من الملاحظ أن عنوان هذا المقال يتكون من شقين الشق الأول وهو التفكير ويقصد به عملية استيعاب وفهم كل ما تحمله الحواس من إشارات و معان وكذا كل ما يخلقه الخيال و الحلم من تصورات أما الشق الأخر من العنوان وهو صفة العميق فهو يعني التفكير الذي لا يقف عند ظواهر الأشياء حتى يحاول استبطان وسبر أغوارها للخروج بأنجع التصورات وأدقها لاتخاذ القرار المناسب من القول و الفعل وهنا يعتقد البعض أن التفكير العميق هو منطقة محظورة لا يلجها غير الفلاسفة أو أصحاب الإبداعات المميزة وأن الأمر يحتاج إلى كثير من العزلة والانقطاع عن العالم والناس وظروف الحياة اليومية ومتاعب السير في الأرض لكن من المهم هنا أن نوضح أن التفكير العميق ليس بالقضية الصعبة آو المعقدة أو تلك التي لايمكن إحرازها إلا وفق نمط معين يقتضي من الشخص أن يؤثر العزلة وأن يأوي إلى أبراج معينة حتى يستطيع الخروج بقرار محدد في قضية معينة. التفكير العميق هو إعمال العقل عبر المشاهدة والتتبع ومخزونات الذاكرة من الأحداث والإرهاصات ذات الارتباط التشعبي الواحد أو المتشابه ويمكن الوصول إليه عبر هذه المنظومة أو غيرها من المنظومات التي تتيح للمرء إدراك الحقائق بعيداً عن الحياة المضطربة والدونية في ظل خداع الذات والعيش في الإرتكاس الحياتي يصل الناس عبر التفكير المنطقي والعميق إلى نتائج تغيير مسيرات الحياة فعلى سبيل المثال العربي الأول وعبر التفكير المنطقي العميق استطاع ربط كثير من الأحداث التي جعلت منه يتخذ قرار الحكمة و الصواب في أهم قضية كونية تمتد عبر الحيوات المختلفة دنيا- برزخ- آخرة وهي الإيمان بوجود خالق واحد أوحد لهذا الكون يقول هذا الإعرابي (البعرة تدل على البعير وأثر القدم يدل على المسير فسماء ذات أبراج وارض ذات فجاج أفلا يدل ذلك على العليم الخبير) إنها ربط للأحداث ببعضها البعض للوصول إلى غايات عبر المشاهدة والاستنتاج والتتبع هذا الإنسان ليس الوحيد الذي توصل لذلك لكنه صاحب الصيغة المعرفية للحدث والاستدلال كما أن شهيد المعرفة جاليليو توصل عبر تفكيره العميق إلى حقيقة دوران الأرض وأخر تبلور على يديه قانون الجاذبية وكثير من هؤلاء وأولئك عندما سلكوا في مشاهدتهم للأحداث ومراقبتهم لسير الأمور تفكيراً عميقاً تمكنوا من خدمة الذات والعالم بالمعرفة والعمل اللذين جلبا السعادة لكثير من طلابها. إن التفكير العميق ضرورة افترضها الله على الناس ليصلوا إلى معالم الحقيقة وسبل النجاة وطرائق السعادة وليهنأوا في عيشهم هنا وهناك.. إن الله افترض على البشرية التفكير العميق في كل ما يمرون به من ملامسة الحواس أو خيالات الفؤاد تفكر في خلق السموات والأرض بكل ما تحمله هذه أو تلك من عظمة وأسرار والغاز فيها وعلى ظهرها وتفكر في النفس بما تحمله من إعجاز ودلائل وإمكانيات كل ذلك بأمر الله ليتم استثمار طاقات الرزق وعوامل السعادة لخير النفس والبشرية جمعاء .. إن الناس سواء كانوا ذكوراً أو إناثاً يستطيعون أن يحققوا الكثير من الحب والود والسعادة والسلام لأنفسهم ولمجتمعاتهم عبر تفكيرهم المنطقي والعميق المنطلق من عقول مفتوحة مؤمنة بخيارات الحياة وأحقية السبق فيها عبر قواعد التآخي والتنافس في بذل الأكثر إشراقاً من العمل والقول. وقد يقول قائل ما دلالة أن يكون التفكير عميقاً وهل التفكير أنواع نعم التفكير أنواع ولا يوجد كائن لا يفكر لكن هناك درجات من التفكير واغلب الناس يفكر ولكن بصورة سطحية لا تجعله يرسو على بر أمان أو يخلص لاتخاذ قرار حكيم على المستوى الشخصي أو الجماعي وكم جنينا نحن العرب في عصرنا الحاضر نتيجة التفكير السطحي والقرارات العنجهية من انتكاسات وإرتكاسات قاتله وما حالنا إلا ناتج عن ذلك التفكير وتلك القرارات الناتجة عنه. ليس هناك ما هو أكثر ضرراً على إنسان ما أو مجتمع معين من الانسياق وراء خداع الذات أو الاستطالة في استمراء الضعف والهوان عبر التواكل ابتداء من التفكير وانتهاء بالعمل وهذا سر تقدم قوم وتخلف آخرين ونجاة أشخاص وغرق الباقين في وحل من مشاكل الحياة وصراعات الوجود.. إن العدة التي طالبنا الله بأخذها تبدءأ بعدة الفكر..حيث بغير التفكير الصحيح والمنطقي لايمكن لعمل ما أن يكون ذا ثمرة ايجابية بل ربما جنت على نفسها براقش بسوء من التفكير إن أناس كثيرين يمكنهم النهوض بأنفسهم وبمن يعولون وبمجتمعاتهم التي ينتمون إليها –وهذا ما يفعله العباقرة والمبدعون والمصلحون عبر التاريخ– عبر اتخاذ قرارات نابعة عن تفكير عميق إن هناك من يملك الكثير من القدرات لكنه لا يملك تفكيراً صحياً لما يجب أن تثمره هذه القدرات العقلية والمالية والجسمية فترى كل ذلك ولا ثمرة في سعي أو سير وإذا وجد شيئاً ما فهو قصير الأجل محدود الأثر فاعليته لا تتجاوز منفعة آنية. .يجب أن نمتلك تفكيراً عميقاً لأنفسنا ولما يحيط بنا من بشر وكوناً فسيحاً حتى نقدم للحياة ما يكون ذكرى لنا ولقومنا ولكل البشرية يجب أن يؤدي بنا التفكير العميق لصنع التغيير الدائم والمستمر للوصول إلى سعادة الحياة الدنيا و الآخرة. إن الذين يقدمون الكثير لأنفسهم ولبيئتهم وربما للعالم من فرص النجاح والتطور هم الذين يملكون تفكيراً منطقياً وعميقاً ينتصرون به للحقيقة والعقل والمنطق وهم بذلك ينقذون أنفسهم من غفلة الحياة وحياة الغفلة كما أنهم ينتصرون على أي جمود عقلي ويعيشون الحياة بوعي وإدراك ويقدمون لأنفسهم ولمشاكل حياتهم الخاصة أو العامة الحلول السليمة المفضية إلى أمان العيش وسعادته.