نستعين بالهزيمة لننتصر؛ لأننا كلما انتصرنا انهزمنا، وكلما انهزمنا أدركنا أن النصر قريب مثل نبع ماء نرى تدفُّقه بينما عينه لا تزال بعيدة لكنها حتماً موجودة. كل الأدلّة تشي بوجودها، عين الماء، نصرنا المرتقب، أو هزيمتنا التي تتحيّن الوقت المناسب لتوقع بنا، حينها نقف مدركين أن علينا ألا نقف، نتقدّم فنسمع وقع أقدامنا وندرك أننا لانزال نتقدّم، نتلمّس الطريق فنستعين بالحصى وهي تتكسّر لنعلم الدرب، ويعلمنا الدرب كيف تتلو الخطوة خطوة، وكيف تسبق النظرة نظرة، وكيف ننصط فلا نسمع شيئاً لندرك أننا قد سمعنا كل شيء. ننصط لنبض قلوبنا فإذا به رتيب، منتظم، حتى إذا ما تلعثمت الدقات وتغيّر تخطيط القلب شعرنا بالذعر وركضنا باحثين عن الدواء, لنعيده إلى موته المدروس، نخاف من تمرُّد نبضنا، وهو لا يتمرّد إلا باسم الحرية، باسم الحب، باسم الانطلاق والفرح، باسم الأشياء العظيمة الفارعة، يتسارع النبض عندما تركض، ويتسارع عندما تشرق على قلبك لحظة مختلفة، ويتسارع كلما ذكرت محبوباً أو تراءى لك أنك تودّع محبوباً.. ويتسارع أو يتباطأ أو يرفض أن ينبض عندما تقبل على حياة جديدة لا تعرف الموت. هنا سنقول أشياءً مختلفة؛ لأننا سئمنا الأشياء التي عرفها كل الناس, وكرّرها الكثير من الناس, وصارت لا تملك أن ترفعنا بل ربما تخفّضنا بسكونها وأسنها واعتياديتها، سنقول ما يرفض أن يسمعه البعض وما يتمنّى أن يسمعه البعض وما يكره أن يسمعه البعض وما يحب أن يسمعه البعض، وسنكون صوتنا الذي طالما اخترقنا قلبه بسكينة رتابتنا، وروحنا التي طالما أثقلنا كاهلها بطين تعودنا، وشجاعتنا التي طالما فقدنا ثقتها بتخاذلنا وخوفنا. هنا أحب أن أعود إليكم حاملة عصاي التي اتكئ عليها وأهش بها على غنمي، فينفلق لنا بحر الأفكار ونشق طريق اللا عودة، أو نمضي في طريق العودة إلينا مثلما كنا قبل أن نصبح كغيرنا لا نعرفنا ولا ندرك كيف كنا وكيف علينا أن نكون. سعيدة بالتواصل معكم عبر هذه السطور، سعادة امرأة قروية تحكي الحكايا لصغارها على ضوء مصباح يرتجف؛ ينامون فتطفئ الضوء وتغفو مبتسمة قبل أن تحلم.