تنفس طلاب الشهادة الثانوية العامة مؤخرا الصعداء بعد ان انهوا الامتحانات التي خاضها أكثر من خمسمائة ألف طالب وطالبة، والجميع يطمح لنيل درجات عالية تمكنه من الالتحاق بالكلية التي يصبو إليها.. ليعيشوا الآن لحظات صعبة من مرحلة انتظار النتائج وماقد ينتاب الواحد منهم خلالها من أعراض صحية ونفسية قد لا يبددها سوى إعلان نجاحه.. وما إن تجتاز الأسرة مرحلة الثانوية التعليمية من عمر ولدها، ومارافقها من إعلان حالة الطوارئ والعيش على مدار عام كامل مشدودة الأعصاب وتوظيف الجزء الأكبر من ميزانيتها وفقا لاحتياجات "ابنها أو ابنتها" في مرحلة الشهادة الثانوية..حتى تبدأ في محاولاتها لاجتياز حواجز جديدة لاتقل صعوبة ووعورة .. حيث إن رسوب الطالب في الثانوية العامة مشكلة، ونجاحه مشكلة أيضا. فهل أصبح قدرا على الأسرة اليمنية ان تعيش في رعب وتوتر دائمين مع العملية التعليمية لأبنائها ؟ هواجس طلابية طارق شرهان" طالب ثانوية" يصف الحالة الهستيرية التي يعيشها منذ إتمامه لامتحان آخر مادة دراسية حتى اللحظة، وهو لم يذق طعم النوم الهنيء جراء الكوابيس التي تداهم مضجعه ومنها ما تمنحه النجاح والدرجات العالية فيأتي الصباح ليبددها أو صراخ أمه، ومنها ما تذهب به نحو الرسوب بسبب ضياع دفتر امتحانه أو ظهور النتيجة دون اسمه وتلك لا يبددها سوى صراخه ونهوضه فزعا من نومه . يقول طارق :" أصبحت أنا وكثير من زملائي طلاب الثانوية ننتظر نتيجة الامتحانات ونحن كالقابض على الجمر يريد ان ينفك عنه إن نجاحا فنجاح، وإن رسوبا فرسوب، فقد أصبح النجاح لا يختلف عن الرسوب، خصوصا وان الجامعات الحكومية باتت حسب معلوماتنا تضع قيودا وشروطا وأهمها ان يكون الطالب حاصلاً على 70 % وهذا رقم قياسي بالنسبة للكثيرين منا ، اما الجامعات الخاصة فمن يطولك ياقمر . أما زميله عمار فقد بدا واثقا من نفسه بالنجاح وتحقيق مجموع درجات عالية بالقسم العلمي قد تمكنه من دخول كلية الهندسة فهو يطمح ان يكون مهندسا معماريا ، ولكن هذه الكلية " كلية عملية" على حد وصفه والدراسة فيها لست سنوات ومصاريفها ومتطلباتها من الكتب والمراجع والملازم والمواد العملية اثناء الدراسة مكلفة جدا.. وذلك هو ما قد يحول بينه وبين ان يكون مهندسا . حسب تأكيده. نظام القبول ومستقبل الآلاف وقد كان لقرار المجلس الأعلى للجامعات اليمنية للعام الدراسي 2001-2002م بشأن نظام القبول في الجامعات الحكومية اثر بالغ على مستقبل أعداد كبيرة من الطلاب خريجي وحاملي الشهادة الثانوية ومافي مستواها بشكل سنوي.. وهو القرار الذي حدد معدل القبول ب70% . الطالب بكيل معياد، حاصل على ما نسبته 67.5% القسم العلمي قال انه لم يستطع أن يسجل خلال العام الدراسي الجامعي الماضي في أي من كليات جامعة صنعاء لأن معدله دون ال70% الأمر الذي اضطره إلى الالتحاق بكلية اللغات ولكن تحت نظام التعليم الموازي وتحمل تكاليفه . فيما يشكو طلاب آخرون حصلوا على معدلات جيدة، من مشكلة الزحام الذي يحصل وبشكل متكرر في أروقة وكواليس الكليات عند بدء موسم التسجيل للعام الدراسي الجامعي الجديد، والذي يعزونه هو الآخر إلى