سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
العودة إلى الاقتصاد التقليدي وإعادة البناء ! ضج العالم في التظاهر نتيجة سياسات اقتصادية أودت بأموال الشعوب الفقيرة وآمالها.. غير أن الأمل لا بد أن يبقى..
ضجت أكثر من 750 مدينة عالمية في 82 دولة على امتداد القارات الست بمظاهرات عارمة في منتصف أكتوبر الماضي ضد النظام الرأسمالي وأصحاب المصارف والمضاربين من المستثمرين في بورصات العالم المقامرين بأموال الشعوب، والذين يمثلون تهديداً خطيراً لمستقبل أكثر من سبعة مليارات نسمة على كوكب الأرض. جاء ذلك بالتزامن مع احتفال العالم باليوم العالمي للتنمية في ال 23 أكتوبر من كل عام، وسبق للعالم أن احتفل بيوم الغذاء العالمي في ال 16 من الشهر الماضي، أي بعد يوم واحد من المظاهرات العالمية العارمة، وكذا باليوم العالمي لمكافحة الفقر في اليوم الذي يليه ال 17 من شهر أكتوبر، كل ذلك يأتي في ظل شبح الأزمة المالية العالمية الراهنة التي باتت تهدد الكوكب، بعد فشل مساعي تطويق آثار أزمة عامي 2008 و2009م، وتدهور عدد من دول منطقة اليورو، أسباب الأزمة المالية العالمية وتداعياتها وآثارها عرضتها دراسة ميدانية حديثة صدرت مؤخراً للباحث الأكاديمي يحيى مقبل الحمادي أستاذ الاقتصاد والخبير المالي تتحدث عن أسباب الأزمة وتفاقمها وارتباطها بالواقع اليمني الذي ليس بمنأى عن أي تأثير عالمي، وتركز على المنابع التي أيقظت مظاهرات وناشطي (احتلوا وول ستريت) وغيرها من الحركات في مختلف البلدان فيما عرف ب( كوكب الغاضبين). أسباب الأزمة الباحث الأكاديمي الدكتور يحيى مقبل الحمادي أستاذ الاقتصاد والخبير المالي يفسر أسباب الأزمة المالية الحالية والتداعي الشعبي الكبير على مستوى العالم بأسره من خلال دراسة بحثية استقصائية يؤكد فيها قائلاً: باستعراض مبسط لمكمن الأزمة العالمية، فإن الخطر يكمن في أسلوب الاقتصاد الرأسمالي الحديث المتمثل في بيع السندات ورهون العقارات التي تسببت في أزمة عام 2008 وها هي تعود لتهدد العالم اليوم، ويبدو أن العالم في أمس الحاجة للعودة إلى الاقتصاد التقليدي الزراعي باعتباره يوفر غذاء الإنسان ويبقيه حياً ،خاصةً إذا عرفنا أن نسبة فقراء العالم ارتفعت حتى وصلت في منتصف عام 2011 سبع سكان العالم أي إن مليار إنسان مهدد بالجوع في العالم. إعادة البناء المظاهرات التي عمت العالم تتهم الحكومات الرأسمالية بالمضي في سياسة إفقار الملايين من الشعوب من سكان الكوكب، وخصومهم تمثلوا في المضاربين والمساهمين في قطاعي المصارف والاستثمار، وضد جشع الشركات المالية والمصارف التي تتسبب سياساتها المالية بتسريح آلاف العمال يومياً في أكثر من بلد، بالإضافة إلى السياسات المتبعة في البورصات العالمية وسيطرة تلك المؤسسات – البورصات – على مصائر الشعوب والحكومات الفقيرة. ويشير الباحث إلى أن تلك المظاهرات رفعت شعار ال (كاتاسترويكا) وهو مصطلح اقتصادي يعني (إعادة البناء). أموالنا رهينة المضاربات وتؤكد الدراسة أن التدهور الاقتصادي منذ عام 2008م سببه قادة التيار الداعي لانسحاب الدولة من الأسواق وترك هذه الأخيرة حرة دون أدنى ضوابط أو قواعد مالية، ومن رواد هذا التيار الرئيس الأمريكي الأسبق (ريجن)، وساهم هذا التيار في ظهور فئة مستغلة في أسواق الأسهم والبورصات؛ الأمر الذي وضع أموال الشعوب رهينة المضاربات والبيع (تحت الطاولة). العودة إلى الماضي وتطرح الدراسة حلولاً للخروج من هذه الأزمة، أهمها يكمن في العودة إلى تطبيق ما كان مطبقاً قبل الأزمة المالية في عشرينيات القرن الماضي والتي أدت تداعياتها إلى اندلاع الحرب العالمية الثانية، فقد كانت سياسة الاقتصاد العالمي، ما قبل تلك الحرب تعتمد على سياسة البيع المكشوف والاعتماد على غلات الأراضي الزراعية والذهب كضمانات حقيقية وملموسة للاقتصاد الدولي، على عكس ما هو جار اليوم في الاعتماد على أوهام عقارية؛ باعتبارها ضمانات للمقترضين والمضاربين وهو ما تسبب بالمعضلة العالمية. أسباب أخرى للفقر ويضيف الدكتور يحيى: أسواق الدول النامية