«الفضول » سمة بارزة تستحوذ علينا كبشر..ترهقنا تأخذ عقولنا تعبث بمشاعرنا ..صار عرفا أرعن.. وثقافة هوجاء شملت الجميع دون استثناء..وكأنه قدرنا الذي صيرنا« عشاق زحمة وطوابير »..وهو رغم هذا وذاك قضية شائكة في مجتمعاتنا المتخلفة التي مازالت تبحث عن حلول.. فضول إيجابي!! يعتقد محمد عبد الرحمن أن «للفضول » وجهين وجها إيجابيا وآخر سلبيا «الإيجابي » يدفع صاحبه إلي التعلم والفهم والاكتشاف..و«السلبي » يدفع صاحبه للبحث عن ما لا يعنيه والتدخل في شؤون الآخرين واقتحام خصوصياتهم مما يجعله منبوذا من الجميع وفي النهاية يسمع ما لا يرضيه.. وأنا هنا أختلف مع محمد قليلاً في هذا التوصيف فالتعلم لا يسمى فضولا، ولو أن كل شخص شغل نفسه فيما يعنيه لكفى الآخرين شره وأذيته..وما يؤسف له أن هذه العادة المقيتة تستشري أكثر في مجتمعاتنا المتخلفة، فنحن بالأساس مجبولون على عشق «الزحمة والطوابير » وكأننا نتلذذ بمعاناة الآخرين..وفي المقابل ثمة وجهة نظر مغايرة ذهبت عكس ما أعنيه قالها جميل القباطي؛ فنحن شعب عظيم «خدوم ومعطاء » وهذا الاحتشاد أو ذاك ماهو إلا لغرض تقديم المساعدة لا أكثر. وهنا أقول إن ما أعنيه أيضاً لا يختلف مع ما ذهب إليه صاحبنا إلا أن هذه السمة النبيلة ليست في النهاية مُبتغى الجميع..حتى وإن كانت كذلك فما هكذا تورد الإبل وكل شيء له حدود..وإذا كان خير الناس أنفعهم للناس فإن شر الناس أضرهم للناس. «غربان وديدان » «الفضول » الزائد الذي يقود إلى التجمهر المُكثف في مواقع محددة ومحدودة المساحة يعيق بالتأكيد أعمال الإسعاف والإنقاذ، بل ربما كان سبباً لزيادة الوفيات وانتشار الحرائق.. لعدم تمكن فرق الإنقاذ والإطفاء من الوصول للموقع، أو لعجزهم من الخروج بالمصابين للمستشفيات لإنقاذ حياتهم بسبب انسداد منافذ الشوارع المحيطة بالموقع بالجمهور المُتفرج..؟!. في مُجمل حديثه يستغرب الدكتور/معين القادري من هؤلاء «الفضوليين »ويستغرب أكثر من أولئك الذين لم يفكروا في الإنقاذ، ولم يبتعدوا عن الموقع لفتح المجال لأهل الاختصاص..ويضيف بحسره: قد يموت المصاب بسبب هؤلاء فلا هم أنقذوه ولا هم تركوا أحداً ينقذه، وقد يموت بسبب التجمهر وعدم وجود نفَسٍ كافٍ، أو قد ينزف كثيراً وهم يرون ذلك مستمتعين.. ! وبسخط شديد وصف معين هؤلاء الفضوليين «بالغربان » التي تتجمهر على الجثث الميتة..و«بالديدان » التي تتكاثر حول قطع الطعام العفنة..إنهم بالوصف العام «مستهترين لايملأ جوفهم سوا الفضول والأنانية وحب الذات ». «وسط الخط » وفيما يخص سائقي السيارات أنفسهم وكيفية تعاملهم مع الحوادث الطارئة في الشوارع المزدحمة أصلاً، يولد ما يسمى «بفضول السائق » مما زاد الطين بلة، وهؤلاء رغم مشاغلهم يهدئون ويبطئون السير بمجرد وصولهم لمكان الحادث لغرض الفرجة، وبعضهم لا يكتفي بالفرجة فقط بل يعاين موقع الحادث وهو في سيارته ويبدأ بتحليل الحادث ومن هو المخطئ..وينسى أن خلفه أرتالاً من السيارات تريد العبور، وحتى من يريدون العبور تجدهم يتريثون أمام الحادث للتعرف على ملابساته، وبذلك يكون الزحام بلغ أشده بسبب بسيط هو جهلنا بأهمية وضرورة التخلي عن الفضول الزائد ولو أحياناً وقت الضرورات والأزمات والحوادث. - فهذا محفوظ سلطان أثناء سيره بسيارته في الطريق العام توقف أمامه سائق «بابور » نقل بشكل مفاجئ حتى كاد أن يرتطم به لولا ستر الله..