1 - مفهوم العقل يقال إنّ التفلسف بدأ عندما العقل الإنساني يفكر، وقد قال أحد أتباع كونفوشيوس (Confucius): “إنّ العلم بدون فكر لا يؤدي إلى نتيجة، والفكر بدون علم يعد مخاطرة كبيرة”، وهو يعني بهذا القول أنّ المعرفة تقوم على معطيات ومنهج للتفكير، فإذا لم تتوافر المعطيات للفكر كان ما يقوم به المرء مجرد أوهام لا يعتد بها. فإذا تم تجميع كثير من المعلومات المتفرقة..فإنّها تفتقر إلى المبدأ الذي يجمعها كالخيط الذي يجمع مجموعات الأشياء لتنظيمها ووضعها في فهم واحد؛ فالفرد يمكنه أن يعرف معلومات كثيرة إلا أنّه سيعجز عن الوصول إلى هدفه، أو أن يقيم حياته بدون العقل. ويذكر عن الفيلسوف الصيني “منشيوس Mencius” أنّه فيلسوف عقلي لأنّه يرى أنّ العقل هو المصدر الذي نستقي منه المعرفة، وأن نميز بين الصواب والخطأ؛ لهذا اعتبر مؤسس المدرسة العقلية في الفلسفة الصينية. ويقول منشيوس: “.. فالحواس مثل السمع والبصر لا معنى لهما بدون الفكر، فإذا ارتبط شيء بشيء آخر فإنّه يؤدي بالإنسان إلى الضلال إذا لم يربط بينهما العقل، فالعقل يختص بنواحي الفكر، والحواس هي مصدر الوهم والخداع. فبالفكر ينظر الإنسان إلى الأمور نظرة صحيحة، ويفشل إذا أهمل الفكر؛ فالعقل والحدس هما هبة الله للإنسان”. وقد تلاحظ في تاريخ الفكر الإنساني بصفة عامة أنّ الفلسفة والعلم يزدهران عندما يحتل العقل مكانته الحقيقية في الصدارة، وأنهما (الفلسفة والعلم) يتراجعان إلى الظل إذا أهمل العقل الذي حاول البعض طمسه في القرون الوسطى وعهود الظلام في كل من الصين وأوروبا. غير أنّ العقل عاد ليحتل مكانته في صدر عصر الإسلام وإبان عصر النهضة في أوروبا حيث ازدهرت الفلسفة من جديد على يد ديكارت وأتباعه ومؤيديه ليعود العقل يقود الحياة.. وجعل ديكارت الكوجيتو ومواكبة الأنا للعقل بداية مرحلة جديدة للفكر الإنساني. وقد ظهرت الفلسفة في الصين منذ قرون طويلة مضت وأصبح هناك فلسفات صينية وليس فلسفة واحدة منها الجديد ومنها القديم، منها الغربي ومنها الإقليمي، منها المتطرف ومنها المعتدل، وساد بين جميع الأطراف صراع من أجل البقاء والسيادة حتى وضعت الكونفوشية الجديدة في القرن الحادي عشر حدّاً للمنافسة التقليدية بين الكونفوشية والبوذية والطاوية. ثمّ وضعت الفلسفة الغربية حداً للكونفوشية الجديدة. ومع اكتشاف “الإخوة سانج Cheng brothers” للعقل (Li) ظهرت الكتابات التي تشير إليه كمفهوم هم يتناول الفكر الإنساني برمته، فضلاً عن أنّه أحد الوسائل التي يمكن للإنسان استخدامها في المعرفة، ويقول “سانج هاو cheng hoo” عن العقل: “يتكوّن العقل من الأضداد الموجودة في الأشياء، فالعقل لا يقف وحده في الوجود، وهذا موقف طبيعي وليس موقفاً اصطناعياً، وعندما التقط أنا فكرة ما أثناء تفكيري عند منتصف الليل، فإنني أشعر بالسعادة حتى أنني أقفز من فرط سعادتي”. وقد يبدو مفهوم العقل في الفلسفة الصينية مفهوماً غامضاً، وقد يعود هذا الغموض لأنّه يستخدم بمعنيين: الأوّل: يستخدم مفهوم العقل (Li) بمعنى العقل الخالص والعقل العملي معاً كما ورد في فلسفة كنط النقدية. الثاني: يعمل العقل عمل القانون لكل من عالم الطبيعة وعالم الأخلاق، أي أنّه يمثل القانون الذي يبدو في الطبيعة على أنّه النظام الذي يقودها إلى غاياتها. ومن المعروف في الفلسفة الصينية أن “فلاسفة سانج” (The sung Philosophers) في الصين استخدموا مفهوم العقل بالمعنى الثاني لا الأوّل، وذكروا في كتاباتهم أن كي شيء في الكون لع عقل بمعنى المبدأ المنشئ للكون، وقالوا بعلم العقل أو فلسفة العقل Li-hsueh كما تحدثوا أيضاً عن الفلسفة التي تعبر عن طبيعة الإنسان Human Nature بوصفه العقل Hsing Li. ويعد “تشو هتس Chu His” من كبار فلاسفة الصين في منطقة “صباغ ديناستي” بجنوب الصين Sung dynasty وربّما تكون كتابات كونفوشيوس، والتي قرأها أباطرة ديناستي Ming Dynusty، وتوصل في تعليقاته إلى أنّ العقل ليس كاملاً في ذاته، لذلك يجب أن نحاول تحقيق كماله عن طريق البحث عن المعرفة خارج العقل، أي بدراسة العالم الخارجي والذي أطرق عليه اسم “الدرس العظيم The Great Learning”. 2 - مفهوم الحدس: يقول “كارصن شانج Carsun Chang” في كتاب “الفلسفة في الشرق والغرب، عن الحدس ما يأتي: “إنني أعني بالحدس تلك العملية التي نصفها بالمعرفة المباشرة، دون القيام بأي استدلال منطقي أو تجريب، ولندع السؤال عما إذا كانت هناك حقيقة مثل هذه العملية المستقلة عن تصوراتنا المعرفية والعمليات المنطقية أم لا، جانباً وتنسب إلى الحدس أنواع كثيرة من الصدق مثل الرياضيات والفن والأخلاق، فقد أرست النزعة الحدسية نفسها كاتجاه مستقل في المعرفة، فإذا ما حاولنا أن نطبق هذا المصطلح على الفلسفة الشرقية – بصفة عامة – فسنجد أنّه أصبح مصطلحاً مختلفاً وغامضاً، إلا أنّه طالما يشتمل على عملية معرفية مستقلة عن العقل، فإنّه يغطي مجالاً أوسع وأرحب في الفلسفة الشرقية عنه في الفلسفة الغربية. فكل أنواع الصدق المتباينة سواء في النزعة البرهماتية Brahmanistic أو البوذي Buddhist أو الكنفوشيوسي Chonfucianist أو البوذي الجديد Neo – Concusianist فإنهم جميعاً يندرجون تحت مصطلح الحدس”. وقد مرّت الفلسفة الصينية قبل أن تتناول نظرية المعرفة بالشرح والتحليل بمراحل مهمة وجهت فيها جل اهتمامها نحو التأمل Meditation والتربية الروحية Spiritual nursing، والفهم الصامت Silent Understanding، والتركيز على إعادة تركيب الأفكار وترتيبها ثمّ على التقوى Devotion.