سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
هجرة العقول اليمنية.. صفقة المغبون..!! يُعد نوعاً من التبادل الثقافي تبعث فيه الدولة فخر صناعتها الوطنية إلى الدول المتقدمة وبين عوامل جذب وطرد تتبدد آمال العودة..
لا يمكن النظر لظاهرة هجرة العقول أو الأدمغة اليمنية بمعزل عن الكثير من الظروف الموضوعية والتفاعلات التي لم تسهم في تحقيق معدلات تنموية مرتفعة وخلق بنية وبيئة جاذبة تحد من وقف هذا النزيف للعقل اليمني، الذي آثر البقاء في بلد المهجر أو الانتقال لدول أخرى بحثاً عن مستوى معيشي أعلى ومستقر، يضمن له حياة كريمة ويحقق طموحاته وآماله، الأمر الذي يشكل في الأعم الأغلب خسارة كبيرة على صعيد الموارد والطاقات البشرية، أدى الى إنهاك ونخر البنى الارتكازية التحتية المطلوبة لعمليات التنمية الشاملة لضمان غد واعد لمستقبل الأجيال القادمة.. أكثر من النصف لا يعودون تقول منظمة العمل العربية إن هنالك اكثر من 450 ألفاً من حملة الشهادات العليا العرب الذين هاجروا إلى أمريكا وأوربا خلال السنوات ال12 الأخيرة وإن أكثر من نصف الطلاب العرب الذين يتلقون دراساتهم العليا في الخارج لا يعودون الى بلدانهم بعد التخرج؛ كما أن 70 في المائة من العلماء الذين يسافرون للتخصّص لا يعودون إلى بلدانهم. وأما عن حجم الهجرة العربية بشكل عام فقد كشفت ورقة عمل لجامعة الدول العربية عرضت خلال اجتماع اللجان السكانية في العالم العربي الذي انعقد في نوفمبر من العام 2011م عن ارتفاع عدد المهاجرين العرب من13مليوناً الى 18 مليون شخص بنسبة تصل الى 5 بالمائة من مجموع السكان . ووفقا للمصدر ذاته فإن نسبة المهاجرين العرب تعتبر الأعلى مقارنة مع الدول الأخرى حيث وصلت نسبتها الى نحو8,4 بالمائة من مجموع المهاجرين على الصعيد الدولي. وتظهر دراسات منظمة الأممالمتحدة الى أن الوطن العربي خسر في نصف القرن الماضي من 20 إلى 30 مليون مهاجر ويسهم الوطن العربي في ثلث هجرة الكفاءات من البلدان النامية تجتذب ثلاث دول غربية هي الولاياتالمتحدة وبريطانيا، وكندا نحو 75 في المائة من العقول العربية المهاجرة. ويهاجر نحو 100 ألف من العلماء والمهندسين والأطباء والخبراء كل عام من ثمانية أقطار عربية هي لبنان، سورية، العراق، الأردن، مصر، تونس، المغرب، والجزائر. ويوجد نحو 4102 عالم إسلامي يعملون في مؤسسات ومراكز أبحاث غربية. في اليمن ينظر إلى اليمن على أنها مولدة ودافعة ومغذية لظاهرة الهجرة نحو مناطق الجذب الأخرى في العالم، فاليمن لديها العديد من الإشكاليات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وضعف عام وترهل في الهياكل التعليمية والبحثية، وانفجار سكاني هائل، الأمر الذي خلق بيئة طاردة دفعت الى هجرة الكثير من المحترفين اليمنيين، حيث حذر تقرير رسمي من هجرة الكفاءات وذوي الاختصاصات العلمية والنادرة، وما يترتب عليه من خسارة اقتصادية لليمن، ووفقًا للتقرير فإن العشرات من الخريجين وأصحاب الكفاءات يغادرون اليمن سنويًا للبحث عن العمل وتطوير المهارات. وتشير إحصاءات التقرير إلى أن نحو 30 ألف شخص من حملة المؤهلات الجامعية وحملة الشهادات العليا والمعاهد المتوسطة يعملون في دول الجوار وبعض الدول الأخرى. عوامل طاردة ثمة جملة من الاسباب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتعليمية والأكاديمية يتفق عليها العارفون في هذا الجانب تنطبق على الدول المرسلة ومنها اليمن، ساهمت مجتمعة أو منفردة في تزايد حدة النزيف