رمضان في الكويت.. مظاهر اندثرت وعادات باقية يحرص الكويتيون على إحياء العادات والتقاليد القديمة، ومن بينها الاحتفال ب”يوم القريش” الذي يصادف آخر أيام شهر شعبان والاستعداد لبدء صيام رمضان، ويتم الاحتفال به يوم رؤية هلال رمضان سواء صادف آخر أيام شعبان بالفعل ام لم يصادفه، وذلك خشية من الانتظار حتى ثبوت الرؤية التي قد تفاجئهم ببدء الصوم قبل الاحتفال بالقريش، وقد بدأ الاحتفال بهذا اليوم منذ القرن التاسع عشر حيث اعتادت كل الأسر على حمل جميع أنواع الأطعمة المتوافرة في المنزل والذهاب بها إلى بيت كبير العائلة (العود) والتجمع حولها للاحتفال بقدوم الشهر الفضيل، وقد “ابتدعت” النساء تلك العادة بسبب الخوف من تلف الطعام القابل للأكل في ذلك اليوم، خاصة مع ارتفاع درجات الحرارة والرطوبة وعدم وجود ثلاجات لحفظ الأطعمة، ولانهم كانوا يتناولون الطعام المتبقي منهم في صباح اليوم التالي، فجاءت تلك الفكرة للاستفادة من جميع الأطعمة قبل بدء الصوم من ناحية، ومن ناحية أخرى للالتقاء بباقي أفراد العائلة، ومازالت عادة التجمع في منزل كبير العائلة يوم القريش وأول أيام رمضان موجودة لدى بعض الأسر حتى الآن، لكنها أصبحت مقصورة لدى الغالبية منهم على العائلة الصغيرة فقط التي تضم الأبناء والأحفاد، أما التجمعات الكبيرة التي تجمع كل أفراد العائلة فباتت مقتصرة على بعض القبائل البدوية.. كلمة “القريش” في اللغة العربية تعني السخاء، فيقرقش الإنسان أي يسمع صوت النقود في جيبه، ومن هنا جاءت التسمية حيث كانت كل أسرة تجود أو تقرقش بما لديها من طعام وشراب، واعتاد الكويتيون في هذا اليوم إقامة وليمة عامرة بين أفراد العائلة تزخر بما لذ وطاب من الأصناف الغذائية والمأكولات وغيرها لوداع أيام الإفطار وملء المعدة للمساعدة على تحمل الجوع والعطش أثناء الصيام في اليوم التالي، وكانت الأسماك هي الوجبة الرئيسية في تلك الوليمة، لأنهم يمتنعون عن تناولها طوال أيام الشهر الفضيل حتى يستطيعوا تحمل العطش، وكان اعتقادهم أن الأسماك تزيد من إحساسهم بالعطش، وفي هذا اليوم يستذكرون المقولة الشعبية الشهيرة “اليوم القريش.. وباكر نطوي الكريش” وتقوم النساء في ذلك اليوم بوضع الحناء في أيديهن وأرجلهن بعد تنظيف المنزل وتبخيره وتحضير الأواني الكبيرة استعدادا للشهر الفضيل، وكانت النساء في الماضي يجمعن الملابس ويذهبن بها إلى البحر لغسلها في فترة الصباح حيث يكون الرجال مشغولين في أعمالهم، كما كانت تقوم فرقة نسائية بالطواف على منازل الشيوخ والتجار بغية الحصول على ما تجود به أيديهم من مختلف أصناف الأطعمة وغيرها. “بو طبيلة” من الشخصيات التي ميزت رمضان قديما شخصية(بوطبيلة) الذي يعرفه الباحث عادل عبد المغني بأنه المسحراتي الذي يقوم بإيقاظ الناس من نومهم لتناول السحور واداء صلاة الفجر، وقد اندثرت هذه المهنة تماما في أواخر الستينات، ومازال كبار السن يفتقدون صوته وعباراته الجميلة التي كان يرددها، وقد سمي بذلك الاسم نسبة إلى “الطبل” حيث يقوم هذا الرجل بإيقاظ الناس من نومهم بواسطة طبلة وعصا يضرب بها عليها مرددا “يا نايمين.. صوموا.. وحدوا الله الدايم.. عادت عليكم.. الشر ما يجيكم”. وكانت مهمته أساسية في الماضي لأن الناس كانوا لا يواصلون السهر مثل هذه الأيام لعدم وجود وسائل الترفيه الحالية، فضلا عن استيقاظهم مبكرا للعمل في الصيد أو التجارة أو غيرهما من الأعمال التي كانوا يمارسونها، وكان بوطبيلة يأخذ أجرته إما عينية أو نقدية، حيث يصطحب معه في الأيام الأخيرة من رمضان حمارا يضع عليه “خرجاً” يتدلى من الجانبين، ثم يمر على البيوت التي مر عليها من قبل ويردد “عادت عليكم.. الشر ما يجيكم” وهنا تخرج ربة المنزل وتعطيه المقسوم حسب المقدرة وكان يتكون من “أرز وسكر وأحيانا نقود”. “القرقيعان” القرقيعان هو إحدى العادات والتقاليد القديمة التي ورثها الكويتيون عن آبائهم وأجدادهم وما زالوا يحرصون على الحفاظ عليها حتى الآن، ويحتفل الأطفال بالقرقيعان في ليالي الرابع عشر والخامس عشر والسادس عشر من الشهر الفضيل، وترجع تسميته في اللهجة الشعبية إلى استخدام الأطفال في الماضي بعض الأواني مثل “الطاسة” و”القدر” للقرع عليها، وكان القرقيعان في الماضي عبارة عن سلة كبيرة مصنوعة من سعف النخيل يوضع بداخلها خليط من المكسرات التي تشتمل على النخي والفول السوداني والنقل والجوز والتين المجفف بالإضافة إلى الحلويات، وتوزع على أطفال الحي عندما يرددون الأهازيج الخاصة بهذه المناسبة، فعندما يسمع الأطفال صوت أذان المغرب يتناولون إفطارهم على عجل مصطحبين معهم أكياسا من القماش والطبول ويسيرون على شكل جماعات مرددين أهازيج القرقيعان وأناشيده، وكانت البنات في السابق يجمعن القرقيعان من البيوت المجاورة والقريبة إلى منازلهن، وذلك عندما يرددن أهزوجة خاصة بهن وهي “قرقيعان وقرقيعان.. بيت قصير ورمضان.. عادت عليكم صيام.. كل سنة وكل عام.. سلم ولدهم يالله.. خله لامه.. عسى البقعة لا تخمه ولا توازي على أمه.. عطونا الله يعطيكم بيت مكة يوديكم.. يا مكة يا معمورة يا أم السلاسل والذهب يا نورة” بينما يمتد نشاط الأولاد إلى خارج الحي ويتنقلون بين الأحياء الأخرى مرددين أنشودة صغيرة هي “سلم ولدهم يالله خله لامه.. يالله”. مدفع الإفطار بعد وجبة يوم “القريش” تكون الوجبة الرئيسية التالية هي وجبة الإفطار الأول والتي تبدأ بعد سماع صوت مدفع الإفطار من الإذاعة والتلفزيون، ولقد اعتاد الكويتيون معرفة وقت الفطور منذ الثلاثينات من خلال سماع صوت المدفع بعد أن نقلوا تلك العادة من مصر في العشرينات من القرن الماضي، وقد ظل المدفع ينطلق من موقعه في قصر السيف (مقر الحكم) الواقع بمنطقة شرق على شارع الخليج العربي، قبل أن ينتقل إلى موقعه الجديد في قصر نايف في محافظة العاصمة عام 1953.