تعاني الآثار الناجمة عن سياسات الحماية التجارية المتبعة في الدول الصناعية وكذا السياسات التجارية المتبعة في سوق العرض والطلب، حيث إن أسواق هذه الدول يتم إغراقها بالسلع المنتجة في الدول الصناعية، بينما لا تستطيع منتجات الدول النامية الوصول إلى أسواق الأخيرة، ناهيك عن المنافسة من قبل البضائع رخيصة السعر وعالية الجودة. دور الاستقرار السياسي الدراسة التي صدرت في نهاية شهر سبتمبر الماضي أي في ظل الأزمات السياسية التي تعانيها مجمعة من الدول العربية فيما يسمى مجازاً (الربيع العربي) تطرقت إلى آثار الظروف السياسية الجديدة في المنطقة العربية على الوضع الاقتصادي في المحيط العربي، حيث أشارت إلى أن وضع الاقتصاديات العربية لم يكن في وضع مريح أصلاً قبل الأزمات السياسة، وساهم عدم الاستقرار السياسي في تفاقم هذا الوضع المتدهور في الأساس، وتؤكد ذلك الإحصائيات التي تشير أن البورصات المصرية خسرت في أول أسبوع بعد (الثورة) نحو عشرة مليارات دولار!!، فيما تحتاج دولة كتونس مثلاً إلى أكثر من 15 عاماً للنهوض الاقتصادي الأمثل إذا سارت الأمور على ما هي عليه حتى ذلك التاريخ. تجارب الصين والهند وتؤكد الدراسة أنه حتى عام 2015 سوف يزيد عدد سكان العالم في المناطق الفقيرة إلى حدود مليار. من جهة ثانية تحسنت الظروف المعيشية في كثير من الدول النامية وارتفع متوسط الأعمار فيها، وساعد النمو الاقتصادي في كل من الصين والهند (فقط) بانخفاض نسبة الفقراء فقط من 28 % إلى 21 % وهو ما يعود الفضل فيه بالدرجة الأساسية إلى كل من الصين والهند اللتين حققتا خطوات اقتصادية واجتماعية بالاعتماد على الجوانب الزراعية والصناعية بالتوازي في مجالات التصدير، والجوانب الزراعية فقط في جانب الاكتفاء الذاتي الداخلي لتلك الدول. تسونامي المجاعات ويستطرد الباحث في دراسته: لكن إذا نظرنا مثلاً إلى البلدان العربية غير النفطية أو الدول الأفريقية المجاورة للصحراء فسنجد أنها الخاسر الأكبر، فنسبة الذين يعيشون فيها ويحصلون على أقل من دولار أمريكي في اليوم ارتفع إلى 313 مليون إنسان، أي بنسبة 46 % من إجمالي السكان خلال الفترة المذكورة. وفي وكل أسبوع يحدث في القارة السوداء” تسونامي من صنع البشر”، كما يقول الخبراء، حيث يموت الآلاف أسبوعياً هناك بسبب الفقر وسوء التغذية ويبلغ عددهم أكثر من الذين ماتوا في جنوب شرق آسيا العام بفعل كارثة تسو نامي. غير أنه وفي الجانب الآخر وهذا هو الجانب الايجابي لا يجب أن نغفل أن هناك شيئا من سياسات الاهتمام الزراعي في العالم برزت في السنوات السبع الأخيرة برغم التغيرات المناخية ويأتي ذلك نتيجة الشعور الكبير بالمسؤولية لدى العالم أجمع. الزارعة ..هي الحل ! ويتابع: تبدو لغة الأرقام مخيفة؛ إذ يعيش حوالي 1.2 مليار من الناس بأقل من دولار واحد في اليوم، ويقطن أكثر من ثلثيهم في المناطق الريفية معتمدين على الزراعة كمصدر لعيشهم، فإذا كان الهدف هو تخفيض نسبة الفقر إلى مستوى النصف بحلول عام 2015 حسب خطة الأممالمتحدة، فذلك يعني حتمية إعطاء قطاع الزراعة العناية الأكبر، لكن الاستراتيجيات السابقة لمكافحة الفقر التي اعتمدتها الأسرة الدولية لم تأت حتى على ذكر القطاع الزراعي وهذا ما انتقده أكثر من خبير زراعي، فإذا كنا نريد تخفيض مستوى الفقر والمجاعة إلى النصف، فعلينا تقوية القطاع الزراعي والتنمية الريفية والاهتمام بالبحوث الزراعية قدر الإمكان. ويضيف: ولاشك أن التنمية الريفية والتنمية الزراعية تشكلان حجر الزاوية في التنمية الاقتصادية الشاملة، فتأمين الغذاء من خلال هذه التنمية هو الأساس لتحقيق النمو الاقتصادي في الدول النامية غير أن ذلك ليس ما هو متبع غالبا في هذه البلدان؛ حيث يعتبر القطاع الزراعي متخلفا في الغالب. الأمل في الأرض ويظل الأمل للتحرر من هذه القيود معقوداً في العودة إلى الجذور الأولى للاقتصاد والمراهنة على عطاء الأرض ،والإبداع والابتكار في مجال الزراعة والثروة الحيوانية، والاستثمار فيها باعتباره الملجأ الوحيد من الجوع المتربص بالبشرية.