إن الممارسات الظالمة الاستبدادية التي تنتهك حقوق الإنسان وخاصة ما يمارس باسم الدين وما ألحقته تلك الممارسات من أضرار فادحة بالإنسان دفعت بالكثيرين إلى المطالبة بإقصاء الدين عن إدارة الحياة بسبب تلك الأخطاء والانتهاكات , والإشكاليات الكبيرة في فهم النصوص وإسقاطها على أرض الواقع وخاصة في عالمنا اليوم ولا شك أن أكبر إشكالية تواجه العالم في انتهاكات حقوق الإنسان وإهدار كرامته تاريخيا إنما تمثلت في الربط بين السلطة والإلوهية حتى بات الحاكم يجعل من نفسه المتحدث باسم الله والمطبق لتعاليم الدين وهذا ينطبق أيضا على بعض الجماعات المتطرفة اليوم والتي شوهت الدين باسم الدين كما ينطبق أيضا على ادعاءات بوش في غزو العالم وتدمير دول بأكملها بأنه مأمور من الرب والجميع يستخدمون حقوق الإنسان لانتهاك حقوق الإنسان ويزايدون بها ويجعلون منها وسيلة لظلم الآخرين وانتهاك حقوقهم ونهب ثرواتهم وسلب إرادتهم والأقبح من ذلك كله أنهم يحتفلون مع المحتفلين باليوم العالمي للتوقيع على وثيقة حقوق الإنسان إنه قبح ليس له مثيل في تأريخ الإنسانية كلها بينما الحقوق الإنسانية الحقيقة التي نادت بها الأديان ودعت إلى المحافظة عليها وجعلها الإسلام الحنيف من أولى أولوياته مغيبة وغير موجودة في حياتنا الإنسانية المعاصرة ولا يوجد في قاموس من يتغنون اليوم في الحفاظ على حقوق الإنسان وخاصة الولاياتالمتحدةالأمريكية ومن حقنا هنا أن نورد على ذلك نموذجين مختلفين في حضارتنا الإسلامية , فعندما انتهكت حقوق الإنسان في عصر النبوة والصحابة تمت معالجة تلك الانتهاكات طبقا لقوانين الشرع والقيم الإنسانية والإسلامية " فعن المعرور بني سويد رضي الله عنه قال : لقيت أبا ذر بالربذة وعليه حلة وعلى غلامه حلة فسألته عن ذلك فقال : لقد ساببت رجلا فعيرته بأمه فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم : (( يا أبا ذر : أعيرته بأمه إنك امرؤ فيك جاهلية أخوانكم خولكم .... أو كما قال عليه الصلاة والسلام , فقال أبوذر : فاضطجعت وقلت للرجل : قم فطأ على خدي الحالة الأخرى أو النموذج الآخر للانتهاك فلم يكن من شخص عادي بل من حاكم كبير يعول عليه في الحفاظ على حقوق الإنسان وهو الملك الغساني حيث كان يطوف بالكعبة بعد أن أسلم وإذا بأحد الطائفين يدوس على أزاره فالتفت إليه غاضبا ثم لطمه على خده فقال : الأعرابي لأشكونك إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وفعلا شكا به إلى الفاروق عمر فاستدعى عمر جبلة وسأله : أحقا ما يقول الرجل أنك لطمته على خده ؟ قال جبلة نعم ولولا أني أمام بيت الله لقطعت أنفه بسيفي هذا فقال عمر ولم ؟ فأجاب جبلة لأنه داس على إزاري وأنا أطوف بالبيت عندها خيره الخليفة عمر بين الاعتذار أو القصاص فدهش جبلة وهو ملك كيف تسوي بيني وبينه ؟ أنا ملك , وهو سوقه , فرد عليه عمر ذلك الحاكم العادل الذي يحافظ على حقوق الجميع " إن الإسلام سوى بينكم فلا فرق بين الملك والسوقة " فما كان من جبلة إلا أن يطلب المهلة لثلاثة أيام وهو يعلم أن الحكم مطبق عليه لا محالة فيقرر الهروب ليلا مع حاشيته إلى الروم . وهذا فيه من الدلالات ما يكفي لبيان أن الإسلام أكبر حامي وحافظ لحقوق الإنسان أما نموذج التأريخ المعاصر فمعظم الشر فيه وانتهاك حقوق الإنسان كامن من تسلط الإنسان على أخيه الإنسان وخاصة الحكام المستبدين و بصور وأشكال معاصرة باسم الدين والتدين تارة وباسم المحافظة على القيم والأخلاق والفضيلة أحايين أخرى وباسم الديمقراطية والأمن , والسلام , ومحاربة الإرهاب والعنف والتطرف أحايين كثيرة . والغريب في دواعي القيم الغربية أنهم ينتهكون حقوق الإنسان باسم المحافظة على حقوق الإنسان " حتى وصلوا إلى مرحلة الدولة الإله والتي قد تمتلك العجل , والعلم الباغي , والإعلام الذي يسحر أعين الناس وتعطي لنفسها الحق في التدخل في كل مكان متجاوزة كل سيادة وعرف وقانون لذلك تحولت حقوق الإنسان اليوم إلى مهزلة أشبه بدمى الأطفال يتلاعبون بها الأقوياء المتألهون كيفما أرادوا " لعدم وجود من يردعهم عن ممارساتهم الطغيانية التي تنتهك الحقوق الإنسانية التي كفلتها كل الشرائع وانتهكتها كل الأنظمة الطاغوتية .