تقول لي أمي: الفقر ليس عيباً!!! وما هو إن لم يكن عيباً؟؟ اهو تاج أضعه فوق رأسي وأتبختر بطيفه المثقوب كقلبي والمرقع بألف لون كثيابي التي لا اخلعها؟؟وما العيب إذاً؟؟ربما كان العيب أن انزل من سيارة فارهة يلتمع طلاؤها الجديد تحت وطأة الشمس تاركاً السائق يجد لطولها وعرضها الفائقين مكاناً يليق بهما,بينما أتهادى أنا بجلالة قدري داخلاً إلى شركة امتلك جل ما فيها ومن فيها,فيهرول الكبير قبل الصغير ليحمل لي الحقيبة الفاخرة التي في يميني ويضغط مفتاح المصعد خوفاً على أصبعي المدلل أن تنال من رقته ضغطة زر...هذا هو العيب إن لم يكن الفقر عيباً. أن أكون فقيراً معدما...فذلك قدري واستطيع احتماله كما احتملت النوم ومعدتي خاوية تزأر زئير الأسود دون أن القي بالاً لها...لا لا تعتقدوا أن ذلك بسبب الفقر ...كلا أبداً انه نوع من الحمية المطبقة قسراً على جيوبي ومعدتي وجل حياتي...احمد الله أن الهواء لا يباع ويشترى وإلا اضطررت لاتباع حمية تنفسية أيضا...أين كنا؟؟؟حسناً كنت أقول: إنني استطيع احتمال فقري وجوعي وضيق ذات اليد فذلك قدري...شحاذ ابن شحاذ, لكن ما يفقدني أعصابي فعلاً هو تلك الجمل التي يلقنوها لنا...(الفقر ليس عيباً)..ولو بحثت عمن أطلق هذه العبارة لوجدته ينام في قصر منيع,ذلك أن الفقراء لا يفكرون كثيراً بالفقر...اقصد لا يفكرون به إن كان عيباً أم لا,ولم سيفكرون فيه وهم إن قرروا انه عيب فقد عابوا أنفسهم, وان قرروا انه فضيلة لم يجدوا مبرراً لتذمرهم منه, ومحاولتهم للتخلص من طيفه بأي طريقة ...في الحقيقة هم يعتقدون كما اعتقد أنا... انه قدر...قدر لا غير,أما إن كان عيباً أو حراماً فلا اعتقد أن هناك من حاول أن يفلسف الأمور إلى هذه الدرجة من بني جلدتي الفقراء, وحسب تصوري...أقول حسب تصوري الشخصي لكي لا يذهب كلامي مثلاً ,إن هذه العبارة رأت الضوء ...حسناً ...ليس الضوء إنما الهواء لأن الصوت عادة ينتقل بالهواء..ماذا كنا نقول؟؟؟العبارة خرجت للمرة الأولى في إحدى الولائم الكبيرة عندما أتى احد الفقراء يستجدي طعاماً لعائلته من أولئك الأثرياء الذين يأكلون بالشوكة والسكين بمنتهى البراعة, فوجدوا فيه مهرجاً ومادة جديدة للضحك ما ألفوها, ومضوا يسألونه عن حاله ولماذا يتسول؟؟ولم لا يعمل؟؟من المؤكد انه قال لهم انه فقير ولم يجد له عملاً يسد رمقه فاضطر إلى التسول,عندها تشدق احدهم...ربما.. قائلاً: الفقر ليس عيباً إنما العيب في التسول, لم تفهموا الفكرة؟؟ طبعاً أراد أن يصرف المتسول دون أن ينزع من جيبه قرشاً ولا من ضميره لحظة ذعر أو إزعاج فقال هذه العبارة التي فعلت فعل السحر في ضميره وضمائر ضيوفه...قد لا يكونون ضيوفه,ربما كان هو الضيف ...لكن المهم أن العبارة أتت أكلها فانصرف الرجل بخفي حنين, بينما ظل القوم يتشدقون بأن الفقر صفة نبيلة عندما يلزمها التعفف, من السهل أن تتكلم عن التعفف وأنت أمام وليمة تغص بما لذ وطاب من الطعام ومعدتك تستغيث من التخمة,بل ربما تعمد أصحاب البطون الممتلئة التحدث في الفقر والجوع لأن الحديث عن الطعام وأنت في حالة تخمة قد يجعلك تشعر بالتقزز والغثيان...ومن أين لي أن اعرف هذا؟ لا ادري...إنها مقاربة فقط فعندما نتلوى جوعاً نستلذ بالحديث عن الطعام...إذاً لا بد أننا حين نتخم نستريح بالتحدث عن الجوع. بمناسبة الجوع:أمي...هل لدينا كسرة خبز؟؟؟ ما اغباني ...نسيت أن أمي ماتت منذ أيام ,بسبب سوء التغذية المزمن الذي ادخلها في غيبوبة سببها انخفاض حاد في الضغط أدى إلى وفاتها.