وإذا بذلك السائق يترك مركبته «وسط الخط » واتجه إلى الأمام ليشارك العديد من أمثاله الفضوليين في مشاهدة حادث على نفس الطريق..!! وبعد دقائق تكشف لمحفوظ أن كل ما في الأمر -سيارتان احتكتا ببعضهما- مما نسميه «حوادث الطرق البسيطة » وهكذا ظل تقريبا أكثر من ساعة في أوج الزحام. سلوك خاطئ ونبه محفوظ أنه وفي أغلب الأحيان ونتيجة لهذه العشوائية والفوضى قد تحدث حوادث أخرى تكون أشد ضراوة..وتسأل:هل يدرك المتجمعون بشكل غوغائي حول الحوادث المرورية والحرائق وما شابه ذلك أنهم يقترفون وينهجون سلوكاً خاطئاً وغير حضاري البته، قد يفسرون ذلك أنه بدافع الفضول وحب الاستطلاع الذي جبل عليه كل إنسان، هذا صحيح، لكن في غير المواقع والمواقف التي تستدعي ترك المجال للمختصين لمعالجة ذلك الوضع الطارىء حادثا كان أو حريقاً أو نحوهما.. - وفي ذات السياق طالب سيف الشرعبي الجهات المعنية بتعديل نظام المرور الذي يمنع تحريك المركبات من موقع الحادث لحين معاينتها، لافتاً بان بقاء المركبات التي تتعرض إلى حوادث مرورية وسط الطريق لحين حضور رجال المرور لمعاينتها دون السماح بتحريكها يؤدي إلى فوضى وازدحامات مرورية، ناهيك عن احتمالية وقوع حوادث أخرى بسبب توقف السير، وأشار إلى أنه تأخر عن عمله في إحدى المرات بسبب وقوع ثلاثة حوادث مرورية مختلفة بمسافات متباعدة، أدت إلى توقف السير لمسافة تزيد عن «1كم »، مستهجناً فضول بعض السائقين والذين زادوا من الفوضى المرورية بنزولهم من مركباتهم لمشاهدة الحادث، مشدداً على أهمية أن يفسح السائقون المجال للآخرين للمرور، خاصةً إذا ما كان الحادث تسبب في إصابات؛ لتسهيل نقلهم إلى المستشفيات. غرامه مالية الزحام الشديد أمام أي حادث يقود إلى إشكالات كثيرة سواء للمصابين أنفسهم أو للجهات المعنية المخولة بانقاذهم، وبتعدد هذه الجهات يبقى طابع الشكوى والتذمر مخيم على الجميع وباعتقادي أن ذلك التجمهر يبقى مبرر ماثل لتقصير تلك الجهات المقصرة فعلاً..؟!. - فأكثر ما يعاني منه رجال المرور فور تلقيهم بلاغاً بوقوع حادث مروري هو حالة الجمهرة التي تحدث في مكان الحادث..هذا ما أفصح عنه المقدم عبد العزيز الحاج فتلك الجمهرة تعيق عملهم وتؤدي غالباً إلى إرباك جهود الإنقاذ..واصفاً ذات الظاهرة بالغير حضارية، مشيراً على هؤلاء إذا ما أرادوا الحفاظ على سلامتهم أن يبتعدوا عن مواقع الحوادث حفاظاً على عدم إصابتهم لا سمح الله، فقد توجد حول الحوادث أشياء خطيرة قد تسبب لهم إصابات. وأضاف الحاج أن هؤلاء الفضوليين يتصرفون كأنهم يعيشون في كوكب آخر ولا يعرفون معنى المسؤولية، فهم السبب المباشر في تعطيل السير على جانبي الطريق بشكل غير طبيعي، بل الأغرب أن الفضول يدفع الجماهير إلى التوقف والقفز على الحواجز لمشاهدة حادث وقع على الطريق الآخر..