لكل أناس ميسم يعرفونه وميسمنا فينا القوافي الأوابد إذا ما كسرنا رمح راية شاعر يجيش بنا ماعندنا فنعاود شاعر طالما جلى الكرب عن قلب رسول الله، وطالما زرع البسمة على وجهه المشرق الجميل.. شاعر درست شعره فهبته، وقرأت سيرته فأحببته،وأي مسلم لايحب حسان بن ثابت؟! أما شعره، فقد بلغ الشرفة العليا من الفن المُعجب الفريد.. وقافية عجت بليل رزينة تلقيت من جو السماء نزولها يراها الذي لا ينطق الشعر عنده ويعجز عن أمثالها أن يقولها وأما حبه، فقل في مدى حبه للمصطفى ما تشاء.. من ذا الذي عنده رحلي وراحلتي ورزق أهلي إذا لم يؤنسوا المطرا؟ كان الضياء، وكان النور نتبعه بعد الإله،وكان السمع والبصرا وأما التزامه، فحسبه أن يكون أول شاعر عربي يجسد معنى الالتزام الشعري،بل وأزعم أنه كان أول شاعر ملتزم في تاريخ الإنسانية،إذ وقف شعره كله على نصرة الرسالة السماوية الخاتمة. وماذا يقول القلم في شاعر انتدبه الرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم إلى ارتقاء صهوة البيان؟ ماذا يقول القلم في شاعر بشره أمين الأرض بأن معه أمين السماء؟! “أُهجهم وجبريل معك.. إن روح القدس لا يزال يؤيدك ما نافحت عن الله ورسوله”. فأمام أذى شعراء الجاهلية لم يجد الرسول بداً من أن يدعو فرسان البيان إلى الميدان:” ما يمنع القوم الذين نصروا رسول الله بسلاحهم،أن ينصروه بألسنتهم؟”. فدعا أولاً عبدالله بن رواحة فقال وأحسن، ثم كعب بن مالك فقال وأحسن،وأخيراً استنفر الأسد الرابض في العرين، حسان بن ثابت. ولما أن جاء البشير قال حسان: “أنا لها”، وخف مسرعاً إلى الحبيب صلوات ربي وسلامه عليه، ودخل عليه وهو يقول:” قد آن لكم أن ترسلوا إلى الأسد الضارب بذنبه”،ومد لسانه قائلاً: “والله ما يسرني به مقول بين بصرى وصنعاء.. والذي بعثك بالحق لأفرينهم بلساني فري الأديم”. ليت شعري! أي شعور سرى فيك والرسول يناديك ليزين جبينك بتاج” شاعر الرسول وشاعر الإسلام”؟! هل كنت ساعتها تسير على الأرض، أم كنت تطير فوق الغمام؟! “قد آن لكم أن ترسلوا إلى الأسد الضارب بذنبه”! أوتمن على الأمة بشعرك ياحسان؟! فالله يمن عليك أن هداك إلى الإيمان.. قد غفرها لك الأمين فابتسم، فأنت محب،وللمحب عذر! وأنت شاعر،وللشاعر عذران!! معذور أنت يا أبا الوليد، فالعبقرية لاتعرف الاعتدال.. معذور أنت إذ تفاخر بقلمك، فليس أبو دجانة بأولى منك إذ اختال بسيفه بين الصفين.. معذور أنت، فصفوف شعرك الساجد في ساحات البيان،ليست بعيدة عن صفوف المصلين في المسجد، وصفوف المجاهدين في الميدان.. وإذا ما قال الأمين لأسود الميدان يوم بدر:”قم ياحمزة .. قم يا عبيدة.. قم ياعلي”،فإنه قال أيضاً لأسود البيان يوم تميم: “ قم يا ثابت .. قم ياحسان”. ولما قاما هوت جاهلية تميم،وأعلن زعيمهم :”لخطيبه أخطب من خطيبنا،ولشاعره أشعر من شاعرنا”.. أي نور أشرق في وجه الرسول إذ أصاب سهماه كبد الجاهلية! ولقد غادر وفد تميم المدينة،وما يزال يدوي في أسماعهم هذا الصدى: قوم إذا حاربوا ضروا عدوهم أو حاولوا النفع في أشياعهم نفعوا إن كان في الناس سباقون بعدهم فكل سبق لأدنى سبقهم تبع لايجهلون وإن حاولت جهلهم في فضل أحلامهم عن ذاك