خلال السنوات الماضية أصبحت مشكلة عمالة الأطفال ظاهرة لافتة للنظر؛ الأمر الذي يستوجب مراجعتها بالبرامج والاستراتيجيات اللازمة للحد منها .. وتشير الإحصائيات والبيانات إلى تزايد هذه الظاهرة وارتفاع نسبة عمالة الأطفال إلى (11 %) خلال العامين الماضيين من (8 %) عام 2001م حيث أشارت نتائج مسح القوى العاملة إلى أن عدد الأطفال العاملين والذين تقل أعمارهم عن (15 عاماً) كان قد وصل إلى أكثر من (330) ألف طفل عامل. كما الحال في البلدان النامية الأخرى تعاني بلادنا من مشكلة عمالة الأطفال وما ينجم عن هذه المشكلة من تأثيرات سلبية نفسية واجتماعية بالنسبة للطفل, فضلاً عما تفرزه هذه المعضلة من مشاكل وتحديات كبيرة تواجه الطفل والأسرة والمجتمع والتنمية الاقتصادية والاجتماعية على حد سواء. وتشير التقارير إلى أن قطاع الزراعة والصيد والحراجة والرعي يستحوذ على (93 %) من إجمالي الأطفال العاملين .. وتتركز هذه النسبة في الريف حيث يجبر الأطفال على العمل لمساعدة الأسرة في انجاز أعمالها الزراعية بالأجر لدى مزارعين من غير أسرهم . الراعي الصغير محمد سعيد مرشد .. (12) عاماً من أهالي مديرية مقبنة ألتقيناه صدفة خلال نزهة سياحية إلي منطقة الطوير .. كان محمد منهمكاً في جمع الأعشاب والحشائش الطرية الى جانب اهتمامه بمراقبة الأغنام التي ترعى في سفح الجبل .. أفادنا أنه يعمل منذ نعومة أظافره في رعي الغنم التي يعود بعضها لملكية أسرته والبعض الآخر لأسر أخرى تعطيه أجراً على رعايتها .. ويقضي بعضاً من الوقت في جمع الحشائش أو الحطب لتأتي أخته التي تصغره بسنه تأخذه إلي المنزل . يبدأ محمد عمله باكراً مع بزوغ شمس كل صباح يسوق قطعان الغنم أمامه متجهاً بها نحو سفوح الجبال أو السهول المنخفضة متتبعاً المراعي ، ويقطع أحياناً أكثر من (4) أميال للعثور على مرعى أكثر وفرة .. ولا يعود إلى المنزل إلا مع غروب الشمس .. وهذا دأبه كل يوم حيث تكون أسرته قد زودته بما يلزم من خبز ووجبات خفيفة ليتناولها كوجبة غداء .. وأحياناً تأتي له أخته بالطعام وتعود حاملة ما يكون قد جمعه من حشيش وحطب. لم يعرف محمد المدرسة وكذا أخته التي تهيئها الأسرة خلال هذا العام للزواج من قريب لهم .. وأخ ثالث لهما كلهم لم يلتحقوا بالتعليم لانشغالهم بالعمل .. ويفيد محمد أن أخاه الأكبر (علي) الذي يبلغ من العمر (17) عاماً كان يعمل في نفس هذه المهنة إلى أن اضطر بعد زواجه قبل عامين للتهرب عبر الحدود والبحث عن عمل في السعودية .. علل لنا محمد عدم دخوله المدرسة لانعدام وجود مدرسة في قريته الصغيرة. وفي الواقع لم تكن المدرسة المتوافرة في القرية المجاورة لقريتهم أكثر بعداً من المراعي التي يشد الرحال إليها يومياً. الجرسون الصغير صارت ملامحه البريئة مألوفة لنا مع ارتيادنا باستمرار لأحد المطاعم الشعبية بمدينة تعز .. (علي محمد حسن) (13) عاماً .. منذ عامين وهو يباشرنا بمطايب المرق وطلبات وجبات الغذاء .. يبلو بلاءً حسناً في عمله كجوسون في هذا المطعم .. ويبذل جهداً يفوق قدراته العمرية لتلبية طلبات الزبائن .. ورفع بقايا الأكل ومسح الطاولات. .. يبدو بشوشاً ومرحاً وهو يمارس هذا النشاط الروتيني بالرغم من التوبيخات العديدة التي يتلقاها من الزبائن أو من المشرفين لتأخره