ثلا واحدة من المدن الأثرية العابقة بالسحر والجمال، طبيعة خضراء وهواء عليل خالٍ من عوامل التلوث، طبيعة معمارية أثرية فريدة مع ساعات الصباح الباكر في زيارة عمل دلفنا إليها وهي الزيارة الأولى لي لهذه المدينة، حاولت التمرد على رفاقي بشأن المهمة التي ذهبنا لأجلها فرحت أسجل كل صور الجمال التي تجلت أمامي وهناك عقدت العزم على مراجعة كتب التاريخ، تاريخ هذه المدينة العريقة من أجل أن تكتمل عناصرالاستطلاع الصحفي والخروج بمادة جيدة ثلاث ساعات في رحاب ثلا. الموقع والتسمية تقع مدينة ثلا في محافظة عمران إلى الشمال الغربي للعاصمة صنعاء وتبعد عنها بحوالي 64كم إلى ماقبل التقسيم الاداري الجديد الذي أفضى إلى انشاء محافظة عمران، كانت ثلا تتبع ادارياً محافظة المحويت، تم بناء ثلا المدينة الأثرية في بداية عصر الدولة السبئية تشيرإلى ذلك النقوش الأثرية التي تعود إلى هذه الحقبة التاريخية، أطلق عليها في ذلك العصر اسم مدينة الطلح وذلك بسبب انتشار أشجار الطلح الشوكية التي كانت تغطي أطراف المدينة القديمة وسميت ثلا تيمناً بالملك الحميري ثلا بن لباخة بن أقيان بن حمير الأصغر الذي سكن فيها وذاع صيته حتى بلغ أصقاع بعيدة وهي معلومةً تكاد تكون معممة على غالبية أبناء ثلا وهو الشيء الذي يجهله الكثير من المواطنين في المناطق والمدن الأثرية التي تزخر بها بلادنا. أهمية تاريخية وأثرية تكتسب مدينة ثلا أهمية كبيرة كونها تمتلك موروثاً تاريخياً وأثرياً زاخراً من قلاع وحصون وطابع معماري بديع علاوة على كون هذه المدينة كانت واحدة من المواقع البارزة التي شهدت مقاومة شرسة من قبل أبنائها لمقارعة التواجد العثماني في اليمن حيث جعل منها الإمام المطهر بن شرف الدين منطلقاً للثورة الشعبية التي قادها للخلاص من الحكم العثماني حيث شهدت معارك ضارية، اضافة إلى ذلك فقد كانت ثلا من الحصون التي اعتمد عليها الحكم الإمامي بسبب طبيعتها الجبلية وتحصيناتها العصية على الغزاة والمعتدين كما أسهم أبناء ثلا في الخلاص من الحكم الإمامي حيث احتضنت هذه المدينة الكثير من رموز النضال وأبطال الثورة المباركة وكان للكثير من أبنائها مواقف وأدوار مشهودة في الدفاع عن الثورة والوحدة. انطباعات زائر ما إن وطأت قدماي مدينة ثلا حتى استحوذت مشاعر الدهشة عليّ وأنا أطالع التقاسيم الهندسية للبيئة المعمارية القديمة لمنازل هذه المدينة والتي ماتزال محتفظة بطابعها التراثي والأثري دون أن يطرأ عليها أي لمسات تجديدية وكأن هناك شبه اجماع من قبل أبناء المنطقة على الاحتفاظ بأصالة البناء المعماري البديع الذي يعتمد على الأحجار المبنية بالطين والنوافذ القديمة في حين تبدت أمامي أعداد قليلة من المباني الحديثة التي تم اقامتها على أطراف مدينة ثلا القديمة حرصاً على عدم تشويه المنظر العام للمدينة الأثرية وهو مايحسب لأبناء ثلا. السور والبوابات والأبراج ونحن نتجول في رحاب مدينة ثلا لمسنا حالة من الشبه بينها وبين مدينة صنعاء القديمة من حيث السور والأبواب والأبراج والأحياء السكنية مع بعض الاختلاف، حيث تحاط المدينة بسور أثري قديم تم ترميمه وتجديده ويختلف عن سور صنعاء في أنه مبني من الأحجار خلافاً لسور صنعاء المبني من الطين، هذا السور ببواباته السبع وأبراجه المتوزعة على مساحة السور الكلية أضفى على المدينة