تحقق لليمن إنجاز صحي سعت لنيله منذ سنوات طوال، وذلك عندما أعلنت أنها خالية من سريان فيروس شلل الأطفال بشهادة منظمة الصحة العالمية عبر مركزها الإقليمي بالقاهرة.. وقد كانت في فترة سابقة على وشك الحصول على هذا الإشهاد، ولكن حدث المحذور منه لدى ظهور المرض مجدداً عام 2005م بعدما تسلل الفيروس المسبب لشلل الأطفال إلى البلاد من أفريقيا، ما أعادها آنذاك إلى الوضع الوبائي، عززه انخفاض معدل التغطية بالتحصين الروتيني الذي تقي جرعاته من أمراض الطفولة القاتلة، ومن بينها داء شلل الأطفال. بيد أنها تجاوزت بحمد الله المحنة في وقت قياسي بعدما كثفت فيها حملات تحصين متتالية أسهمت بدورها في وقف انتشار المرض وفرض السيطرة على الخلل الذي نشب عن الانتشار السريع للفيروس في المجتمع، ولم تظهر بعدها حالات إصابة مؤكدة بالمرض منذ شهر فبراير 2006م. كما عملت على تحسين الوضع المناعي للأطفال بفضل الله الذي أسهم فيه ارتفاع معدلات التغطية بالتحصين الروتيني في السنوات الأخيرة حتى وصلت في الأعوام (2006 2010م) إلى ما يزيد عن (85 %) بعدما تبنت وزارة الصحة العامة والسكان ممثلة بالبرنامج الوطني للتحصين الموسع تنفيذ الأنشطة الإيصالية للتحصين الروتيني لتقريب خدمة التطعيم من المواطنين لا سيما في المناطق والقرى البعيدة. وبلادنا اليوم وبحمدالله تعالى تعيش حالة من المعافاة من مرض شلل الأطفال منذ ما يزيد على خمسة أعوام، لم تسجل خلالها أية حالة إصابة جديدة بالمرض، وقد حصدت هذا الإنجاز بسرعة قياسية من خلال تكثيف الحملات، محققة نتائج ممتازة على الواقع كان لها أن منعت ظهور حالات إصابة جديدة بالمرض مجدداً، فاستوفت بذلك الشروط والمعايير الصارمة التي وضعتها منظمة الصحة العالمية لإعلان الخلو من فيروس شلل الأطفال، لتعلنها بالفعل في (13مايو 2006م) خالية من سريان فيروس الشلل. ولنفهم الفرق بين مصطلحي الخلو من المرض والاستئصال، نأتي على توضيح ما التبس على الكثيرين فهمه، وهو أن إعلان الاستئصال ليس وطنياً ولابد أن يكون إقليمياً على الأقل بل والأحرى أن يكون عالمياً.. أي استئصال المسبب للمرض من جميع بلدان العالم، بينما الخلو من فيروس شلل الأطفال لا يشترط هذا الأمر، وإنما يكون في بلدٍ دون آخر. كما أن ثمة فرقاً بين التوطن والوباء فالوباء لا يزال موجوداً في بعض دول العالم وبالذات في بعض الدول الأفريقية وأفغانستان وبقدوم الحجاج منها وهي موبوءة أصلاً بالمرض لأداء مناسك الحج في المملكة العربية السعودية القريبة من اليمن، فإن الاحتمال قائم لانتقال عدوى الفيروس منهم إلى الآخرين، بما يتيح إمكانية انتقاله إلى بعض الحجاج اليمنيين، وينقلوه بدورهم إلى بلادهم لدى عودتهم من رحلة الحج، هذا هو أسوأ الأحوال. عدا عن الحدود الواسعة التي تفصل بين اليمن والشقيقة السعودية، ما يوفر فرصاً أوسع لتسلله إلى البلاد، ليظهر وينتشر فيها المرض بعد سنوات من خلوها تماماً من هذا الداء الوخيم. لذلك خلصت وزارة الصحة ومنظمة الصحة