أن سببه قرار نظام القبول في الجامعات . يشار إلى المجلس الأعلى للجامعات اليمنية اقر في العام الدراسي الجامعي 2001-2002م نظام القبول في كليات الجامعات الحكومية والذي حدده بأن لا يقل معدل الطالب المتقدم ب70 %. دعوات لسياسات جديدة وسط هذا الزخم من المشاعر المتباينة لطلاب الثانوية.. يؤكد اختصاصيون وأكاديميون على تطبيق سياسات قبول لدى الجامعات اليمنية بشقيها الحكومي والأهلي، تتواءم ومخرجات التعليم الثانوي، واتباع سياسة تعليمية منهجية مدروسة تقوم على أساس تنمية وسائل التنمية التعليمية وفي مقدمتها التعليم الثانوي والجامعي والفني . وفي هذا الصدد يؤكد الدكتور محمد عبدالجبار سلام عميد كلية الإعلام بجامعة صنعاء أن ثمة حلولاً بارزة على هذا الصعيد وتتمثل في تشييد وتجهيز معاهد فنية لخريجي الشهادات الإعدادية وفق معايير معينة، إضافة إلى انشاء معاهد عالية أو متوسطة ووفق اجندة وخصائص خاصة بها وبطلاب من خريجي الشهادة الثانوية والحاقهم بها وبمجالات وتخصصات مختلفة مطلوبة في سوق العمل . منوها بأهمية توعية الشباب وخصوصا خريجي الشهادة الثانوية بجدوى المعاهد الفنية والمهنية وتنويرهم بالخبرات المهنية التي قد يكتسبونها في تلك المعاهد والتي تجعل منهم كوادر مطلوبة في سوق العمل .. ويشير الدكتور سلام الى إمكانية تحويل بعض المدارس من العدد القائم حاليا الى معاهد علمية وفنية ومهنية ورفدها، وهو ما يمكنها من أن تفي بالغرض بعد تجهيزها ورفدها بالمتطلبات واللوازم الأساسية لتتحول من مدرسة الى معهد فني أو تقني.. باعتبار ذلك احد الحلول الإستراتيجية والجوهرية لتطوير المنظومة التعليمية في بلادنا .. مختتما بقوله:" مالم فسنظل ندور في دائرة مغلقة ". من ناحيته يوضح الدكتور أحمد عقبات " أستاذ الإعلام بجامعة صنعاء" أن سياسة القبول في الجامعات يجب أن تلبي متطلبات السوق ومخرجات العملية التعليمية الثانوية.. لافتا إلى أهمية التنسيق مع الجهات المختصة كالوزارات والهيئات والمؤسسات الحكومية حتى تستطيع المؤسسات التعليمية ان تلبي طموحات ومتطلبات هذه المؤسسات من الكوادر المطلوبة بكل تخصص وفي أي حقل من الحقول والتخصصات المختلفة . جدوى تعليم موازٍ وكانت وزارة التعليم العالي والبحث العملي قد أقرت فتح نظام التعليم الموازي في الجامعات الحكومية بدءا من العام الدراسي الجامعي 2004- 2005م في خطوة تهدف إلى استيعاب اكبر قدر من الطلاب خريجي المرحلة الثانوية وما في مستواها ، وكذا مساعدة ابناء المغتربين اليمنيين في الالتحاق بالجامعة كون بعض الدول التي يقيمون فيها لا تسمح لهم بالالتحاق بجامعاتها. وقد وجدت معظم هذه الأعداد من الطلاب حملة الشهادة الثانوية وخصوصا ذوي المعدلات المتوسطة والضعيفة ضالتهم في التعليم الجامعي الموازي بغية نيل الشهادة الجامعية وان شكل ذلك عبئا ثقيلا على أسر السواد الأعظم منهم . وفيما تعتبر أطراف التعليم الموازي في الجامعات الحكومية خطوة إيجابية في طريق استيعاب كافة مخرجات الثانوية والشهادات الأخرى ويفتح للشباب طريقاً جديداً نحو الإبداع، فإنها تشدد في ذات الوقت على ضرورة أن تظهر