يعد الشعر أحد مرتكزات الموروث الشعبي الفني في اليمن لاسيما وإنه يكتب بلهجات متعددة تتنوع بتنوع المكان والزمان فهناك الشعر الصنعاني والشعر العدني واللحجي والتعزي والتهامي .....الخ. واليمن غنية بالشعراء الشعبيين الذين كتبوا قصائدهم بلسان حال المواطن البسيط وصوروا معاناته وإحتياجاتة اليومية وكذا أفراحه واتراحة بلغة بسيطة ولهجةٍ قريبة منه لكنها رغم ذلك لاتخلو من الصور الجمالية والإبداع اللامتناهي حتى أن السامع أو القارئ ليشعر وكأنه يعيش الحدث ويتماهى مع شخوصه . ومن أبرز هؤلاء الشعراء على سبيل المثال الشاعر عبد الله عبد الوهاب نعمان، والشاعر أحمد الجابري. والشاعر القمندان , ...و ... , وغيرهم الكثير ولكن تظل هذه الأسماء اللامعة ماهي إلا درة في تاج الشعر الشعبي وهناك الكثير من الجواهر المغمورة التي لم تسنح لها الفرصة أو لم تتح لها الظروف لتسلط عليها الأضواء. واليوم نقف أمام أحد هذه الأسماء وهو الشاعر :عبد الله عبده سيف العبدلي من مواليد 1955م، الأعروق- تعز. بدأ في كتابة الشعر الشعبي وهو لايزال في سن الصبا حنيناً الى القرية التي تركها منذ صغره بحثاً عن عمل يساعد به اسرته ووالده فتغنى بجمالها قائلاً: قلبي عشق شوكا ورأس سعدان وقلعة المقاطرة وذبحان فيها النقا فيها الهوى ملوان فيها الصبايا بالجمال فتان تسبي القلوب اللاهفة بالأعيان قلبي إرتجف زادت بقلبي الأشجان وادي حُلامه يا مربي الأغصان بُنّك طعيم وليمتك ورمان أعيش في القرية وقلبي حنان على المناسم والعقام حسران يا بلد تي أمسي عليك حيران أهدي إليك شعري وكل الألحان والشاعر هنا إذ يصور عشقه لقريته يعود فيتطرق الى أوديتها وثمار أشجار تلك الأودية والمدرجات والمزارع وجبالها ليهديها شعره وألحانه فإلى جانب ما كان يكتبه من الشعر فقد كان مثله مثل الكثير من الشعراء في اليمن يعود فيلحنه ويغنيه في جلسات السمر مع الأصدقاء وفي مقايل القات التي أشتهر بها اليمنيون. ويصور الشاعر شوق الأحبة لعودته بحوار الزوجة مع صغير الحمام بقوله: فرخ الحمام ياأجمل الطوائر إفرد جناح شحملك رسائل الى الحبيب عقلي علوه حاير أنا هنا أمسي وحيد ساهر وهو بعيد في غربته مسافر قولو يعود يقشب العقاوير دمعي علوه ملئ الخدود ساير ونهدتي تقول لي شيجي باكر ثم يصور بقصائده صور من الحياه اليوميه للريف اليمني فيقول : يقول العبدلي يازين رأيتو ساجيات العين في البير الغوريق يدلين على الحبل العريض يطوين غشاماً لادعيت لبين وإن ملت في الكلام سبين وبعدك بالحجار هبين لقا عرفين ولاحبين وهو هنا يصف جمال الفتاه اليمنية في الريف بقوله: ساجيات العين كذا عفويتها ومدى تمسكها رغم تلك العفوية بالعادات والتقاليد التي تحتم عليها التحدث بحذر و بحدود الاحترام مع الأغراب بالذات وحنكتها في مواجهة ما سوى ذلك ثم يعود فيتفاعل مع الزراعة و«زوامل» الفلاحين فيقول : صوت الرعد حان الليلة من فوق شوكا مو الليلة نجنا ذرانا مو الليلة الأجود الرحمان الليلة الطير غرد الليلة والبتول جواب الليلة عذر.