العالمية إلى أن الإجراء الصحي الكفيل بالحد من تداعيات وقوع مشكلة من هذا القبيل خلصت إلى أنه يعتمد على تعزيز وتقوية الحالة المناعية للأطفال عبر تنفيذ حملة تحصين وطنية بصفة احترازية تستهدف تطعيم جميع الأطفال دون سن الخامسة حتى تمنحهم حماية عالية وتحافظ في الوقت ذاته على قطع دورة الفيروس وسريانه. أما بالنسبة للتوطن فإنه قائم في بعض البلدان بالقارة السمراء مثل “نيجيريا” وفي بلدان آسيوية مثل “أفغانستان الهند”، حيث لايزال يتوطن فيها الفيروس المسبب للشلل. بالتالي من المهم حماية اليمن والحفاظ على ما حققته في الحد من هذا المرض، بعدما أعلنت رسمياً من قبل منظمة الصحة العالمية خالية من سريان فيروس الشلل من مايو 2009م، ولكي تصل إلى مرحلة الاستئصال لابد على الأقل أن يتحقق ذلك على المستوى الإقليمي الذي يشترط خلو كافة بلدان الإقليم من هذا الفيروس كالذي تحقق لليمن ما يتطلب من هذه الدول إرادة حقيقية وعزماً لا يلين للقضاء على هذا الداء، والحد من سريانه في المجتمع وفقاً للمعايير والشروط التي حددتها منظمة الصحة العالمية. ونستطيع القول أن هناك قاعدة مناعية إذا حدث أي وفود للفيروس، وهي الحالة المناعية الجيدة للأطفال بسبب التحصين، إذ إنها سوف تمنع بإذن الله إصابة أي طفل. غير أن هذا لا يعني الاطمئنان والركون إلى ما تحقق، بل لابد من الحذر والعمل على منع عودة المرض وانتشاره وسريانه بين الأطفال، حتى لا ننزلق في أتون المشكلة وتداعياتها على غرار ماحصل في عام 2005م. وهذا ما نجده مبرراً لضرورة تنفيذ الحملة الوطنية للتحصين ضد شلل الأطفال في الفترة من “14 16 نوفمبر 2011م”، تلافياً لوقوع احتمالات من هذا القبيل، لا سمح الله. وإذا جئنا على نقل الصورة الحقيقية لداء شلل الأطفال، فإنه في حقيقة الأمر مرض ينقله فيروس ضار يصيب ما يسمى بسنجابية النخاع، أي أنه يصيب الجهاز العصبي، ويفضي بذلك إلى تداعيات خطيرة، منها الشلل الرخو، لكنه في بادئ تأثيراته يؤدي إلى توعك في الجهاز الهضمي، فيثير توعكاً طفيفاً وحمى وتقيؤاً وألماً في البطن وفقدان الشهية والتهاباً بالحلق. وله أعراض أخرى من ضمنها ألم عضلي شديد أو تصلب في العنق، وبعدها يتداعى الأمر إلى حدوث ضمور في إحدى العضلات أو مجموعة منها لاسيما في الأطراف وبالأخص أحد الطرفين السفليين “الرجلين”، إذ يعد الأكثر شيوعاً بين حالات الشلل، وربما تداعت المشكلة فيصيب الرجلين معاً. وفي الحالات الوخيمة يصيب عضلات الجذع والبطن والصدر وما يترتب عليه من نتائج خطيرة، فعندما يصيب عضلات الجذع يمكن أن يؤدي في بعض الحالات إلى حدوث انحناء في العمود الفقري، أما عند إصابة عضلات الصدر فإنها تتعطل مرونة القدرة على التنفس، وقد يزداد الوضع سوءاً لدى توقف العضلات المسئولة عن عملية التنفس. ويتألف هذا الفيروس من ثلاثة أنواع “الأول والثاني والثالث” حيث استئصل النوع الثاني للفيروس من العالم تقريباً، بينما النوعان الأول والثالث لايزالان موجودين في العالم، وإن