داعياً إدارة المرور إلى تحديد غرامة مالية على السائقين المتجمهرين في حوادث الطرق الرئيسية، بحيث يتم استجوابهم في إدارة المرور لدراسة مضاعفة المخالفة وحجز مركباتهم، كونهم قاموا بتعطيل سير الحركة المرورية لإنقاذ شخص ما في حادث مروري، وأن تشمل هذه المخالفة مستقبلاً المتجمهرين في الحوادث داخل المدينة.. توعية من جهته جلال شمسان مندوب البحث في مستشفى خليفة بالتربة أكد أن هذا السلوك وبشكل عام يؤثر سلباً على سير التحقيقات، خاصة في حالة الحوادث التي تنطوي على جوانب جنائية، فقد يساعد على هروب المجرم من الموقع إذا كان الحادث جنائياً، وإذا كان حريقاً أو حادثاً مرورياً يعيق وصول فرق الجهات الخدمية في الوقت المناسب، إضافة إلى أنه يتسبب في إرباك العاملين في الميدان من تقديم خدمة للمصاب ويعيق سرعة إسعاف المحتاج إلى أي خدمة إسعافية من أي جهة كانت، وربما يسبب حوادث أخرى أو قد يحدث لأحد المتجمهرين مكروه أما بحادث أو أسوأ من ذلك مثل احتماء أحد المجرمين بأحد المتجمهرين. لافتاً إلى ضرورة بث الوعي لدى أفراد المجتمع وتعويدهم على التعامل بطريقة سليمة في مثل هذه المواقف التي تتطلب بذل كل جهد ممكن لمساعدة الجهات المعنية على ممارسة أعمالهم، ويجب أيضاً على هذه الجهات أن تقوم بتوعية المواطنين عن طريق الإعلام بخطورة هذه العادة التي استشرت في مجتمعنا؛ وذلك لما للتوعية من فوائد وإيضاح للمضار التي تنتج عن التجمهر سواء على مستوى الفرد أو على المستوى الوطني؛ لكونها سيئة ولها مردود سلبي واضح. وهنا نهيب بالوسائل الإعلامية المختلفة إلى وضع برامج توعية وإرشاد للناس فيما يمكن للفرد أن يفعله بالشكل الصحيح والعلمي، حين يكون موجوداً في مكان حادث، ولا بد من الإشارة إلى أن هذه الحوادث يجب أن تكون لنا منها عبرة وعظة، وأن نحاول أخذ الحيطة والحذر قدر المستطاع، لئلا تقع مثل هذه الحوادث.. مهنة صعبة يقول حبيب الصبري وهو طبيب مُسعف في إحدى المستشفيات الخاصة: إن مهنة الطوارىء الطبية من المهن الصعبة خاصة في ظل وجود هؤلاء الفضوليين الذين يتسببون في معظم الأحيان في وفاة الحالة المصابة؛ نظراً لتكدسهم أمام منطقة الحادث مما يصعب مهمتنا في إيصال المعدات الطبية، بل يصل الأمر إلى عدم قدرتنا على اختراق تلك الجموع لحمل المصابين ونقلهم إلى المستشفى لتلقي العلاج اللازم لإنقاذ حياتهم في أقصى سرعة ممكنة، خاصة إذا كانت الإصابات خطيرة وتوجد صعوبة في التنفس ودقات القلب بطيئة والنبض غير منتظم. ويضيف: فضول المواطنين واستهتارهم واندفاعهم بصورة مبالغ فيها لرؤية الحادث وكأنه مباراة في كرة القدم له نتائج سلبية لا يدركونها ولكنها تظهر بعد نقل المصاب إلى المستشفى ومع الأسف أغلبهم لا يعرفون طبيعة عملنا وحساسيته ودقته؛ لذا تجدهم يتجمهرون في موقع الحادث بأعداد كبيرة ومهما حاولنا التحدث معهم بالحسنى لإفساح الطريق لرجال الإنقاذ لا يقتنعون ويظلون على موقفهم كأنهم يعاندوننا، ولا نجد وسيلة أمام هؤلاء الفضوليين إلا القيام بعملنا وسط هذا الكم الهائل من المشاهدين الفضوليين، وأغرب ما نتعرض له هو المحاولات المتكررة لعرقلة عملنا بأن يتكرم بعض المشاهدين بطرح آرائهم في كيفية علاج المصابين وهي حسن نية نشكرهم عليها، ولكنهم يغفلون أن المسألة تحتاج إلى خبرة وممارسة والاجتهاد فيها مرفوض وغير مقبول، وينحصر دورنا كمسعفين في شرح الأمر لهم ومحاولة إقناعهم للابتعاد عن المصابين.