الجبل حان الليلة ذري ياأصحاب الليلة شن المطر شن الليلة من فوق شوكا مو الليلة والبتول شجاب الليلة وها زهير سوم الليلة والثور جابر الليلة والذاريات كما العيلة يدفنين حاب الليلة شن المطر قالوا الليلة مواعيد الراب الليلة شوقني الزامل الليلة في بلدتي عالي الليلة وهنا يصور الفلاحين والحقول وفرحة أهالي القرية بنزول المطر وكأنك ترى من خلال أبياته القرية تحولت الى مراكز عمل في مواسم الأمطار.. وكذا يصور موسم الزراعة حيث يسمى في الكثير من القرى اليمنيه موسم (الذري) وله مواعيد يعرفها اصحاب القرية بقوله (عذر الجبل ) أي عندما يرون ظل الجبل وجبل شوكا هو احد الجبال المشهورة في الأعروق . ثم يعود ليكتب الشعر الغزلي فيقول : يقول العبدلي يازين نهبت عقلي ورايح فين زلج عمري وأنا صابر ياروح الروح يازيزي العين لماذا باتعذبنا سنين العيب قد شدين أخاف الناس يشوفونك يريدو يخطفوك بعدين أنا عارف بأنك للحيا تفكرين زين لهذا الشأن أنا جيتك وأرجوك لاتضع دربين تبسم لي إشارة أفهم ولو حتى بطرف العين وصارحني أنا أترجاك غزال ياباهي الخدين فجوب منشغل فيبك وأنا صابر على نارين وحبك في الحشا يقطع كأنه موس ذو حدين ولكن يظل الشاعر الشعبي الذي يتغنى بقريته إنما يعتبرها جزءاً من الوطن الكبير ويتغنى بكل جمال يراه في الوطن أينما كان فيقول : كل ما لمع لامع شن يا مطر على جبال سامع ما أجمل المزارع ومحلى حقول البن وأنت جازع ثم يقول: يهواكِ قلبي يا عتمه الحالية محلى جمالك وأرضك ساقية وادي هدر وشجرك العالية ظلين على البن وعشب الكاذية وما بين هذه القصيدة وتلك يشدنا الشاعر لنعيش إبداع الحياة البسيطة الجميلة في ريف اليمن من أقصاه إلى أقصاه بثراء وتنوع الصور والمعاني في القصائد التي يكتبها حتى أن السامع ليكاد يتصور أنه جسد كل تفاصيل الحياة اليومية بقصائده فهو يكتب عن القرية والغربة والأحبة وصبايا الريف والفلاح والسهل والجبل والوادي والمهاجل الزراعية والحزن. ولا ينسى في خضم ذلك كله أن يصور تلك الأعراس التي تحظى بطقوس وتقاليد شعبية تكتنفها روائح العود والبخور والكاذي فيقول: الليلة ذي جنة زفو عرايسنا وخمروا الحنا خلو القلوب تهنا أذي العروس حالي يامحلى قوامه قد أنقشت الأرض من خطوة أقدامه كأنها بركل تعبر أحلامه ودان وادانه ودان وادانه ياذي العريس إدكي وإسمع لألحانه مبروك عليك مبروك قيله وخزانه العبدلي جاكم يهني يادانه كل الغوالي تقوم ترقص علم ودانه ودان وادانه ودان وادانه وكذا يقول: شلو معي كل الحضور على العريس صبو البخور وحوطوهم بالزهور ورشرشوهم بالعطور اليوم ذي جنه ونور زفو العريس دقو الطبول
المناسم: رأس الجبل. عذر الجبل: أحد مواقيت الزراعة (ظل الجبل). البتول: الفلاح الذي يحرث الارض . العقام: جمع عقمة (مدرج زراعي). الزهير: اسم الثور. السوم: طرف الحول. جابر: فاهم.