كان النوع الثالث أقل شيوعاً، نجد النوع الأول أشد ضراوة وأكثر انتشاراً، وتأثيره أسوأ على صحة المصاب. إن طريقة الانتقال الأساسية لعدوى فيروس شلل الأطفال هي من خلال ما يعرف بالدورة الفموية الشرجية، أي أنه ينتقل عبر تناول طعام ملوث ببراز شخص مصاب، ولو أصيب شخص ثم تبرز في بيئة ما، فإن الفيروس ينتقل إليها، ثم يأتي طفل آخر ليلعب في هذه البيئة فتنقل إليه العدوى عبر الفم، ويفرز المتلقي الجديد للعدوى بدوره الفيروس عبر البراز في بيئة ثانية وثالثة فتنتقل العدوى إلى المزيد والمزيد من الأطفال في مناطق مختلفة لدى تنقل حاملي العدوى من محافظة إلى أخرى.. وهكذا نجد أن الدورة الفيروسية تظل مستمرة، لكن قطع ومنع استمرارية هذه الدورة لا يتأتى بصورته الكاملة إلا من خلال التحصين. ولعل ما يثير الخلط بين الإصابة بشلل الأطفال وأمراض أخرى أن أعراض داء الشلل شبيهة بأعراض مشكلات صحية عديدة. وبالتالي متى ساور الطبيب أو مقدم الخدمة الصحية شك في إصابة أحد الأطفال أو مجموعة منهم بفيروس الشلل، فلابد له من التأكد أولاً من الأعراض.. من أنها علامات الإصابة المميزة لشلل الأطفال، مثل الضمور في الأطراف فغالباً ما يحدث المرض ضموراً في الطرفين السفليين في حالة شلل الأطفال. أما إذا حدث ضمور في الطرفين العلويين، فهذا يتطلب فوراً أخذ عينة من براز المريض لتفحص، ثم ترسل عينة للتأكد من الإصابة بالفيروس بنسبة “100 %” أو عدمها لتفحص في المختبرات المرجعية لمنظمة الصحة العالمية. وهناك معدل عام لحالات الإصابة بالشلل، ففي كل “100ألف” من السكان تسجل على الأقل حالتا شلل، ولا تكون غالباً مرتبطة بشلل الأطفال الفيروسي، إلا أن هذا يستدعي ترصد الحالات واكتشافها المبكر. ونحن نقول: إن اليمن بلد خالٍ من شلل الأطفال والحمدلله، ولكن إذا ظهرت حالة إصابة جديدة وفدت من بلد ما موبوء بالمرض أو عبر أفواج الحجيج، فهذا يضعنا أمام وضع لا يخلو من الخطر ومآلاته، لما له من تداعيات قد تسفر عن اتساع رقعة ظهور الفيروس ومن ثم انتشاره من جديد. وهو ما لا نتمناه كي لا يعاود المرض فيهدد الطفولة، ليفرض بالضرورة تنفيذ حملة تلو أخرى لاحتواء المشكلة وفرض السيطرة على المرض مجدداً.. أما في الوقت الراهن فلا حاجة إلا لحملة وطنية شاملة لتحصين جميع أطفال اليمن دون سن الخامسة بشكل احترازي، للحد من تداعيات تسلل فيروس شلل الأطفال، واستجابة لدعوى التحذير من مغبة ذلك في خضم موسم الحج.. زد على ذلك تزايد النزوح للمواطنين من مناطق الاقتتال في اليمن والأوضاع المعيشية المتعبة التي يرزح تحت وطأتها الكثير من النازحين مما قد يهيج المشكلة ويجعلها أكثر اتساعاً وتعقيداً. أضف إلى أن اليمن أحد البلدان النامية، وما يحتاجه الأطفال من جرعات مضادة لفيروس شلل الأطفال في هذه البلدان يزيد عدداً عما يحتاجها أقرانهم في البلدان المتقدمة بسبب الحالة الصحية والغذائية السلمية في الدول المتقدمة وأنماط السلوك الصحي السائد، على عكس البلدان النامية الفقيرة