ليس هنالك أصعب على الشاب من تحديد واختيار شريكة حياته إلا أمر أشد وأقسى وهو اختيار وتحديد الكلية التي سيلتحق فيها بعد إتمام الثانوية العامة، هذا إن حالفته الظروف المادية لإتمام دراسته الثانوية متجاهلاً عقبة الإحباط والخوف من صعوبة الالتحاق بكلية يحلم بها من ناحية وتجاهل عقبة الوصول إلى ذلك المصير المجهول بعد تخرجه كما حل بسالفيه المتخرجين. هذا الاستطلاع يقف على نقطة وسط بين طرفي أرجوحة هوجاء وميزان لا يبدو منصفاً بين مخرجات الثانوية العامة على بوابات الجامعات الحكومية وبين سياسات القبول عليها.. تعالوا معنا: العسكرة ثمة شخص ثلاثيني بالغ الإحباط لم يفتح شهيتي لإجراء هذا الاستطلاع فحسب بل وملف التعليم الجامعي برمته، إنه الأخ فيصل عبدالله يحيى عرفته منذ طفولته متميزاً على أقرانه في الفصل المدرسي حتى أنهى دراسته الجامعية بذات الوتيرة من كلية الحقوق بجامعة تعز لكن اضطر بعد سنوات من التخرج إلى الالتحاق بوظيفة بالأمن العام، كان فيصل يتحدث بحرقة وفتات القات يتناثر من فمه “بلا شعور” كان طموحي أن أصبح طبيباً لكنني “تعسكرت” بشهادتي الجامعية من الحقوق ويا ليت بلاش! وأحد إخوتي كذلك أما ثالثنا الأصغر فلم «نسخى» عليه أن يتعسكر فاشترينا له “فيزا” إلى المملكة. طيب يا أخي فيصل ما المشكلة برأيك ومن السبب في وصولكم والآلاف من الشباب إلى هذا المصير؟ المشكلة أن هناك أيادي خفية تحول دون تحقيق رغبات وطموحات الراغبين في الالتحاق بالجامعات وفق ميولاتهم وقدراتهم الذهنية، وإلا فكيف بالله عليكم تفسر أولاً: إفساح المجال للغش في اختبارات الثانوية العامة ليتساوى المجد والبليد في قاعة اختبارات القبول في الأقسام خاصة العلمية في الجامعات وفي الأخير وبعد التنافس في اختبارات القبول لا تستوعب الكليات العلمية كالطب والهندسة في تعز مثلاً أكثر من«60» طالباً وطالبة من بين «500» متقدم وأنا على يقين بأن أولئك ال«60» ليسوا صفوة المتقدمين للاختبار بل أكثر من نصفهم من أبناء كبار رجال الدولة والمسئولين والتجار. إحباط حتى في الموازي لكن يا أخ فيصل وبصرف النظر عن دقة ما أشرت إليه من اتهامات فإن الظاهر هو ما يتعلل به رؤساء الجامعات وعمداء الكليات من أن الطاقة الاستيعابية تفرض عليهم تشديد معايير القبول سعياً لاختيار الصفوة؟. بالله عليك ماذنب تسعة أعشار وربما أكثر من المتقدمين للكليات العلمية أن لا تتسع لهم الكليات العلمية في حين تفتح لهم ذات الكليات «الحكومية» الأحضان بنظام «الموازي» وكذا الجامعات الخاصة وبأدنى معدلات. ثم يضيف فيصل قائلاً: أنا مقتنع بأن يضاعفوا فرص القبول أضعافاً مضاعفة ويتركوا الفرصة أمام الطالب للالتحاق بالكلية التي يرغب فيها طالما ومعدله عالٍ وبعد الالتحاق يتعين على الكلية «زرزرة» الأمور بحيث لا يصعد إلى مستوى ثانٍ وما يليه إلا من كان مجداً ولعل المستوى الجامعي الأول ساحة امتحان أمام الطالب الذي حاز على معدل بالغش في الثانوية العامة ويواصل الأخ فيصل: لكن الظلم بعينه أن توصد أبواب الجامعات أمام الخريجين من الثانوية على هذا النحو بحيث لا يواجه الطالب إلا أسوأ الخيارات البعيدة عن طموحاته وقدراته المادية إما بتحمل أغرام التعليم الموازي الذي توقف هو الآخر من هذا العام أو يروح يبيع أمه ويرهن خالته وأرضه لسداد رسوم القسم العلمي في الجامعات الخاصة.