من الأغاني الذائعة الصيت للفنان (عثمان علي عثمان) أغنية ((يتحدّاني وأنا صابر عليه )) وهي من أغاني المهجر.. أي أن الأغنية موضوع حديثنا ألّفها الدكتور محمد عبده غانم وسلّمها للفنان اليمني الذي عاش ومات في جيبوتي وهو عثمان علي عثمان .. فما كان من الفنان إلا أن التقطها ووضع لها لحناً جميلاً ثم سجّلها للإذاعة (إذاعة جيبوتي)) ولا بأس من عرض هذه الأغنية لأنها لم تطرق سمع كثيرين من القرّاء،ولأنها غيرمسجلة في إحدى إذاعاتنا.. لنرى مواطن الجمال فيها وقدرة مؤلفها على التعبير عما يجيش في نفسه من خواطر.. مقطع الأغنية الأول يقول:- يتحدّاني ونا صابر عليه ناعس الأجفان يا شوقي إليه ناعم الأحضان يلعب بي سُديْه كلمّا مني بعد والادنا قلت يكفي لا تقرّب أجلي يبدو من المقطع أن هناك حاجزاً بين الشاعر وناعس الأجفان، هذا الحاجز الذي يحول دون اللقاء هو الذي أجّج مشاعر الشاعر وزادها اتقاداً.. وعندما زرتُ جيبوتي عام96م والتقيت بالفنان عثمان علي عثمان وسألته عن معنى (يلعب بي سديه) قال: إنها لعبة تهامية شائعة يتلاصق فيها اثنان ويتقلّبان على الرمال .. ويبدو أن نفور حبيبة الشاعر كان كافياً للعب بمشاعره.. وإذا زادت في عنادها ربما عجّلت في أجله.. ثم يقول:- كم تواعدني وتخلف في الوعود كم تشفي بالشجي الشاني الحسود كم تقيّدني بقدّك من قيود من أنا حتى أقاوم من أنا؟ الأسود في الحب تخضع للطلي ويبدو أيضاً أن المحبوب قد اتخذ أكثر من وسيلة ليضاعف بها لوعة الشاعر ويمتحن مقدارصبره على تأمل الجمال فقط دون الاقتراب منه .. فالحب هو الشيء الوحيد الذي يتساوى فيه الجميع ويقعون في شراكه، فالحب هو الذي يجعل القوي ضعيفاً في أكثر الأحيان (الأسود في الحب تخضع للطلي).. صورة جميلة لا تحتاج إلى تعليق ثم في المقطع الثالث يقول:- ياحبيبي لا تطوّل بالدلعْ قد كفى مابي من الحُرقة وَلَعْ كم نزل في الحب قبلك أوطلع ونتَ واقف ما تقول هياّ بنا لاتقع لي في الصبابة حنبلي ***** يكفي ما أنا فيه من حرقة ولوعة ولست بقادر على تحمُّل المزيد من دلعك ودلالك.. والملاحظ هو أن الأغنية تعبّر عن حالة حب (عفيف)كان حظ الشاعر منها هو الافتتان فقط. ثم في مقطع رابع يقول :- كيف ماتفهم حنيني للديارْ وهي قد وافت وقد شطّ المزارْ كيف ماتفهم بأن القرب نارْ عندما يدنو وينأى المنحنى كيف ..ياريتك بناري تصطلي في المقطع السابق بدأ يلوم صاحبه ويعاتبه على أنه قاسٍ وجامد.. ويتمنى لو أصاب صاحبه نار العشق ليتساويا في معاناتهما وفي آخر مقطع من الأغنية يقول:- أيش يفيد القرب والعاشق غريبْ قد بعد مهما يكون خِلّهْ قريبْ فين باالقاك.. قل لي ياحبيبْ وأنا هايم أدوِّرلكْ سنة والهوى شاهد عليْ أوحُنبلي(1) ***** في الجزء الأخير من الأغنية يؤكد أن الغربة تسهم أحياناً في تبليد المشاعر والتخبط الوجداني غير المستقر.. والمقطع غير عسير على الفهم .. فمعناه واضح وجلي .. ولا يحتاج إلى مزيد من التعليق. الهامش:- 1 - حُنبلي : بلدة في جمهورية جيبوتي .. كان يرتادها الشاعر كلما زار جيبوتي. [email protected]