التي تنتشر فيها سوء التغذية والتي بدورها تضعف الحالة المناعية للجسم ضد مرض شلل الأطفال ومختلف الأمراض. نعود إلى موضوعنا وهو الحديث عن حملة التحصين الوطنية ضد شلل الأطفال الجاري تنفيذها في جميع محافظات الجمهورية من منزل إلى منزل، في الفترة من “14 16 نوفمبر 2011م”، وهناك الكثير من المنازل التي ستزورها فرق التحصين المتجولة لتطعيم سائر المستهدفين من الأطفال في هذه الحملة البالغ عددهم إجمالا “4.448.871” طفلاً دون سن الخامسة. وعدد العاملين الصحيين في الحملة ضمن فرق ثابتة في حدود “2.591” عاملاً ثابتاً، وهناك “38.188” عاملاً متنقلاً ضمن فرق متحركة بواقع عاملين في كل فريق، وكذلك “333” منسقاً للتثقيف الصحي أي مثقف صحي في كل مديرية على مستوى الجمهورية و”22” مثقفاً صحياً مركزياً في كل محافظة، وهناك أيضاً “4.875” مشرف فريق، وتقلهم جميعاً، أي فرق التحصين والمشرفين عموماً ومنسقي التثقيف الصحي “5.208” سيارة مستأجرة.. وبالتالي يصل إجمالي القوى العاملة في هذه الحملة الوطنية إلى “40.875”. ومن المتوقع بإذن الله أن تغطي هذه الحملة الاحتياجات المناعية للأطفال في سبيل مزيد من التحصين ولمنع إصابة أي طفل بالفيروس، متى قدر لحالات مصابة من دول موبوءة أن تنتقل إلى بلادنا ناقلة معها فيروس شلل الأطفال الوخيم الذي لابد له من أطفال محرومين من التحصين أو تنقصهم المناعة الكافية لقلة الجرعات التي حصلوا عليها مسبقاً. والواقع أن مايحدث هنا أن الإنسان لكي يصل إلى الحالة المناعية المناسبة لابد أن يستكمل عدداً معيناً من الجرعات، ولا يعني هذا التخلي عن معطيات ووسائل الوقاية الصحية لحماية الأطفال من انتقال عدوى الإصابة وذلك بمنعهم من العبث بمخلفات غيرهم وعدم إهمال نظافتهم.. فالنظافة ضرورية لكل طفل في المأكل والمشرب والملبس والمسكن، ليس فقط للحد من إصابتهم بفيروس شلل الأطفال، بل ومن غيره من الأمراض التي تنشأ عن التلوث. كما نوصي بأخذ الأطفال دون العام من العمر جميع جرعات التطعيم وفق جدول التحصين الروتيني، فجدول التحصين الروتيني يقتضي إعطاءهم أربع جرعات من اللقاح الروتيني ضد شلل الأطفال، أولها تمهيدية تتبع بعد ذلك بثلاث جرعات أساسية، والبداية للجرعة التمهيدية تكون من بعد ولادة الطفل، وبعدها يعطى جرعة أولى في عمر شهر ونصف، ثم الجرعتين الثانية والثالثة على التوالي في عمر شهرين ونصف وعمر ثلاثة أشهر ونصف. هذا هو التحصين ضد شلل الأطفال ضمن مرحلة التطعيم الروتيني، ولابد أن يواكبه تطعيم آخر أثناء الحملات التكميلية أو الحملات الوطنية كهذه الحملة الوطنية التي تعد شاملة لجميع المحافظات والمديريات وتستهدف بالتطعيم جميع الأطفال دون سن الخامسة في الفترة من “14 16 نوفمبر 2011م” بغض النظر عن عدد الجرعات التي تلقاها الأطفال المستهدفين في حملات شلل الأطفال السابقة وخلال زيارات التطعيم الروتيني الذي تقدمه المرافق الصحية. المركز الوطني للتثقيف والإعلام الصحي بوزارة الصحة العامة والسكان