موارده ويتم توظيفها في مجالات تطوير البرامج الدراسية وقدرات الهيئات التدريسية وتحسين البنية التحتية للمؤسسات التعليمية . هذا وقد أعلن مؤخرا عن إلغاء نظام التعليم الموازي في الجامعات الحكومية، وهي خطوة كان قد سبقها قرار لجنة التنسيق لكليات التربية برئاسة وزير التربية والتعليم الدكتور عبدالسلام الجوفي بإلغاء نظام التعليم الموازي في كليات التربية . نصف قرن لتغطية الفجوة التعليمية وقد شهد قطاع التعليم خلال السنوات العشر الماضية نهضة لافتة وتوسعا كبيرا في بناء وتشييد الجامعات والمعاهد والمدارس ، ناهيك عن ارتفاع معدلات الملتحقين والملتحقات بصفوف المنظومة التعليمية بفروعها الثلاثة " العام والعالي والفني "وفي مختلف التخصصات النظرية والتطبيقية المختلفة . وقد أشاد تقرير ( حكومي - دولي) مشترك، بالانجازات التي حققتها اليمن في رفع معدلات الالتحاق بالتعليم في الصفوف الدراسية الأولى الى ثمانية أضعاف خلال السنوات العشر الماضية . وقالت مسودة التقرير الأولي بعنوان "الوضع الراهن للتعليم في اليمن " الذي أعدته وزارة التخطيط والتعاون الدولي بالتعاون مع البنك الدولي وتمت مناقشته في ورشة عمل بصنعاء مع الوزارات والجهات المعنية بالتعليم :" ان اليمن بحاجة إلى نصف قرن لتغطية الفجوة في نسبة التعليم وفرص العمل المتواجدة في السوق وتطوير نوعية التعليم واللحاق بركب الدول المتقدمة في مختلف المجالات . وارجع التقرير ذلك إلى ارتفاع معدلات الرسوب والتسرب بين الذكور والانقطاع بين الاناث فضلا عن الظروف الاقتصادية والاجتماعية.. مبينا أن الرسوب للذكور في جميع الدرجات باستمرار فوق 5 بالمائة، فيما بلغ أعلى معدل للرسوب في الصف 12 للذكور نحو9.5 بالمائة مقارنة بالإناث 7.1 بالمائة.. وحسب التقرير فإن الإناث يملن إلى الانقطاع عن الدراسة وخاصة في الصفوف الأولى الأساسية لتبلغ 19.1 بالمائة، ومعدل التسرب لدى الاناث أكثر من 10 بالمائة مابين الصفوف الثالث والسابع و تنخفض في الثامن لتصل إلى 10 بالمائة عند الصفوف العاشر والحادي عشر . وشدد التقرير على ضرورة ترشيد الإنفاق على التعليم الفني والتدريب المهني والتعليم العالي، وإلغاء تحديد العمر للقبول في التعليم الفني والمهني إضافة الى إلغاء سنة الانتظار قبل الالتحاق الجامعي، ومواصلة الإصلاحات الإدارية والمالية في وزارات التعليم العام والعالي والفني .. داعيا إلى تشجيع الشراكة الحقيقية الفاعلة مع القطاع الخاص في استيعاب خريجي الثانوية العامة مع ضمان جودة التعليم في المعاهد والجامعات الأهلية، والعمل على إلغاء التعليم الجامعي الموازي الذي أثبت عدم جدواه . جدير بالذكر أن المجلس الأعلى للجامعات اليمنية قد اقر خطة القبول في الجامعات الحكومية والأهلية للعام الجامعي المقبل 2009 2010م والتي حددت إجمالي الطاقة الإستيعابية في جميع الجامعات ب 102 ألف و673 طالباً وطالبة وبنسبة زيادة 27.5% عن العام الماضي، منهم 62 ألفاً و720 في الجامعات الحكومية و40 ألفاً و403 في الجامعات الأهلية وبنسبة زيادة عن العام الجامعي الماضي قدرها 11.3% للحكومي، و59 % للأهلي.