يمثل التفوق غاية غريزية لكل إنسان على وجه الأرض، وفي سبيل تحقيقها يبذل الفرد كل ما يستطيع ويعمل بكل ما أوتي من قوة وقدرات، وخلال العامين الماضيين برزت إلى الوجود ظاهرة جديدة في ميدان التفوق حيث حققت طالبات جامعة إب تفوقاً علمياً غير مسبوق فحصدن الغالبية العظمى من مراتب الأوائل في مختلف التخصصات العلمية حيث كانت المرتبة الأولى والثانية في معظم الكليات من نصيب بنات حواء، وهو الأمر الذي أصبح يمثل ظاهرة تقتضي طرحها على بساط البحث والمناقشة.ومن هذا المنطلق فقد توجهت صحيفة الجمهورية إلى العديد من المختصين الأكاديميين وطلبة الجامعة لاستطلاع آرائهم في الظاهرة الجديدة، ويؤسفنا في هذا السياق أن نشير إلى أننا قابلنا الكثير من اللامبالاة من قبل بعض أعضاء هيئة التدريس حيث اختصر الكثير منهم القضية برمتها بالفراغ الكبير في حياة الطالبات، فيما اعتذر البعض الآخر بأدب رفيع دون إبداء الأسباب التي تحول دون إعلان رأيه في القضية، وهو ما يشير إلى أننا في المجتمع العلمي الأكاديمي ما زلنا بعيدين عن التعامل الجاد مع مختلف قضايا المجتمع، لأن مناقشة تلك القضايا بالتأكيد ستؤدي نحو فتح آفاق جديدة للتفكير والتجديد ورفع مستوى الكفاءة لدى الشريحة الأهم في المجتمع ممثلة في شباب الجامعات. وبالرغم من ذلك فقد استطعنا الحصول على آراء بعض المختصين والمعنيين بتفوق طالبات الجامعة على أقرانهن من الطلاب. تغير وجهة نظر المجتمع الأستاذ الدكتور عبدالعزيز محمد الشعيبي رئيس جامعة إب يرى أن تفوق الطالبات ظاهرة عامة برزت في الجامعات والمدارس حيث يقول: إن هذه الظاهرة موجودة في جامعة إب وفي كثير من الجامعات، بل وكثير من المدارس فلو لاحظت أوائل الثانوية العامة كانت الطالبات متفوقات بكثير، وأعتقد أن هذا الأمر يمكن تفسيره بالقول إن تفوق الطالبات قد أتى نتيجة لأن هذا العنصر النسائي قد حرم من هذه النعمة لفترة طويلة من الزمن وعندما أتيحت الفرصة لتعليم الفتاة بذلت كل جهودها وشجعها الجميع، وفي نفس الوقت أيضاً تغيرت نظرة المجتمع فقد كان المجتمع في الزمن السابق يرى أن البنت لا يجب أن تتعلم وليس من حقها أن تتعلم وليس بالضرورة بأي حال من الأحوال أن تتعلم، فتغير وجهة نظر المجتمع هو الذي غير مسار حماس الفتاة للتعلم وبالتالي أنتج تفوقها. كما أرى أن الطالبة هي الأكثر التزاماً بالبيت وبالتالي فلزومها للبيت فترة طويلة تمكنها من القراءة لوقت طويل بينما الطالب قد يخرج ويسرح ويقصر في الكثير من واجباته. الارتباطات العملية الأستاذ الدكتور عبدالله محمد الفلاحي أستاذ الفلسفة بجامعة إب ينفي المزاعم القائمة على أسس العامل البيولوجي في الذكاء فيقول: ليس هناك سبب بيولوجي لتفوق الطالبات على الطلاب على الإطلاق، وكل ما في الأمر هو أن هناك فرصاً وعوامل مناسبة أحياناً ومواتية تساعد الطالب أو الطالبة، ومن خلال ملاحظاتي داخل القاعات الدراسية أجد أن الطالبات أكثر حضوراً في المحاضرات لأن انشغالاتهن الخارجية ليست موجودة بينما الطالب يأتي لمحاضرة وفي المحاضرة الثانية يعتذر لأنه كان مشغولاً أو في عمل ما، أي إن التزاماته الأخرى غير الدراسية صارت أساساً في دفتر أجندته اليومية، فبعضهم رب أسرة وبعضهم يعمل خارج الجامعة، فربما هذه تخفض فرصة التفوق لديه إذا قورن بالطالبات، والأمر الآخر الذي يسهم في رفع مستوى التفوق يتمثل بأن الطالبات عندما يكلفن بمهمة بحثية أو إعداد ورقة جامعية يسرعن في إنجازها باعتبارهن لديهن الرغبة في تحقيق ذواتهن فقد يكون لدى الطالبة استعداد لهذا النوع من الطموح، أو ربما طموح تعويضي عن أشياء أخرى لم تتحقق لها فعلى سبيل المثال؛ الطالبة الجامعية بمجرد أن يغلق باب الزواج تلجأ إلى الدراسة..