للعقل المبدع اليمني الذي يتلقى التحصيل العلمي في بلد المهجر أو الذي عاد وهم قليل، فالقلاقل السياسية و الاضطرابات الأمنية لم تساعدهم على المواصلة في البلد الذي أصبح مرسلاً لهذه العقول، إلى جانب انخفاض مستوى المعيشة في بلادنا بالنظر إلى مستوى الدخل الفردي وعلى وجه التحديد النخب الثقافية والعلمية، و تدني مستوى الأجور و المرتبات مقارنة مع ما يدفعه الآخر من أجور مغرية، وسيطرة بعض العادات والقيم منها عدم احترام القدرات العلمية ودروها الايجابي في المجتمع، كما أن هناك قطيعة لا تخطئها العين على مستوى مواكبة الإنتاج العلمي العالمي وفقر البنى التحتية و المناخ العلمي الملائم والمشجع للبحث العلمي، والضعف المشهود في مستوى الإنفاق على برامج البحث العلمي في اليمن مقارنة بالدول الغربية تدعو إلى النفور واليأس لدى عقولنا. وجدير بالذكر فقد أوردت دراسة اعدها مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية إن الإنفاق السنوي للدول العربية على البحث العلمي لا يتجاوز (0.2 %) من إجمالي الموازنات العربية في حين إن ما تنفقه أمريكا وحدها على البحث العلمي يساوى (3.6 %) من إجمالي موازنتها؛ وتنفق السويد (3.8 %) وسويسرا واليابان (2.7 %)، وفرنسا والدنمارك (2 %) على البحث العلمي من إجمالي موازنة كل دولة على حدة. في حين تقدر ميزانية البحث العلمي في اليمن بنسبة 0.001 % من الميزانية العامة للدولة للعام 2013م و بنسبه 0.4 % من ميزانية وزارة التعليم العالي والبحثالعلمي للعام 2013م . عوامل جاذبة مثل ما هناك أسباب دافعة الى الهجرة يوجد في المقابل أسباب جاذبة لهجرة الكفاءات العلمية العربية باتجاه الدول الغربية منها الجوانب التشريعية والقانونية التي تعمل على تسهيل كثير من الاجراءات المنظمة لعملية الاقامة والاستقرار في بلدانها تشجع ذوي الكفاءات العلمية في السفر والاستقرار في هذه البلدان، كما ان الجوانب السياسية والاقتصادية تلعب دوراً هاماً في هذا الاطار نظراً لتوفر المناخ السياسي المناسب للاستقرار وحرية الرأي والتعبير في الدول المتقدمة، وتمكينهم من الاسهام بإيجابية في مختلف الجوانب البحثية والعلمية. ناهيك أن ارتفاع مستوى دخل الفرد في هذه الدول أغرى كثيراً من كفاءاتنا العلمية للتوجه الى هناك للاستقرار وعيش حياة كريمة تمكنهم من تحقيق ذواتهم وما ينشدونه. أضف الى ذلك قوة البنية التحتية واستكمال مشروعات التنمية الشاملة في دول الشمال فتحت آفاقاً واسعة أمام الكفاءات والعقول للارتقاء بمستوى التحصيل والإبداع العلمي المرتبط بالتقدم العلمي والأكاديمي والتكنولوجي، وامكانيات البحث العلمي أفرز انعكاساته على كفاءاتنا أفضى الى أن تجد هذه الكفاءات ملاذاً آمناً لها في دول الغرب المتقدمة، حيث شكل العرب المهاجرون 31 ٪ من مجمل أبناء العالم الثالث الذي يستقرون نهائياً في الولاياتالمتحدةالأمريكية، ويوجد أكثر من مليون من حملة شهادة الدكتوراه لعرب استقروا في الدول الغربية، يشكل العقل اليمني طيفاً منهم. آثار الآثار المترتبة على هجرة العقول الى الدول المتقدمة تظل السلبية منها الأكثر عمقاً على واقع المجتمعات من منظور شامل سواءً فيما يتعلق بالتكلفة التاريخية والاجتماعية والحضارية والمؤسساتية والمالية بداية من العودة الضئيلة لهؤلاء الذين ذهبوا للدراسة في الخارج الى ما باتت عليه المؤسسات في اعتمادها على الخبرة الاجنبية بدلاً من الاستعانة بخبرة أبنائها القاطنين في دول المهجر، نورد بعضاً من هذه الآثار