عودة الوزراء المصابين الى اعمالهم    وزير الداخلية يهنئ قائد الثورة والرئيس المشاط بثورة 21 سبتمبر    الدكتور عبدالله العليمي يشيد بالجهد الدولي الداعم لتعزيز الأمن البحري في بلادنا    من سيتحدث في الأمم المتحدة وما جدول الأعمال؟    الترب يهنئ القيادة الثورية والسياسية بالعيد ال 11 لثورة 21 سبتمبر    السعودية تعلن تقديم دعم مالي للحكومة اليمنية ب مليار و380 مليون ريال سعودي    وفاة طالب متأثراً بإصابته أثناء اغتيال مدير صندوق النظافة بتعز    في ظل ضغوط مجتمعية وتحركات شعبية.. متهم باغتيال المشهري يعلن تسليم نفسه والشرطة توضح    شباب المعافر يُسقط اتحاد إب ويبلغ نهائي بطولة بيسان    لقاء أمريكي قطري وسط أنباء عن مقترح أميركي حول غزة    منتخب اليمن للناشئين يفتتح مشواره الخليجي أمام قطر في الدوحة    المنتصر يبارك تتويج شعب حضرموت بكأس الجمهورية لكرة السلة    عطوان يصف تهديدات كاتس بالهذيان! ويتحدا ارسال دبابة واحدة الى صنعاء؟    شرطة تعز تعلن القبض على ثلاثة متورطين في جريمة اغتيال أفتهان المشهري    صنعاء.. البنك المركزي يعيد التعامل مع شبكة تحويل أموال وكيانين مصرفيين    السعودية تعلن عن دعم اقتصادي تنموي لليمن    مساء الغد.. المنتخب الوطني للناشئين يواجه قطر في كأس الخليج    صلاح يتقدم على سلم ترتيب أفضل صانعي الأهداف في تاريخ البريميرليغ    شباب المعافر سطروا تاريخهم بقلم من ذهب..    مستشفى الثورة في الحديدة يدشن مخيماً طبياً مجانياً للأطفال    توزيع 25 ألف وجبة غذائية للفقراء في مديرية الوحدة    تعز بين الدم والقمامة.. غضب شعبي يتصاعد ضد "العليمي"    انتقالي العاصمة عدن ينظم ورشة عمل عن مهارات الخدمة الاجتماعية والصحية بالمدارس    على خلفية إضراب عمّال النظافة وهطول الأمطار.. شوارع تعز تتحول إلى مستنقعات ومخاوف من تفشّي الأوبئة    على خلفية إضراب عمّال النظافة وهطول الأمطار.. شوارع تعز تتحول إلى مستنقعات ومخاوف من تفشّي الأوبئة    ضرورة مناصفة الانتقالي في اللجنة القانونية: لتأمين حقوق الجنوب    رئيس الإصلاح: لمسنا في تهاني ذكرى التأسيس دفء العلاقة مع القوى الوطنية    عرض كشفي مهيب في صنعاء بثورة 21 سبتمبر    "العفو الدولية": "الفيتو" الأمريكي السادس ضد غزة ضوء أخضر لاستمرار الإبادة    تعز.. خسائر فادحة يتسبب بها حريق الحوبان    الشيخ عبدالملك داوود.. سيرة حب ومسيرة عطاء    بمشاركة 46 دار للنشر ومكتبة.. انطلاق فعاليات معرض شبوة للكتاب 2025    الأرصاد يتوقع هطول أمطار رعدية على أجزاء من 6 محافظات    وزير الخدمة يرأس اجتماعا للجان دمج وتحديث الهياكل التنظيمية لوحدات الخدمة العامة    هولوكست القرن 21    وفاة 4 من أسرة واحدة في حادث مروع بالجوف    بورصة مسقط تستأنف صعودها    البنك المركزي يوجه بتجميد حسابات منظمات المجتمع المدني وإيقاف فتح حسابات جديدة    إب.. وفاة طفلين وإصابة 8 آخرين اختناقا جراء استنشاقهم أول أكسيد الكربون    بسبب الفوضى: تهريب نفط حضرموت إلى المهرة    الرشيد يصل نهائي بيسان ، بعد الفوز على الاهلي بهدف نظيف، وسط زخم جماهيري وحضور شعبي الاول من نوعة منذ انطلاق البطولة    بن حبريش: نصف أمّي يحصل على بكلاريوس شريعة وقانون    المركز الثقافي بالقاهرة يشهد توقيع " التعايش الإنساني ..