أكد مركز بحوث التنمية الاقتصادية والاجتماعية أن ظاهرة البطالة أخطر وأعقد القضايا التي تهدد استقرار الدول العربية باختلاف مستويات تقدمها وأنظمتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتشكل تهديداً واضحاً للاستقرار السياسي والأمني.. وتزداد خطورة المشكلة في أن هناك فقراً شديداً في الفكر الاقتصادي الراهن لفهم مشكلة البطالة وأساليب معالجتها، فضلاً عن أن هناك تياراً اقتصادياً في بعض الدول العربية ينتشر بقوة، وينادي بأن مشكلة البطالة تخص ضحاياها، وأن العاطلين عن العمل هم الذين فشلوا في التكيف مع سوق العمل وظروف المنافسة والعولمة، وعليهم أن يتحملوا عبء المشكلة، وأن يبحثوا عن حل لها بأنفسهم. ويشير المركز إلى إخفاق الإصلاحات الاقتصادية التي طبقتها الدول العربية بالتعاون مع صندوق النقد والبنك الدوليين في إحداث نمو اقتصادي حقيقي وبنسب مقبولة، تعمل على التخفيف من حدة البطالة، بل على العكس من ذلك تماماً، فقد وسعت السياسات المالية والنقدية المنبثقة عن الإصلاحات الفجوة، وزادت من أعداد العاطلين عن العمل، بالإضافة إلى إفقار فئات كبيرة من المجتمع، نتيجة لرفع الدعم على السلع والخدمات الأساسية. وأوضح المركز أن التطورات السياسية في المنطقة العربية أثرت سلباً على تدفقات الاستثمارات، والتي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بارتفاع معدلات البطالة وضعف برامج التشغيل، وأن الاستثمار الأجنبي المباشر في الدول العربية انخفض من 90 مليار دولار عام 2010 إلى 43 مليار دولار عام 2011 بمعدل انخفاض 37.4 %، وتفاقم ظاهرة البطالة العامة لتبلغ نحو 16 %، وترتفع نسبة البطالة بين الشباب إلى أكثر من 25 %. وهناك قلق متزايد لدى الشباب العربي إذ إنه بالرغم من تحسن مستوياتهم التعليمية ومؤهلاتهم العلمية والحصول على فرص تدريبية مختلفة، إلا أن فرص العمل ما تزال محدودة وعددها أقل من عدد الشباب الباحثين عن عمل، وهناك استغلال لبطالة الشباب من خلال عرض فرص عمل بأجور زهيدة جداً. ويبلغ متوسط النشاط الاقتصادي بين الشباب العربي من الجنسين 37 %، وبين الذكور 53 %، والإناث 20 %، ويبلغ أعلى معدل للنشاط الاقتصادي للشباب في البحرين بنحو 67 %، يليها الإمارات 62 %.. وأدنى معدل لها في فلسطينواليمن بنحو 27 %، وتنخفض نسبة النشاط الاقتصادي في اليمن بين الإناث إلى 3 %، وبين الذكور 52 %. ونظراً لما تتمتع به الدول العربية من مقومات اقتصادية وموقع استراتيجي، بالإضافة إلى أسس متينة تجسد روح التكامل المشترك ووحدة الهدف، فإن بإمكانها تجاوز الكثير من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية من خلال إنشاء سوق عربية مشتركة لخدمة التكامل الاقتصادي العربي أسوةً بالاتحاد الأوربي، وهو الأمر الذي يدعم القدرات التنافسية للإنتاج داخل وخارج المنطقة، ويزيد من فرص التوظيف، ورفع كفاءة القوى العاملة، واستيعاب الزيادة المستمرة فيها، وان مبدأ السوق المشتركة يتطلب إطلاق العنان لعوامل الإنتاج بالتحرك داخل الدول العربية، وأهم هذه العوامل هي اليد العاملة، ويجب أن لا تخضع استقدام العمالة أو طردهم إلى المواقف السياسية. تجدر الإشارة هنا إلى المفارقة الصارخة بعد أن كان تحقيق التوظيف الكامل هدفاً استراتيجياً في مختلف دول العالم تدور حوله السياسات الاقتصادية وتعطيه الأولوية، فإن هناك تجاهلاً شبه تام لهذه المشكلة من جانب الحكومات على الرغم مما ينجم عنها من مخاطر واضطرابات سياسية، اعتقاداً بأن إضفاء المرونة على سوق العمل وتقليص تدخل الحكومات والنقابات العمالية فيها، وإطلاق آليات السوق والاندماج في الاقتصاد العالمي، كل ذلك سيؤدي وعلى نحو تلقائي إلى القضاء على البطالة. من الأهمية بمكان أن البطالة في الوطن العربي تحمل خصائص عديدة أهمها: أنها ظاهرة شبابية، وارتفاع نسبتها بين الإناث، وتدني المستويات التعليمية للعاطلين عن العمل، وضعف الخبرة المهنية المتوفرة لدى العاطلين عن العمل، وغياب وسوء التخطيط في التدريي المهني الموجه لسوق العمل، والهوة الكبيرة بين التأهيل التعليمي للشباب وبين متطلبات سوق العمل.