مع مفتتح العام الدراسي تسابق تلاميذ ريفي الجميل إلى المدرسة وفي صبيحة أول أيامه المفعم بالحيوية والطموح ما إن تم طابور الصباح الذي ختم بالنشيد الوطني ودخول التلاميذ إلى قاعات الدراسة واستقرارهم على مقاعدها دخل المعلم.. فوقفوا إجلالاً لقدره وبعد أن صافح كل واحد منهم أذن لهم بالجلوس وعيناه تشع أملاً وبشاشة وقد خامرته حالة تأمل قصيرة!! لاح بها على جبينه ألق المهابه ثم أخذ طبشوره.. وقال ووجهه باتجاه السبورة: اخرجوا دفاتركم واكتبوا عناصر أهم درس تتلقونه في حياتكم فتطلعت أعناق اولئك الصبية لمعرفة عنوان هذا الدرس بمالهم من عفوية طفولة. إلا أن لهفتهم تلك لم تتجاوز حد النظرات الحيرى التي تتبادلها أحداقهم ببراءة مطلقة ولولا أن أنامل معلمهم تحركت راسمة بالنور لا بالطبشور عبارة «الوطن» لماتوا شوقاً. وقد هتفوا بلسان واحد.. نعم.. الوطن هو أصل ما نتعلمه! فأردف المعلم وأسمى شرف تتقلده! فعقبوا صارخين.. نحن له البناة وأرواحنا فداه!! فاغرورقت عينا المعلم وغالب صوته النحيب وهو يقول: نعم.. نعم.. حب الوطن فطرة وافتداه غريزة!! يدركها الإنسان بمولده كما يولد الوطن ببنيه نسيجاً في أوشاجهم ولن يكون لهم في يومٍ علم يحتاجون به لتلقين معلم.