الواقع والمأمون"    أين ذهبت السيولة إذا لم تصل الى الشعب    الربيزي يُعزي في وفاة المناضل أديب العيسي    الكوليرا تفتك ب2500 شخصًا في السودان    الصمت شراكة في إثم الدم    الفرار من الحرية الى الحرية    ثورة 26 سبتمبر: ملاذٌ للهوية وهُويةٌ للملاذ..!!    الهيئة العامة للآثار تنشر القائمة (28) بالآثار اليمنية المنهوبة    نائب وزير الإعلام يطّلع على أنشطة مكتبي السياحة والثقافة بالعاصمة عدن    موت يا حمار    العرب أمة بلا روح العروبة: صناعة الحاكم الغريب    خواطر سرية..( الحبر الأحمر )    اكتشاف نقطة ضعف جديدة في الخلايا السرطانية    في محراب النفس المترعة..    بدء أعمال المؤتمر الدولي الثالث للرسول الأعظم في صنعاء    العليمي وشرعية الأعمى في بيت من لحم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ولدت لأكون حراً و أموت حراً
قصة قصيرة
نشر في الجمهورية يوم 21 - 11 - 2013

إهداء ل محمد الغربي عمران صاحب رواية «المصحف الأحمر » ، و محمد سالم شجاب صاحب كتاب «علي بن مهدي و مأساة الأخدام » تحية لجهودهما نحو عالم خالٍ من التمييز العنصري .
“ .. كان عمري ست سنوات حين وعيت على أبي و أمي و أخواتي و إخوتي كلهم يعملون في تنظيف شوارع المدينة ... ، كان أبي يبدو أقوى الرجال بعضلاته المفتولة و أوردته النافرة .. ، و مع ذلك كان أبي هو من يجمع القمامة و الرجال ضئيلوا الحجم و قصيروا القامة هم من ينهرون أبي طوال الوقت ..، حتى أن أحدهم يوماً و هو أقمأهم قام بصفع أبي على قفاه حين استند على عمود الإنارة ليرتاح .. ، ذلك اليوم اندفعت كالسهم صوب ذلك الشرير مصطدماً به و مطيحاً إياه على الأرض و أنشبت أظفاري فيه كالمخالب ... ، انتزعني أبي من فوقه ملقياً بي بعيداً و معتذراً للرجل ...
لم أكن أع حينها أي سببٍ يمنع أبي عن أخذ هذا الشيء البغيض و قذفه لأبعد الأماكن ..، كان والدي أمامه يبدو عملاقاً مهيباً و هو يبدو كنملة ضئيلة ..
عندما بلغت التاسعة من عمري كنت قد بدأت أعرف أن سبب استكانة أبي و كذا جمع من أقاربنا و آخرين لا يمتون لنا بصلة غير لونهم الداكن و عضلاتهم المشدودة وإلا احتقار الآخرين لمجموعنا .. هو أننا أخدام كما يقولون ... !
كانوا يدعون الفرد منا بياخادم و يا خادمة ... !!
ما بلغت سن العاشرة حتى عفت حياتنا الوضيعة و ما عدت أطيقها ، كنت أرفض الذهاب مع أبويّ للم القمامة .. ، و كنت لذلك كثيراً ما أجد العصي تنحطم فوق جسدي ..!!
كنت أسمع كثيراً عن دول الجوار الغنية و المتمسكة بالتعاليم الربانية ، لذا بيني و بين نفسي قررت الرحيل ..