في انزال الطلبات أو مسح الطاولات .. ومع ذلك يواجه كل هذا بابتسامات صافية واعتذارات لطيفة يوزعها هنا وهناك .. وحينما حاولت محاورته عن عمله الذي لا يتناسب مع صغر سنه ودوافعه للعمل في هذا السن المبكر ، أطلت على وجهه سحابة من العبوس كاشفة عن حزن عميق يسكن وجدانه ويخفي أسراراً لا يرغب في عرضها .. إذ اكتفى بالقول أن ظروفه الأسرية دفعته لترك المدرسة والبحث عن عمل لمساعدة أسرته ووالده الموظف الحكومي الذي لا يكفي راتبه لتسديد ايجار المنزل وتوفير المواد الغذائية. لم يكن (علي) الوحيد في هذا العمل بهذا المطعم فهناك طفلان آخران يقاربانه في العمر ويتقاسما معاً العمل .. وربما يشاركانه نفس الظروف والأسباب الدافعة للعمل. تراجع المستوى المعيشي ويشير التقرير الاستراتيجي اليمني إلى أن هناك عدداً من الأسباب والعوامل الاقتصادية والاجتماعية التي أدت إلى تزايد عدد الأطفال العاملين في ا ليمن ومن أهم هذه العوامل : ارتفاع معدلات الفقر في اليمن وتراجع المستوى المعيشي للكثير من الأسر نتيجة للأزمة الاقتصادية . كما يشير التقرير الى أن هناك عوامل مرتبطة بالسياسة التعليمية له ويمكن إجمال سلبيات هذه السياسة في: - الأعداد المتزايدة من الطلاب في سن التعليم الأساسي، فضلاً عن أن المناخ التعليمي غير ملائم بحيث تصل الطاقة الاستيعابية في كثير من المدارس والفصول الدراسية إلى أكثر من (200 %) من قدرتها الاستيعابية . ويشير تقرير منظمة اليونسيف إلى أن نسبة الالتحاق الصافية في المدارس الابتدائية باليمن لا تتجاوز (75 %) .. من الأعداد المفترضة رهن التعليم في حين لا بتلغ نسبة الانتظام ف يالمدارس الابتدائية أكثر من (55 %) إذ لا تبلغ نسبة انتظام الذكور في سن التعليم الابتدائي (68 %) أما انتظام الإناث فيبلغ (41 %) .. وفيما يتعلق بالتعليم الثانوي فإن نسبة الالتحاق الصافية بالمدارس الثانوية لاتتجاوز بالمتوسط ذكوراً وإناثاً (34 %) من الاعداد المفترضة ونسبة الانتظام (24 %) .. وأن (35 %) فقط من الذكور ينتظمون في الدراسة الثانوية و(13 %) فقط الإناث مما يشير إلى أن أكثر من (32 %) من الذكور يتسربون من الدراسة الابتدائية للعمل .. وأكثر من (50 %) يهربون من المدارس الثانوية إلى البحث عن عمل. عوامل اجتماعية كما أن هناك العديد من العوامل الاجتماعية التي تؤدي إلى خروج الأطفال نحو سوق العمل، ومنها التفكك الأسري وفقدان رب الأسرة أو العائل أو مرضه مما يحتم على الأطفال المشاركة في توفير مصدر دخل للأسرة .. إضافة إلى العادات الاجتماعية الأخرى ومنها الزواج المبكر للأطفال وبالتالي الإنجاب المبكر وتحمل الطفل أعباء أسرية تضطره إلى ترك المدرسة والبحث عن عمل لتغطية احتياجات أسرته. ويشير التقرير الاستراتيجي اليمني إلى أن تزايد معدلات الهجرة نحو المدينة سواء بغرض الدراسة أو العمل حيث يضطر الطفل إلى العمل بهدف تغطية احتياجاته الا أن هذا العمل يؤثر على مستوى تحصيله العلمي وبالتالي الفشل في الدراسة والاستمرار في العمل. إلى جانب ذلك هناك العديد من الأسر تدفع بأبنائها للانخراط في سوق العمل والخروج من المدرسة بسبب أنها ترى أن التعليم مضيعة للوقت والجهد وأن على الطفل العمل وكسب المال والمشاركة في تحسين الأوضاع المعيشية للأسرة.