديدة أو الليبرالية الجديدة إلى انهيار النظام الاقتصادي وأساءت إلى أخلاقياته ومبادئه نتيجة إيمانها المطلق ب «دعه يعمل دعه يمر» وإيمانها المطلق بأن مصلحة الفرد هي مصلحة المجتمع وهذا غير صحيح ولا يتفق مع الطبيعة الإنسانية ولامع سنن الباري عز وجل. كما أننا نعرف أن في تزايد ظاهرة العولمة وتزايد سيطرة وهيمنة الليبراليين الجدد في أكثر من مكان تحولت الأنظمة والقوانين.. وتحول العالم إلى فوضى، فلا بد من وضع ضوابط ووضع دستور ووضع قوانين. فك ارتباط الريال بالدولار ماذا أيضاً عن الدعوة إلى فك ارتباط العملة الوطنية بالدولار فقد كثر الحديث عن هذا الجانب لكن دون حصول شيء؟ الدولار هو عملة الاحتياطي الأولى للبنوك المركزية وهذا هو الذي يعطيها القوة والولايات المتحدة الأمريكية تستخدم هيمنتها السياسية والعسكرية لفرض الأمر الواقع. فعلى سبيل المثال دول مجلس التعاون الخليجي خسرت العام الماضي ما بين «03» إلى «04» مليار دولار نتيجة ارتباطها بالدولار ولو رأينا فإن الكويت عندما فكت ارتباط عملتها بالدولار استمرت عملتها وقل التضخم وهذا أثر مباشر لكن في اعتقادي أن المبلغ أكثر من ذلك بكثير. ونتيجة القوة السياسية للدولار واعتباره عملة عالمية كان لها السبق في ذلك فإنه سيأخذ وقتاً وسوف يأتي وقت ينتهي الدولار وتأتي عملة جديدة قد تكون اليورو وقد تكون العملة الآسيوية. الارتباط بسلة من العملات عفواً دكتور هل تقول إننا سوف نفك الارتباط بالدولار ونتحول للارتباط بعملة أخرى؟! حقيقة لو نظرنا للاقتصاد اليمني وحجم تجارتنا الخارجية فإن الارتباط الذي يناسب اليمن هو الارتباط بسلة من العملات لأنها ستمكننا من التغير بين فترة وأخرى وفقاً للتطورات العالمية والموازين العالمية وخطوط التجارة على الارتباط بالدولار كما أن علاقتنا مع الاقتصاد الأمريكي ضعيفة جداً وتكاد تنحصر في البترول وهذه ليست مشكلة لذا فباعتقادي أنه لا بد من إعادة التفكير فيما يتعلق بربط عملتنا بالدولار. قلت إن تجارتنا مع أمريكا تكاد تكون محصورة بالبترول وإن هذا لا يشكل مشكلة في حال قرار فك الارتباط بالدولار لماذا ليست مشكلة؟ ليست هذه مشكلة لأن الكويت تصدر أكثر منا بكثير من البترول بالدولار وفكت ارتباط عملتها بالدولار. ما الذي يحدث الآن؟ سؤال أخير دكتور كخبير اقتصادي تتابعون ما يجري الآن على صعيد عالمي واقليمي لو سألناكم ما الذي يحدث الآن في العالم؟ الذي يحدث فوضى وهناك قضية مهمة جداً هي البعد الأخلاقي والبعد السياسي فعندما تفقد القيم والأخلاق يحدث ما يحدث الآن. عندما تُعلى مصلحة الفرد على مصلحة المجتمع يحدث هذا، ومثال على ذلك ما أشارت إليه النيوز ويك بأن «هنري ولسون» وزير الخزانة الأمريكية عندما أنهى عمله كانت مكافأته نهاية الخدمة «005» مليون دولار!!