مشهداً جمالياً رائعاً جعلها أشبه بعروس في موكب زفافها المحاط بالحماية الأمنية المشددة وهو ماجعل منه واحداً من أبرز المعالم الأثرية لهذه المدينة وعلى الرغم من الأهمية التي يكتسبها هذا المعلم الأثري إلا أننا لاحظنا تدميراً لبعض أجزائه نظراً لعدم القيام بأعمال صيانة وترميم مستمرة لمواجهة عوامل التعرية وهناك مخاوف من طمس معالم هذا المعلم الأثري الهام، والجميل ونحن نسير في زقاق وأحياء المدينة القديمة ماقامت به الدولة من مجهود طيب في رصف الشوارع والأحياء القديمة بأحجار«الحبش» السوداء للحفاظ على الطابع الأثري لهذه المدينة الساحرة. حصن ثلا الأثري حصن ثلا هو الحصن الأكثر شهرة على مستوى اليمن وهو من أكثر المعالم الأثرية والسياحية التي تختزلها هذه المدينة، يقع أعلى جبل ثلا الذي يطل على المدينة على ارتفاع يتجاوز ثلاثة آلاف متر الناظر إليه يشعر وكأنه يقوم بمهام الحراسة وتأمين المنطقة ،بإلحاح مني على رفاق الرحلة توجهنا صوب حصن ثلا، تركنا السيارة وصعدنا الجبل الذي يحتضن في أعلاه حصن ثلا عبر طريق صخري مبني من الحجارة يقود إلى الحصن وصلنا إلى الحصن وهناك أدركنا لماذا كان الكثير من الأمراء والملوك والأئمة يحرصون على الاستيلاء على هذه المنطقة وبسط نفوذهم عليها حيث يمتلك الحصن العديد من التحصينات الدفاعية وكلها منحوتة في الصخر مما يجعل من الصعوبة بمكان على أي قوة السيطرة عليه ويحتضن الحصن العديد من التجهيزات التي تمثل عاملاً مساعداً على الصمود في حال فرض الحصار على الحصن حيث شاهدنا الكثير من البرك الخاصة بالمياه بالاضافة إلى أحواض مائية مقفلة إلا من فتحات علوية أشبه بالصهاريج تم صبغ جدرانها الداخلية بمادة القضاض وهي مادة بيضاء اللون قريبة الشبه بالاسمنت الأبيض لكنها تختلف عنه كونها أكثر صلابة وقادرة على البقاء لمئات السنين وبحسب أحد أبناء المنطقة ويدعى الحاج صالح فإن هذه الأحواض كانت تستخدم كمدافن خاصة بتخزين الحبوب والغذاء والاستفادة منها كمخازن للسلاح وعلى أطراف الحصن توجد غرف منحوتة في الجبل كانت تستخدم للسكن والاقامة فيها. وجهة سياحية نشطة خلال تجوالنا في مدينة ثلا لاحظنا تواجد العديد من الافواج السياحية التي تتوزع في مختلف المعالم الأثرية والتاريخية وبأعداد جيدة تأتي إليها بصورة مستمرة رغم محدودية الترويج الرسمي لهذه الوجهة السياحية والتي تعتمد على ماينقله السياح من صور فوتغرافية ومشاعر اعجاب بما تزخر به هذه المدينة من آثار ومعالم تاريخية علاوة على الجهد الملموس لأبناء المنطقة في التعريف بمنطقتهم وآثارها العريقة وطبيعتها المعمارية الفريدة العابقة بالتراث والأصالة وهي ظاهرة وسلوك حميد يحسب لأبناء ثلا. تعاون الأهالي في انعاش السياحة دهشت وأنا أشاهد مدينة ثلا عن بكرة أبيها يتفانى أهلها بمختلف فئاتهم كباراً وصغاراً، نساء ورجالاً في تهيئة كل الأجواء الملائمة لإنعاش النشاط السياحي لمنطقتهم، ترحاب منقطع النظير بالسياح، حميمية يحسدون عليها يصنعونها معهم تجعلهم- وأعني هنا السياح- يكررون الزيارة لهذه المدينة ويوصون رفاقهم بزيارتها، وعلى الرغم من وقوع ثلا في عمق المد القبلي المشهور بحمل السلاح والتمظهر به في الأحياء والشوارع إلا ان ماميز أبناء ثلا هو اختفاء مظاهر حمل السلاح والتمظهر به حيث بدت لنا المدينة