ماذا نعني بهذه العبارة؟ هناك العديد من المفكرين و الخبراء في مجال اختصاصهم ممن يملكون في جعابهم العديد من الأفكار العظيمة التي هي نتاج خبرات حقيقية على درجة عالية من العمق والأهمية. ففي عالم الدين و الأعمال و الصحة والطب والاقتصاد والسياسة والرياضة والفن بأنواعه.. وفي حقول كحقوق الإنسان والاجتماع والقانون المدني والعلوم التطبيقية والفنية، هناك أفراد «مؤلفون» لكنهم لا يملكون القدرة على الكتابة الإبداعية كما هي الحال لدى الكتاب المحترفين، ولا حتى الوقت أو القابلية على صياغتها وتضمينها في كتاب قادر على أن يفي بالغرض تماماً فتصل هذه الأفكار إلى متلقيها بأحسن وأفضل صورة احترافية ممكنة. ولهذا، فإن هذه الأفكار الحبيسة والخبرات المسجونة في عقول هؤلاء هي عصارة وجودهم وأضعف الإيمان أن تكون متضمنة في مجلد أو كتاب يحفظها ويحولها إلى أداة إبداعية يمكن أن تفيد قارئها جيلاً بعد جيل. الكاتب الصيَّاغ المحترف هو الذي يتلقف هذه الأفكار من صاحبها بطريقة علمية دقيقة ويصيغها ضمن كتاب أكاديمي أو فني أو روائي أو سيرة ذاتية أو سيرة عائلة ذات شأن أو ما شابه مع الاحتفاظ باسم صاحبها على الكتاب بالطبع أو اسمه بالاشتراك مع اسم الكاتب إذا أراد ذلك وهذه تفاصيل تقنية متضمنة في العقد بين الكاتب والطرف الثاني! ليس الكاتب الصياغ مجرد ورقة بيضاء يكتب عليها صاحب الأفكار، أفكاره. إنه فنان محترف ناجح معروف بقدرته على إيصال الفكرة بأمانة عالية، كما أن مهارته تكمن في مقدرته على الحفاظ على الاحترافية في الكتابة وجمال اللغة من دون الشذ عن صلب المضمون. إذاً هو مبدع أيضاً سلاحه هذه القابلية على بعث الفكرة في أقوى حلة لها وأكثر دقة. ولهذا فهو محترف، ولهذا، أيضاً من الصعب على الاختصاصي أو الأكاديمي أو المشهور أن يقبل بأقل من الاحترافية منفذاً لترجمة أفكاره. الآن ما هي الطريقة التي تقدم بها الأفكار إلى الكاتب المحترف من أجل إعادة صياغتها وتضمينها في مشروع كتاب!؟ الحق، على صاحب الأفكار أن يفرغ نفسه منها إما بتدوينها على أوراق مع كل التفاصيل الأخرى حول الموضوع (حجم الكتاب التقريبي، الغرض من وراء كتابته، زاوية الرؤية التي يشعر أن تناول الموضوع يجب أن تتم من خلالها...إلخ)، أو يحاول أن يحفظها على أشرطة ومن ثم إرسالها إلى الكاتب الصياغ المحترف! قد يتطلب الأمر بعض اللقاءات بين الاثنين، وربما استلزم الأمر مقابلات طويلة ومستفيضة يقوم بها الكاتب الصياغ ليعرف تماما إلى ما يرمي الطرف الآخر إليه بدقة وبالتالي استجلاب المزيد من التفاصيل التقنية من أجل اغتناء موضوع الكتاب. إذاً يبقى الكاتب وصاحب الأفكار على صلة نقاشية متى استوجب الأمر ومتى شعر الطرفان أن هناك المزيد من الإيضاح لربما كان مطلوباً. من الأمور الضرورية الحيوية في هذه العملية هو اتفاق الطرفين على بعض مصطلحات الصياغة الأكثر حقيقية ومصداقية وإقناعاً بالنسبة لصاحب الفكرة. إن الكاتب الصياغ يريد أن يعرف مدى صوابية وحقيقية هذه الأفكار بالنسبة لصاحبها! إنه يريد أن يفهمها هو الآخر ويشعر بحقيقيتها وذلك من أجل إقناع القارئ بها بالمقابل. إذاً الأمر كله مبني على مصداقية الأفكار وطروحاتها ومدى قناعة صاحبها بها، وبالتالي على مقدرة الكاتب المحترف الصياغ على الوصول إلى نفس القناعة وإيصالها بعد ذلك إلى القارئ. إنه لعمل ممتع، إبداعي، فيه الكثير من الترقب والحماس! عالم يتكرر بشكل مختلف مع أفكار جديدة مع كل كتاب جديد. لماذا اخترت أن أكون كاتبة محترفة صياغية؟ شاءت الظروف الطبيعية التلقائية في حكم عملي ككاتبة وعضو في العديد من المنتديات والمؤسسات الفكرية والثقافية ومن خلال احتكاكي مع أهل النخبة الفكرية والثقافية في العالم والعالم العربي، أن أتعرف على الكثير من الأفكار العظيمة وأقترب من خبرات العديد من الخبراء و الاختصاصيين. وفي كل مرة كنت أسأل عن مرجع أو كتاب يحتفظ صاحبه بهذه الأفكار فيه، كنت أفاجأ بواحد من الردين التاليين: ليت لي الموهبة لصياغة هذه الأفكار! أو، العمل والحياة لم يتركا لي الوقت للقيام بذلك. أحياناً كنت ألقى الردين معاً. وهكذا، شعرت بالحاجة لأن أقوم أنا بهذا الدور والمساعدة في إطلاق هذه الخبرات من صدور أصحابهما وعقولهم. إن إحساسي الدفين بالمسؤولية تجاه الأفكار الجيدة المفيدة هو دافعي الأول، صحيح أن لا مجد أدبي يحسب للكاتب بعد أن يصدر الكتاب باسم صاحبه، غير أن مجرد إطلاق هذه الأفكار هي مكافأة بحد ذاتها. و الحق لنعترف هنا، الكتابة عمل في النهاية. إنها احتراف يومي وذلك متى توافرت الأفكار الجيدة، فصانع الخزف لا يتوقف بانتظار الوحي، فطالما أن أدوات العمل بين يديه فإن قدرته على الإبداع اليدوي موجودة. قد تنفد الأفكار الإبداعية من الكاتب أحياناً، وبدلاً من اجترار نفس الأفكار السابقة في كتب جديدة، الأحرى أن يترك فسحة لأفكار الآخر الجيدة أيضاً والذي لم يحبه الله ملكة صياغتها أو توثيقها في كتاب بشكل محترف. ولهذا فإن الحل الأمثل لتلك الأوقات العصيبة من نفاد الأفكار هو أن تلتقي خبرة الكاتب المحترف ومهارته التأليفية مع من يملك الأفكار والمعلومات الضرورية الإبداعية. لربما كان هؤلاء من المشاهير الذين يريدون ترك أثر في كتاب، أو حتى من الناس العاديين الذين يملكون خبرات وأفكار غير اعتيادية هامة جديرة بأن تحفظ وتدون, في كلتا الحالتين يجب أن يكونا خبراء في الموضوع الذي يرغب العامة أن يعرفوا المزيد عنه. إن صناعة الفيلم السينمائي مثلاً تعتمد على عمل فريق من ألفه إلى يائه تقريباً! فكل شيء ينفذه فريق العمل حتى كتابة النص السينمائي أحياناً! إذاً لماذا لا ينطبق هذا الأمر على التأليف؟ خصوصاً حينما تعوز الخبير صاحب الأفكار المقدرة على صياغة عمله بطريقة تدفع الناشر إلى تبنيه! أما بالنسبة لموضوع المجد الأدبي فهذا أمر محسوم، ففي الوقت الذي يستمتع فيه صاحب الكتاب في الحديث عنه في مقابلاته التلفزيونية والصحفية أكون أنا في مكتبي المنزلي أعمل على مشروع كتاب آخر شبه مبتسمة. لربما يذكر اسمي في مقدمة الكتاب كتنويه أو ربما أذكر بشكل رسمي مختصر على صفحة الغلاف الخارجي الثانية أو لربما يظهر الاسم كمؤلف شريك في العمل و قد لا يظهر على الإطلاق، في كل الأحوال تكمن متعتي وفائدتي في اللقاء مع هؤلاء الأفراد من ذوي الأهمية والمكانة الفكرية الرفيعة وفي الاقتراب من بؤر خبراتهم والأفكار. إنها الفرصة التي تسنح لي للدخول إلى عوالمهم العجيبة والاقتراب من منبع رؤياهم ومعرفة كوامن القلق والإبداع لديهم.