و ذات يومٍ عقب مغادرة أبوي و إخوتي لكدهم اليومي ، إلا أختاً لي كانت تعاني من وعكة و دوار بقيت وحيدة معي ، عندها قررت أن أغادر .. ، قبّلت أختي على جبينها و أخبرتها برغبتي .. ، بكت كثيراً و رجتني أن لا أغادر إلا أني رفضت ، ثم لما رأت اصراري و عزمي احتضنتني و قبلت رأسي و قالت لي ارحل ... ، دون أن أحمل شيئاً معي انطلقت ميمماً وجهي شطر الشمال .. ، و حين وصلت بعد فترة من الزمن إلى تلك البلاد هالني أن وجدت الناس هناك أسوأ من الناس في بلادي ..، ففي بلادي يريدون مني أن أنظف قذارتهم و أوساخهم عن الأرض ، أما هؤلاء فقد بدا لي أنهم يبحثون عن من يمتعهم و يقضي لهم من شذوذهم أوطاراً لا تنتهي إلا لتبدأ من جديد ..!
لم أتوقف عن السفر و الترحال حتى وضعتني أقدامي و أنا أبن الرابعة عشرة من عمري في بلاد المغرب العربي ، فعشت فترة من حياتي أتنقل بين بلدان المغرب و هناك تعلمت القراءة و الكتابة بالعربية و الفرنسية و الإيطالية و هناك صليت لأول مرة إلى جوار البيض و السمر و الحمر و ألوان أخرى لم أكن أتبينها في بلادي .. ، ثم و لضيق الحال مضيت مع شبان آخرين عبر البحر إلى إيطاليا ثم فرنسا و أخيراً استقر الحال بي لاجئاً في هولندا ، و هناك أدخلوني المدرسة التي كنت أراقب أولاد بلادي يدخلونها و هي محرمة علَّي و على أمثالي ، درست في تلك المدرسة و تفوقت ، ثم لما أنهيت دراستي ، انتسبت للدراسة في كلية الحقوق ، و كنت أعمل في مكتبة المدينة ، ثم لما نلت شهادة الليسانس ، سجلت لدراسة الماجستير و حصلت على الدكتوراة ، و أثناء دراستي تعرفت إلى فتاة أوروبية بيضاء ..، و شغفت بها حباً غير أني كنت أدفن لواعجي في صدري ، و ذات يومٍ زارت مكتبة المدينة مع والدها لتعرفه بي ، و من يومها و أنا نزيل ضيافتهم المستمرة ، و لِما في تلك البلاد من حرية ، فقد صارحتني بولهها بي ، و رغبتها الارتباط بي ، فأخبرتها عن تخوفاتي و ربما تشدد ذويها ، فما كان منها إلا أن أرتني إصرارها و موافقة ذويها ..، كان ذاك إبان دراستي الجامعية الأولى ، و اليوم هي زوجتي و أم طفلاي ، و لما كنت قد تزوجتها و قانون بلادها يمنحني الجنسية تبعاً فقد انتقلنا للحياة في دولتها ..، و تدرجت في الأعمال حتى حصلت على منصبٍ مهم في الخارجية ..
كل ذلك و لم ينعتن أحدٌ بيا خادم أبداً و لو على سبيل المزاح ...
حين صار عمري يناهز الأربعين استبدت بي لواعج الشوق لأبوي و إخوتي .. ، فطفقت استخدم اتصالاتي حتى عثرت على رقمٍ عرفت أنه لزوج أختي ..
اتصلت به و كم كان بكاء أختي عظيماً حين عرفتني ، علمت منها أن أمي ماتت بعد أن ضلت مريضة مقعدة و أحد إخوتي قد مات أيضاً بعيد وفاتها متأثراً بالسل الرئوي ، و أن أبي لا يزال على حاله يعمل في كنس الشوارع ..
