إن الممارسات التاريخية الظالمة والطغيان باسم الدين وماألحقته بالبشرية من تسلط واستبداد وانتهاك الحقوق الإنسانية منذ قدم التاريخ وحتى تاريخنا المعاصر أدت إلى دفع الكثير من المجتمعات والمنظمات والمذاهب إلى إقصاء الدين عن إدارة الحياة بسبب تلك الأخطاء على أرض الواقع وخاصة في عالمنا اليوم ولاشك أن أكبر إشكالية تواجه العالم في انتهاك حقوق الإنسان وإهدار كرامته تاريخيا إنما تمثلت في الربط بين السلطة والألوهية حتى بات الحاكم هو المتحدث باسم الله كماتفعل بعض الجماعات المتطرفة اليوم والتي شوهت الدين باسم الدين وكمايدعي بوش انه مأمور من الرب وكلهم يستخدمون حقوق الإنسان لانتهاك حقوق الإنسان نفسها ويزايدون بها ويجعلون منها كلمة حق يراد بها باطل بينما الحقوق الإنسانية الحقيقية التي أتى بها الدين الإسلامي الحنيف وحافظ عليها وجعلها من أوليات أولويته مغيبة وغير موجودة في حياتنا الإنسانية المعاصرة ومن واجبنا أن ندلل على ذالك بنموذجين مختلفين في القديم وفي الحاضر فعندما انتهكت حقوق الإنسان في عصر النبوة والصحابة عولجت تلك الانتهاكات طبقا لقوانين الشريعة والقيم الإنسانية والإسلامية، فعن المعرور بن سويد رضي الله عنه قال : لقيت أباذر بالربذة وعليه حلة وعلى غلامه حلة فسألته عن ذلك فقال: لقد ساببت رجلاً فعيرته بأمه فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم : «ياأباذر : أعيرته بأمه إنك أمرؤ فيك جاهلية إخوانكم خولكم.. أو كما قال «ص» فقال أبو ذر : فاضطجعت وقلت للرجل المذكور : قم فطأ على خدي. أما الوجه الآخر للانتهاك فلم يكن من شخص عادي بل من حاكم وهو جبلة بن لأيهم الملك الغساني حيث كان يطوف بالكعبة بعد أن أسلم وإذا أحد الطائفين يدوس على إزاره فالتفت إليه غاضباً ثم لطمه على خده فقال الأعرابي: لأشكونك إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وفعلاً شكا به إلى عمر فاستدعى عمر جبلة بن الأيهم وسأله : أحقا مايقول الرجل أنك لطمته على خده؟ فقال جبلة نعم ولولا أني أمام الكعبة لقطعة أنفه بسيفي هذا فقال عمر ولم ؟ فأجاب جبلة لأنه داس عليّ إزاري وأنا أطوف بالبيت عندها عمر يخير جبلة بين الاعتذار أو القصاص فدهش جبلة وهو ملك كيف تسوي بيني وبينه أنا ملك وهو سوقه فيرد عمر بثقة الحاكم العادل الذي يحافظ على حقوق الجميع: إن الإسلام سوّى بينكم فلا فرق بين الملك والسوقة فماكان من جبلة إلا أن طلب مهلة للتفكير وهو يعلم ان الحكم مطبقا عليه لا محالة فيقرر الهرب ليلاً مع حاشيته إلى الروم، وهذا فيه من الدلالات مايكفي لبيان أن الإسلام أكبر حافظ لحقوق الإنسان، أما نموذج التاريخ المعاصر فمعظم الشر فيه وفي انتهاك حقوق الإنسان كامن في تسلط الإنسان على أخيه الإنسان بصور وأشكال مختلفة تارة باسم الدين والتدين وباسم المحافظة على القيم والأخلاق والفضيلة والديمقراطية والأمن والسلام ومحاربة الإرهاب والتطرف والعنف تارة أخرى، والغريب في دواعي القيم الغربية أنه إذا ماآتت نتائج الديمقراطية على غير مايشتهون انقلبوا على تلك النتائج بحجة حماية الديمقراطية والخوف عليها من الديمقراطية نفسها، لذالك انتهكوا حقوق الانسان اليوم في كل انحاء العالم تحت دعاوي حماية حقوق الانسان.