في آخر ليلة من ليالي رمضان وضعت رأسي على الوسادة لأنام في ساعة متأخرة من الليل، أو بمعنى أصح ساعة مبكرة من الفجر، أجدول يوم العيد، راح النوم يتسلل في أوردتي رويداً رويداً، لكني أفقتُ فجأة ونهضتُ من مكاني، فرأيتني ممدداً على الأرض!! ومن حولي أمة يختصمون، مجموعة منهم ذوو هيئة مريحة يقولون: (هذه النفس طيبة ونحن أولى بأخذها) وآخرون مخيفون: بل هي نفس خبيثة ونحن أولى بها.. لم أستمع إلى بقية الجدل فذاك الواقف فوق رأسي ينزع أوصالي نزعاً شديداً وأنا من كل ذراتي أتألم، وتلهج الزفرات في صدري، وبصري شاخص لا أدري إلى أين؟ سويعات، وإذا بهم يرحلون!! ولم أدرِ مع أي الفريقين رحل الجزء الذي كانوا يبحثون عنه في جسدي، لكنهم تركوا جسدي هادئاً، منهكاً، عدتُ إليه، أدخلت رأسي في رأسي، تجولتُ في أرجائي، لكنه أصبح مظلماً، خاوياً، كدتُ أتجمد من برودته، فخرجت مسرعاً.. وبينما أنا أحاول تدفئة نفسي، إذ بأمي الحبيبة تدخل عليّ لتوقظني وقت الصلاة، فرحت عند رؤيتها وهي تهزني بحنانها، لكنها تحولت إلى الشد وأنا لا أفيق، أمسكت بيدي بين يديها وأخذت تصرخ: (ولدي، ولدي) وهي مفزوعة لدرجة أرعبتني!! ماذا بك يا أمي الحبيبة؟! حاولت أن أكلم أبي، لكنه انهار على نفسه، يبكي، تعجبت! لماذا يا أبي تبكي؟! نظرت حولي، اكتظت الغرفة بأخواتي وإخوتي وأولادهم، وكلهم يبكي، وينهار، لم أفهم شيئاً، لماذا يحدقون بي ويبكون؟! أنا بخير لكن ضجيجهم سبّب لي صداعاً ولم أعد أسمع شيئاً.. وبعد وقت لا أعرفه شعرت بتحسن، فوجدتُ أننا خرجنا من البيت، شعرت بالراحة وأنا أتنفس هواء الصباح، والكثير من الناس يهلّلون، لكني لم أفهم شيئاً أيضاً، لماذا يهللون في يوم العيد والسنّة هي التكبير؟! ثم لماذا لا يسلّمون على بعضهم بتحيات العيد المعروفة؟! غريب أمرهم! ولكن الأغراب عندما وجدتهم وقد وضعوني أمام الإمام في المسجد، سألت: كيف سأصلي هنا؟ حقيقة ذهلت من موقفهم هذا! ما الذي يصنعونه؟! حاولت التفكير والتفكير والتفكير، ولكني أفقت وهم يدسون جسدي في حفرة مظلمة، ويصنعون حوله الأحجار ثم ينهالون عليّ بالتراب، ودموعهم غزيرة!! حاولت أن أصرخ فيهم: ماذا دهاكم؟ لماذا تدفنون جثتي؟! لكنهم لا يسمعون لي، عندها جلست على كومة التراب التي تركوها أتساءل: ربما أن جثتي أصبحت بالية، لا تتسعني، وقفزت في رأسي فكرة أخرى مخيفة (ربما مُتُ)، فأفقت ورفعت رأسي مسرعاً من هول ما فكرت به، تلفّت حولي فإذا بالكثيرين يجلسون مثلي على كومة من تراب.