متسع كأنهم في الوغى،والموت مكتنع أسد ببيشة في أرساغها فدع أهدى لهم مدحي قلب يؤازره فيما يحب لسان حائك صنع ومن قبل تميم، كانت قصائد حسان تغزو المشركين لتمهد للفتح المبين، فالرماح المسلمة ظمأ والموعد كداء. عدمنا خيلنا إن لم تروها تثير النقع، موعدها كداء يبارين الأعنة مصعدات على أكتافها الأسل الظماء ونحكم بالقوافي من هجانا ونضرب حين تختلط الدماء لساني صارم لاعيب فيه وبحري لاتكدره الدلاء كانت قصائده طلائع للسواعد المؤمنة التي عزمت على هدم الوثنية: فوافيناهم منا بجمع كأسد الغاب مردانٍ وشيب أمام محمدٍ قد آزروه على الأعداء في لفح الحروب ولم يكن بدعاً أن يشعر حسان بالأسدية، فهو واحد من بني النجار، وواحد من أسود الأنصار: فلا زلتم كما كنتم قديماً ولا زلنا كما كنا نكون يطيف بكم من النجار قوم كأسد الغاب مسكنها العرين وكم تكرر وصفه الأنصار بأنهم أسود المدينة! ويثرب تعلم أنا بها أسود تنفض ألبادها نهز القنا في صدور الكماة حتى نكسر أعوادها وكم تكرر في شعره ذكر المدينة! لنا حرة مأطورة بجبالها بني المجد فيها بيته فتأهلا نصرنا بها خير البرية كلها إماماً، ووقرنا الكتاب المنزلا نصرنا وآوينا وقوم ضربنا له بالسيوف ميل من كان أميلا ولم يكن الفخر وحده سلاح حسان، بل آزره الهجاء المر المبير، الذي وقع على المشركين كالصواعق المرسلة. فتوقعوا سبل العذاب عليكم مما يمر على الروي لساني ولتعرفن قلائدي برقابكم كالوشم لاتبلى على الحدثان وهاهو الحارث بن عوف المري يهرع إلى النبي عليه الصلاة والسلام مذعوراً مستغيثاً، فيقول: “يامحمد! أجرني من شعر حسان، فوالله لو مزج به البحر لمزجه”! لقد صدق إذاً حسان وعده ففرى الظالمين بلسانه فري الأديم، وشفى قلب النبي الكريم فقال له: “أحسنت ياحسان”. “هجاهم حسان فشفى واشتفى”، وحسب حسان شهادة سيد البلغاء، إذا فاتته شهادة النقاد الأدعياء. ولقد كان شعره المتوهج نسيج وحده، فهو مختلف السمت، قد جمع بين الفخامة والطلاوة وبين الجزالة والعذوبة وزانت هذا الشعر صور بيانية طريفة، وجملت أسلوبه بعد الإسلام نعميات الحضارة، حضارة القرآن. وأنا لا يكاد ينقضي عجبي من روعة صوره الفنية المبتكرة! وكأنني رئبال غاب ضيغم يقرو الأماعز بالفجاج الأفيح غرثت حليلته وأرمل ليلة فكأنه غضبان مالم يجرح فتخاله حسان إذ حربته! فدع الفضاء إلى مضيقك وافسح فالأسد الهائج الذي باتت حليلته جائعة، يشبه حسان حين تغضبه فابتعد إذاً عن طريق حسان. وهذه الصورة تشي بخيال شعري مستوفز خارج عن المألوف في شعر العرب. وقد أدرك حسان ميزة تفرده الفني، فقال: لا أسرق الشعراء مانطقوا بل لا يوافق شعرهم شعري إني أبى لي ذلكم حسبي ومقالة كمقاطع الصخر وحاشاك أن تمد عينك إلى شعر غيرك ياحسان، بل ستغدو أنت عبر الأزمان “الشاعر الإمام” في الدفاع عن الإسلام. قد ثكلت أمه من كنت واجده أو كان منتشباً في برثن الأسد ما البحر حين تهب الريح شاتية فيغطئل ويرمي العبر بالزبد يوماً بأغلب مني حين تبصرني أفري من الغيظ فري العارض البرد صدقت يا أبا الوليد، فاثنان هالكان: من وقع في مخالب الأسد.. ومن وقف معانداً على طريق قافية حسان! رضي الله عنك يا أسد الشعراء.