أحزنني جداً أن علمت أن أهلي و ذويي لا يزالون كما هم .. ، عدت إلى بلادي ، لست ذلك الطفل البائس المشرد ، بل سفيراً متجولاً لتلك الدولة الأوروبية ، في المطار استقبلني كبار مسئولي الدولة ، و كان استقبالي في دار الضيافة من رئيس البلاد .. ، الذي طفق يتحدث بلا انقطاع عن حاجة البلاد و أشياء كثيرة ، كل ذلك عبر مترجم خاص .. ، لما أنهى الرئيس حديثه الممل ، أبلغته رغبتي في زيارة مدينتي ..، أبدى اندهاشه و أخبرني عبر مترجمه أن الأوضاع غير مستقرة و حجج واهية أخرى كي لا أزور مدينتي ، غير أني أصررت ، فما كان منه إلا أن انتدب من يوصلني ..
و في مدينتي و على أطراف ضواحيها حيث كان يسكن أهلي و لا يزالون كانت الأعين المندهشة ترقبني في السيارة الرئاسية الفارهة و هي تشق صفوف الشحاذين شقاً .. ، عند زاوية ما توقفت السيارة لنسأل عن بيتنا فقد تغيرت المعالم كثيراً ، و إن بقيت على حالتها في البساطة ، ولد صغير يبدو في الثامنة ، سألته فأرشدني ..
قلت للسائق عد أدراجك و سوف اتصل بك حين أنتهي من عملي .. ، أمام بيتنا المتداعي وقفت ..تنفست الصعداء ، و طرقت على صفائح البيت ..
لحظات و فتاةٌ صغيرة منكوشة الشعر و بثياب خلقة تحملق فيَّ ببراءة من رأت تمثالاً يشبه أباها أو جدها .. !!
بعدها اقتحمت فرجت الباب سيدة سمينة ، رأيت فيها ملامح أختي التي ودعتني باكية ، نظرت لي أيضاً باستغراب .. ، ثم و بتحفز ..، أخبرتني بعدم وجود أحد من الرجال ، ثم لما عرفت أني ذاته أخيها الصغير الذي غادرها قبل بضعٍ من السنين أكبت على يدي تقبلها ..، احتضنتها بشوقٍ و الدموع تكاد تغرق وجهي .. ، و أعين الجيران الفضولية تكاد تمزقنا .. ، دلفنا لداخل البيت ، رائحة عطنة تكاد تزكم أنفي ، عطست مرات كثيرة .. ، في المساء عاد والدي و بقية إخوتي و معهم زوجاتهم و أطفال عديدين .. ، أما أخواتي فقد عدن إلى بيوت أزواجهن ... ، تلك الليلة اجتمعت مع إخوتي و أخواتي ووالدي و بكينا كثيراً .. ، ثم لما جفت مآقينا خاطبتهم ، ألم يكن في الأرض متسع لتضربوا فيها بعيداً عن حياة الذلة هذه .. ، و أخبرتهم ما كان من أمري ، و ما أصبح شأني .. ، ثم طلبت إليهم أن يتركوا تلك الأعمال ، و نقدتهم مالاً يستعينون به على حياتهم إلى أن أدبر لهم شروط حياة أخرى ..، كما طلبت إليهم أن يكتموا خبري ، و إن سُئلوا عني ، يقولوا بأني شخص ثري يرغب في استخدامهم ..، لاحقا استصدرت لأبي و شقيقتي تلك جوازات سفر و أخذتهم عندي .. ، أما إخوتي و أخواتي فقد عملت على تدبير أعمال أخرى لهم و أدخلت كل أطفالهم للدراسة ..، و عملت على إنشاء مدرسة في حيّنا القديم سميتها “ ولدت حراً و سأموت حراً “ ..
هذا ما كان من أمري و أمر حياتي التي عشتها مهاجراً رغبةً مني في معيشة أفضل وحياةٍ أستمتع فيها بحريتي و كرامتي ..”


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.