والدراسة فقط كمخرج لها من أزمات البيت وأزمات المجتمع ومن عدم تحقيق أهدافها فيكون ذلك حافزاً كبيراً. أما الطلاب فمرتبطون بظروف اقتصادية واجتماعية قللت الحافز بالنسبة للطالب لأنه يفكر في كونه لن يحصل على فرصة عمل قبل عشر سنوات، وبالتالي يبحث عن أي فرصة أخرى ويعتبر الدراسة وسيلة لمجرد قضاء الوقت حيث إنه سيترك الدراسة في أقرب وقت يجد فيه لنفسه فرصة أخرى للحياة، وبعبارة أخرى؛ فالعوامل الاجتماعية والاقتصادية والأسرية تقف وراء تفوق الطالبات على الطلاب. ظاهرة واضحة الدكتور محمد أحمد عبدالله الزهيري رئيس قسم اللغة العربية بآداب جامعة إب يرى أن ثمة أسباباً كثيرة لتفوق طالبات الجامعة حيث يقول: تفوق الطالبات وحصولهن على المراتب الأولى والدرجات الممتازة ظاهرة واضحة في مختلف التخصصات والأقسام، وهذا في تقديري يرجع إلى أسباب وعوامل كثيرة منها: محاولة إثبات الذات أمام المجتمع الذي ينظر لتعليم الفتاة لاسيما في مجتمع مختلط كالمجتمع الجامعي نظرة شك، ولاسيما أمام زملائهن ويظهر ذلك من الحساسية التي يبدينها من أي نقد أو تصنيف أمامهم، كما يظهر في الجدية والانتظام في الحضور وعمل الواجبات، ويظهر أثر ذلك على تحسين مستواهن تدريجياً كلما مرت الفصول والسنوات. البطالة ويستطرد الدكتور الزهيري في تعداد أسباب تفوق الطالبات بقوله: والسبب الثاني: حالة الإحباط التي يعانيها الشباب من قتامة المستقبل وجدوى الدراسة وبخاصة وهو يرى قبله آلاف الخريجين ومنهم المتفوقون لم يستفيدوا من مؤهلاتهم وشهاداتهم ونسبهم العالية شيئاً، وهم يعانون بطالة مركبة فلا هو وجد عملاً يناسب مؤهله ولا هو قادر على الاندماج في عمل مهني أو حرفي، ويرى أن من اتجهوا إلى حرف ومهن في وضع أفضل منه، وهذا لا يؤثر على الفتيات كثيراً لأنها لا تنتظرها تبعات ومسؤوليات الرجال فهي ترى أن مستقبلها الزواج والبيت فهي تدرس وتثبت تفوقها وجدارتها لتلفت نظر المجتمع الذي عادة ما يكون زوج المستقبل بينهم وهي إن حصلت على وظيفة من وراء شهادتها ومؤهلها وظيفة وعمل كان بها، وإن لم تحصل حصلت على ثقافة ومعلومات تسامي به زوجها وتفخر بها مجتمعها وتلقنها أطفالها. الجنس المغاير ويلعب وجود الجنس الآخر دوراً في تحقيق التفوق لدى الطالبات برأي الزهيري فيوضح ذلك بقوله: وقد تكون محاولة إثبات نفسها أمام أستاذها الذي غالباً ما يكون رجلاً كما نلاحظ أن الشباب يحاولون إثبات أنفسهم أمام أستاذتهم إذا كانت امرأة، وليس في هذا إشارة إلى الميل الجنسي من الجنس إلى الجنس الآخر لأن أستاذ الجامعة أرفع من أن يظهر عنده أثر هذا الميل في محاباة أو تفضيل بصورة مباشرة ولم نسمع بهذا عن أحد من أساتذة الجامعة ولو كان موجوداً فإن الطلاب لا يبقون صغيراً ولا كبيراً إلا وتحدثوا به حتى ولو كان تخميناً أو استنتاجاً، ولكنه الاستقلال غير المباشر لإثبات الذات أمام الجنس المغاير والله أعلم.