(2 - 2) يعتقد البعض عندما نتحدث عن الإنصات وعن أهميته أننا نتحدث من باب الترف وأن الإنصات والاتصال بشكل عام لا يتطلبان كل ذلك الاهتمام. وهذا غير صحيح فنحن نحتاج لتنمية مهاراتنا في الاتصال لأننا نمارس هذه العملية في حياتنا اليومية مع أهلنا وأقاربنا وفي العمل والشارع والسوق وفي كل مكان, فالاتصال نمط سلوكي طبيعي نمارسه بشكل يومي كجزء من تفاعلاتنا مع بعضنا البعض وبالتالي فتنمية هذه المهارة شيء أساسي وليس ثانويا لضمان حياة سعيدة وعلاقات جيدة يسودها التفاهم والاحترام.. و قد أظهرت دراسة علمية عن مهارات الاتصال أن الناس يستغرقون ما نسبته 75 % من يومهم في الإنصات والتحدث للآخرين 40 %، للإنصات و35 % للتحدث, بينما يقضون 16 % من أوقاتهم في القراءة و 9 % في الكتابة, بمعنى أن الإنصات يحتل النصيب الأكبر من أنشطتنا اليومية, وهذا يؤكد ضرورة الاهتمام بتنمية هذه المهارة, ولذلك تجد الجامعات والمعاهد في الدول الغربية قد أدركت ذلك وجعلت مادة الاتصال كمتطلب أساسي في جميع التخصصات, وقد سمعت من أحد الأصدقاء أن بعض الجامعات في بعض الدول العربية قد أخذت نفس المنحى. لقد كان أسلافنا يدركون أهمية هذه المهارة, فهذا الحسن بن علي، رضي الله عنهم أجمعين يوصي ابنه, وقد كان من ضمن ما قال: (...وكن على أن تسمع أحرص منك على أن تقول، وتعلم حُسْنَ الاستماع كما تتعلم حسن الكلام، ولا تقطع على أحد حديثاً – وإن طال – حتى يُمسك).. ويقول ابن المقفع: (تَعلَّمْ حُسن الاستماع كما تتعلم حسن الكلام؛ ومن حسن الاستماع: إمهال المتكلم حتى ينقضي حديثه، وقلة التلفت إلى الجواب، والإقبال بالوجه، والنظر إلى المتكلم، والوعي لما يقول). و لكي تكون منصتاً فعالاً اجعل هذه القواعد من ضمن سلوكياتك: الشعور بأهمية كلام المتحدث؛ فذلك يحفز على حسن الإنصات. والحكم على المحتوى وليس على طريقة المتحدث. أنصت بصدق فتصنعك للإنصات تفضحه غالبا تعابير وجهك. عدم القيام بحركات لا داعي لها. استمع بأذنيك وبعينيك, فلا يصح أن تستمع وأنت مطأطئ لرأسك فحركات يدي المتحدث وانفعالات وجهه قد تعبر أكثر من كلامه. التفت بشكل كلي إلى متحدثك وتوجه بالنظر إليه وانتبه لحركاته وانفعالاته. لا تصدر أحكاماً مسبقة على الشخص إلا إذا سمعته, خاصة إذا كان أول مرة, ولا تفترض ما سيقوله فهذا قد يدفعك لإطلاق أحكام مسبقة عليه. عدم المقاطعة, فلا تقاطع لتبدي رأيك، دع المتكلم ينهي كلامه ثم تكلم. استمع لتفهم حتى لمن يخالفك في الرأي؛ فالبعض يستمع جيداً لمن يوافقه في الرأي أو الطباع أو التوجه الحزبي, أما من يخالفه فلا يستمع وإذا فعل ذلك فمن أجل أن ينتقد أو يعترض. احترم آراء الآخرين مهما خالفوك في الرأي, وعند تعارض وجهات النظر وقبل أن تتكلم لخص أولاً ما قصده الطرف الثاني, مثال ذلك أن تقول: لقد فهمت من كلامك كذا وكذا.. أليس هذا ما تقصده، فإذا قال نعم تكلم, و أهمية ذلك أنه وفي كثير من الأحيان إذا لم تلخص كلامه وتتكلم مباشرةً, يقول لك الطرف الآخر: أنت لم تفهم هذا ليس قصدي. وضح لمحدثك بأنك فهمت الرسالة, وارجع الأثر اليه. إذا لم تفهم نقطة معينة قاطع بلباقة لتفهم و ليس لأجل أن تتكلم أو تبدي رأيك. إذا كان الموضوع معقدا أو ذا نقاط كثيرة أو مهما جداً، اكتب. اطلب الإعادة إذا لم تسمع و بلباقة. الجلسة أو الوقفة المناسبة والتصرف بما يوحي باحترامك للمتحدث. إذا طال كلام محدثك, وكنت في عجلة من أمرك فخيره بوقت قصير الآن أو أطول بعد فترة وذلك أفضل من النظر للساعة أو القيام بحركات تحرجه.. و أخيراً تذكر: بأن إنصاتك الجيد للمتحدث يطور علاقتك معه ويقربك إليه. و أن مهارتي الإنصات والتحدث مقرونة إحداهما بالأخرى فأنت حينما تتحدث فأنت أمام مستمع وعندما تستمع فأنت أمام متحدث وبقدر إتقانك للمهارتين يقوى أسلوبك في الحوار. باحث ومدرب في الإدارة و التنمية البشرية مستشار التدريب في ديوان عام محافظة إب [email protected]