وكأنها خالية تماماً من السلاح وهو ماينم عن وعي جماهيري واسع يتحلى به أبناء المنطقة كان له أبلغ الأثر في تحويل مدينة ثلا إلى وجهة سياحية نشطة وفاعلة ترتادها أعداد هائلة من الأفواج السياحية والزوار من مختلف محافظات الجمهورية. ترجمة عفوية بالممارسة ومن مشاهداتنا التي سجلناها في هذه الزيارة هي وجود العديد من الشباب والشابات من أبناء ثلا ممن درسوا العديد من اللغات الأجنبية بهدف القيام بأعمال الترجمة للسياح والزوار الأجانب، مقابل مبالغ يحصلون عليها من السياح عبر الشركات السياحية التي تقوم بمهام تفويج السياح وتنظيم خط سير رحلاتهم السياحية ومنهم بعض الذين تعلموا اللغات الأجنبية وأتقنوها من خلال المرافقة المستمرة للسياح خلال زياراتهم المستمرة للمنطقة وبفضل عامل الممارسة والاحتكاك المباشر بالسياح من مختلف دول العالم أجاد هؤلاء عملية الترجمة بطلاقة والجميل أن تسمع كل عبارات الثناء والإشادة بتعاون هؤلاء من قبل السياح ژ ژےےے أنفسهم وهو ماخلق بينهم علاقات صداقة وطيدة بفضل حسن تعاملهم وخلو ذلك من أساليب النصب والاحتيال التي يمارسها بعض أعداء السياحة في بلادنا ممن لايدركون أهمية السياحة ودورها الريادي في دعم الاقتصاد الوطني. مقومات سياحية جذّابة ومما يحسب لأبناء ثلا انهم بادروا ذاتياً في اقامة فنادق سياحية تستوعب السياح وفق الطابع التراثي السائد على المنطقة تلبي رغبة السياح بالإضافة إلى المطاعم الشعبية التي تقوم بتقديم أجود أنواع المأكولات الشعبية التي تستهوي السياح وهي مطاعم تمتاز باعتمادها على أرقى معايير النظافة والسلامة الصحية وهو مامنحها ثقة السياح الذين أدمنوا على تناول المأكولات الشعبية اليمنية التي تبدعها أنامل الطهاة الرجال والنساء من أبناء المنطقة. طبيعة ساحرة ومما يجدر الإشارة إليه هنا هو أن الطبيعة المعمارية الفريدة والمعالم الأثرية الخالدة التي تزدان بها مدينة ثلا تأتي مصحوبة بطبيعة ربانية ساحرة تتمثل في البساط الأخضر من الزروع والثمار التي يحتضنها القاع الزراعي المحاذي للمنطقة والذي ترويه مصبات مياة الأمطار المتدفقة من أعلى الجبل المطل على المنطقة، وهو ماجعل هواء المنطقة ومناخها عابقاً بالسحر والجمال الأخاذ الذي لطالما كان مستحوذاً على تفكير وأحاسيس الشعراء والأدباء والباحثين فهاموا فيها شعراً ونثراً وإبداعاً ومنحوها حقها من الاهتمام والإشادة وتسليط الأضواء عليها.. ثلا وقائمة مدن التراث العالمي هذه المكانة التاريخية والأثرية والسياحية التي تحتلها مدينة ثلا على خارطة المدن السياحية والأثرية في بلادنا وخصوصاً مايتعلق بالطابع المعماري الأنيق كل ذلك جعل منها مهيأة لأن تدرج ضمن قائمة التراث العالمي وهو ماعبر عنه الدكتور محمد عبدالباري القدسي أمين عام اللجنة الوطنية اليمنية لليونسكو والذي أشار إلى انه تبذل المزيد من الجهود والاتصالات مع الجهات ذات العلاقة من أجل ضم مدينة ثلا إلى قائمة التراث العالمي وهو مايكفل لها الحصول على دعم اليونسكو في جانب الترويج السياحي والحضاري العالمي لها وإدراجها ضمن المناطق الحاصلة على الدعم الحكومي للحفاظ على المدن التاريخية والأثرية وهو بمثابة الحلم الذي ينشده أبناء ثلا ويعملون جاهدين على تحقيقه وهو ماسيمثل نقلة حضارية وتاريخية وسياحية عالمية لهذه المدينة العريقة.