بشقيها السلبي والايجابي. خسارة وحرمان وصلت خسائر الدول العربية من جراء هجرة العقول العربية إلى حوالي مئتي بليون دولار وفق تقرير منظمة العمل العربية لعام 2006 . وتشير إحصاءات تقرير رسمي يمني حديث الى ان الخسائر التي تتكبدها الدولة جراء هجرة العقول اليمنية بلغت بنحو 5 مليارات ريال سنويا. لتصبح هجرة الكفاءات من أهم العوامل المؤثرة على الاقتصاد الوطني في وقت تحتاج فيه التنمية لمثل هذه العقول في مجالات الاقتصاد والتعليم والصحة والتخطيط والبحث العلمي، لذلك تُحدث عملية هجرة العقول تدميراً جزئياً للموارد بشقيها المالي والبشري، وبالتالي مزيداً من الضرر للدول المصدرة لهذه الكفاءات بدءاً من الفاقد في الاستثمار وفي التعليم وانتهاءً بإضعاف القدرة الذاتية للمجتمع على القيادة والإدارة، ومروراً بإضعاف قوى التنمية في المجتمع. تأمين العملة الصعبة يقول لسان حال عدد من الأسر أن البقاء الاقتصادي وما يتطلب توفره من حياة كريمة ورخاء اجتماعي لهم يعتمد على وجود أفراد منها في المهجر من أجل العملات الصعبة ذات القيمة التي يحولونها والتي تترجم الى دخول مريحة وتعتمد عليهم في تحويل عملات أجنبية تساعدهم على الاستمرار في حياة جيدة، حيث أوردت إدارة السياسات السكانية والهجرة للأمانة العامة لجامعة الدول العربية ان التحويلات المالية للمهاجرين العرب تلعب دورا رئيسيا في تعويض الاستثمارات والمساعدات الخارجية التي شهدت تراجعا قويا وبلغت تلك التحويلات عبر القنوات الرسمية حوالي 5 .35 مليار دولار أمريكي عام 2010م بزيادة نحو ملياري دولار عن العام الذي سبقه، وكشفت الحكومة أن إجمالي تحويلات المغتربين في بلدان المهجر بشكل عام وعلى اختلاف اعمالهم يتجاوز أربعة مليارات دولار سنويا ساهمت بشكل فعال في الاستقرار المعيشي والحفاظ على العملة المحلية ودعم التنمية وتحسين الأوضاع الاقتصادية. ويرى بعض مختصي التنمية الاقتصادية والاجتماعية أن غالبية المهاجرين هم من الشباب المتعطل عن العمل ونتج عن هجرتهم تخفيف الضغط على سوق العمل واستخدام افضل للموارد الانتاجية مما رفع من الانتاجية الحدية للعمالة وخفف العبء ولو بشكل نسبي ضئيل من عب البطالة على المجتمع. هل هناك ضرورة للعودة؟! يرى عدد من المهتمين بهذا الشأن أن ظاهرة هجرة العقول البشرية أصبحت ظاهرة واقعية تحدث كل يوم ومن الصعب خاصة في الوقت الحالي كبح جماحها، فالعولمة وكل مفاهيمها أسهمت بشكل كبير في تعقيد بعض الظواهر الإنسانية صاحبها تغيرات هامة في الاقتصاد وفي انفتاح وخروج ملكية المشروعات إلى ما بعد الحدود الوطنية والإقليمية، بالإضافة للكثافة التكنولوجية والمعرفية لذلك يكون من الأفضل العمل على الاستفادة منها بدلا من المطالبة بعودتها إلى أوطانها. وتؤكد كثير من مخرجات المؤتمرات المعنية أن الجهود المتعددة لإعادة الكفاءات العلمية لا بد أن تبدأ في الأساس من تغيير البنية الأساسية الفكرية وتطويرها حتى تكون بيئة علمية صالحة لجذب العقول الفكرية المهاجرة إلى بلادها من أجل الاستفادة من مهاراتهم وعقولهم فخر صناعتها الوطنية من خلال توفير الاجواء المناسبة لهذه الكفاءات، وفي المجمل العام يتحتم على الدول العربية أن تعمل جاهدة لتصحيح المسارات من خلال العمل على خلق الاستقرار السياسي والأمني و ازالة الاسباب والمؤثرات التي أدت لهجرة الكفاءات من أوطانها عبر سلسلة من الاستراتيجيات والإجراءات المنظمة التي تكفل الاستفادة من مخرجات الكفاءات المهاجرة بما يخدم التنمية الشاملة.