حوارنا اليوم مع الباحث الدكتور محمد جميح و هو كاتب وباحث يمني يقيم في ليفربول-لندن - بريطانيا.. كاتب ومحرر سياسي في صحيفة الشرق الأوسط اللندنية-لندن.. عضو المعهد الوطني البريطاني للتربية والتعليم ، يعمل ويكتب في جريدة الشرق الأوسط اللندنية.. يكتب في عدد من الصحف والمجلات العربية في بريطانيا والوطن العربي. كيف تنظرون إلى مستقبل الإسلام السياسي .. خصوصاً بعد ثورات الربيع العربي؟ الإسلام السياسي هو الترجمة العربية للمصطلح الإنجليزي political Islam وهو في أصل وضعه في اللغة الإنجليزية وغيرها من لغات الغرب، يشير إلى أدلجة الإسلام، أو تحويل الإسلام بما هو دين إلى إديولوجيا سياسية، ونحن ترجمنا المصطلح كما هو، وراج في وسائل إعلامنا بالمفهوم ذاته تقريباً، ليعني “الحركات الإسلامية” التي انتهجت العمل السياسي، تمييزاً لها عن غيرها من الحركات الإسلامية التي ركزت على الجوانب الروحية والتربوية في الحياة. وأما عن مستقبل الإسلام السياسي، بعد ثورات الربيع العربي، فإن أمامه واحداً من طريقين، إما أن يقوم بعملية إصلاح ذاتي، أو أن ينكمش دوره في المستقبل. وعملية الإصلاح التي نتحدث عنها تحتم على الحركات الإسلامية مراجعة رؤيتها لكل من الدين والسياسة، ودور وأدوات ووسائل ومقاصد كل منهما. وأعتقد أن الاحتمال الأول هو الأقرب إلى التحقق، لوجود بوادر تنم عن عمليات مراجعة صامتة تتم داخل الأطر التنظيمية لهذه الحركات في اليمن وخارجها، ولو على نطاق ضيق. هذه المراجعة ستحتم على هذه الحركات طرح الشعار جانباً، وتقديم برامج غير ملتبسة بالشعارات الدينية التي كانت سائدة ضمن فترة من الفترات فيما مضى. وبالطبع فإن القول بذلك لا يعني تراجع الدين القيم الدينية في المجتمع، بقدر ما يعني تراجع الشعارات الاستهلاكية التي وضعت لجلب المصلحة السياسية لأطراف بعينها. تراجع الشعارات الإديولوجية سيتيح الفرصة أمام العمل وفقاً لبرامج خدمية بعيداً عن الشعار الفضفاض، وخدمة الناس هي جوهر المعاملات في الإسلام. وفي الوقت الذي يبدو أن هناك مراجعات داخل حركات إسلامية بعينها إزاء مزج الدين بالإديولوجيا السياسية، فإن تنظيمات جديدة-كالحوثيين- قد جاؤوا متأخرين دون أن يتعلموا من تجارب من سبقهم، وهم يسيرون وفقاً لسياسة “مزج الديني«التاريخي بالسياسي»المعاصر، ويستدعون قدراً غير قليل من صراعات التاريخ، ومصطلحات دينية مثل “أهل البيت، والإمامة، والحسين، وغير ذلك” في سياق التعبئة السياسية والعسكرية لكوادرهم، وسيدركون طال الزمان أم قصر انهم يسيرون في الاتجاه الخطأ، قبل أن يعوا أن الناس قد شبت عن الطوق، وأصبحت تقيس أصحاب كل شعار بما حققوه من نفع على الأرض. لا خوف من القيم الدينية، ولكن الخوف كل الخوف، والشر كل الشر يكمن في جعل الدين وسيلة لتحقيق الأهداف السياسية. بالطبع كل ذلك لن يكون إلا إذا تمت تلك المراجعات الفكرية لدى فقهاء الفكر السياسي الإسلامي، والتي يمكن أن تجعل هذه الحركات أقرب إلى الناس وكفاحهم اليومي لحياة أفضل، وهذا هو الذي تخلص النصوص الدينية إلى أنه جوهر الدين القائم على المعاملات بين الناس، أليس “الدين المعاملة؟! . ينبغي لأحزاب السياسية الإسلامية تمييز بين ما هو ثابت وما هو متحول، ما هو غيات سامية وقيم دائمة، وما هو وسائل متغيرة وأدوات آنية لكي تستطيع التوفيق بين الأصيل والمعاصر بين الزمني والزماني. خلاصة القول هنا، أعتقد أن الحركات الإسلامية، ستصل إلى ضرورة العمل ضمن برامج عمل سياسية، تضع في اعتبارها الحياة المعيشية للناس وما تتطلبه هذه الحياة من خدمات هي في واقع الأمر مناط الأمر وعمود الدين الذي جاء ل”مصلحة” الناس، وليس لرفع الشعارات التي لم تلق سبيلها للتنفيذ. وخلاصة الخلاصة، على الحركات الإسلامية إمعان النظر في شكل الدولة المدنية «نسبة إلى المدينةالمنورة»، وكيف صاغ الرسول دستورها الأول بالمساواة في الحقوق والواجبات بين أهل المدينة جميعاً، وكيف كان المجتمع المدني متعدد الأعراق والأديان. .. يقال أن الأيدلوجية دمار شامل حين تحكم .. هل أنت مع هذا الطرح؟ لا بد لكل دولة ناجحة أو سياسة قوية من مشروع كبير توظف كل إمكانات الدولة لأجل تنفيذه، وهذا المشروع ينبغي ان يرتكز على حقائق التاريخ ومعطيات الجغرافيا، ولا بد لهذا المشروع بالطبع من الاتكاء على خلفية معرفية وحضارية تستلهم تاريخ الأمة وتراثها الروحي بكل تأكيد. وفوق هذا فالإسلام ليس إيديولوجيا، هو دين، والأصل في الإديولوجيا “الرؤية الأحادية” بينما الأصل في الدين “التعدد”، إذا ما استثنينا واحدية الإله، ومن الخلل النظرة للدين على أنه إديولوجيا أو بعبارة أخرى من الخطأ “أدلجة الدين”، لسبب بسيط وهو أن الحقل المعرفي والروحي للدين غير هذا الحق لدى الإديولوجيا. أنا لا أريد أن استعمل مصطلح “الإديولوجيا الإسلامية”، ولكن أقول إن بناء دولة قوية حية في اليمن-على سبيل-المثال لا يمكن أن يكون بمعزل عن تراث هذه الدولة الروحي والمعرفي الذي ينبغي أن يكون أساساً في بناء هذه الدولة، مع ترك الأدوات السياسية حرة بما يتماشى مع الزمان والمكان والعصر ومصالح الناس. .. ما هو تقييمك لمؤتمر الحوار الوطني و هل هناك مؤشرات على النجاح؟ أعتقد أن مؤتمر الحوار نجح في الوصول إلى كثير من النتائج الطيبة، ومع ذلك فليس كل ما سيخرج به مؤتمر الحوار جيدا، هناك مقررات ربما تكون سيئة من وجهة نظر هذا الطرف أو ذاك، لكننا ينبغي أن نقبل بأيسر الحلول وأقلها كلفة ، وأكثرها قابلية للتنفيذ حتى ولو لم تكن مثالية. وبالمجمل لو تم تنفيذ ما يتوصل إليه المتحاورون فإن المردود سوف يكون عظيماً لصالح البلاد، العبرة بالتنفيذ والمحك في التطبيق. .. في نظرك ما هي أصعب قضية أمام مؤتمر الحوار؟ القضية الجنوبية في تصوري هي أكثر القضايا تعقيداً على مستوى الحوار، غير أن قضية صعدة ربما تكون أكثر القضايا صعوبة عندما نأتي إلى التنفيذ. وفوق هذا وذاك فإن قضية غياب الدولة هي أصل كل البلاء، وكل القضايا التي طرأت في الجنوب والشمال ليست إلا تجلياً للقضية الأصل، وهي قضية غياب الدولة. .. هل أنت مع ثورة الاجتثاث ؟ نرجو التوضيح ؟ لا أدري ماذا تقصد بالاجتثاث. ولكن إن كنت تقصد اجتثاث عناصر النظام السابق . نعم هذا ما أقصد? .. لا أحد يملك عقلا في البلاد يدعو إلى ذلك. الاجتثاث سيورث سلسلة من “الاجتثاثات” التي لن تنتهي. ومع ذلك فهذه مسألة حسمتها المبادرة الخليجية، وسلمت بها الأطراف المختلفة. وافق الرئيس السابق علي عبدالله صالح على تسليم السلطة، فوفر نصف المشوار، ووافق الشباب والأحزاب المعارضة حينها على مشاركة المؤتمر في الحكومة الانتقالية فوفروا النصف الآخر، وهذا في تصوري كان أفضل الحلول المتاحة، في ظل عدم قدرة أي من الأطراف على حسم الصراع السياسي والميداني لصالحه. .. كيف تنظرون إلى التمديد .. الفترة الانتقالية؟ التمديد في رأيي هو تحصيل حاصل، لا يمكن إجراء الانتخابات في فبراير القادم، والعبرة ليست بالتمديد من عدمه، العبرة في الإنجاز. .. قانون العدالة الانتقالية .. ما تعليقكم عليه .. حول سلبياته .. إيجابياته .. مدى نجاحه .. و هل هناك معوقات ؟ قانون العدالة الانتقالية تداخل فيه السياسي مع الحقوقي، وهذه طبيعة العدالة الانتقالية بالطبع. فالمفهوم يعني ضرورة تحقيق العدالة، ولكن مع مراعاة التوازنات السياسية، وكل الإشكاليات التي تواجه القائمين على صياغة مثل هذه القوانين، تنطلق من منطلق أن هناك ضحية ينبغي أن يحصل على حق عادل، وهناك جناة ينبغي ألا يكونون في منأى عن الحساب، مع مراعاة عدم الإخلال بالسلم الأهلي والتوازن السياسي، وهنا الإشكالية. .. هل أنت مع محاكمة الفاسدين أم مع العزل السياسي؟ أعتقد أن الفاسدين أنفسهم مع العزل السياسي، وليس مع تقديمهم للمحاكمة. .. الثورة .. أين هي ؟ هل سٌرقت .. أم نجحت .. تعليقكم؟ تعتمد الإجابة على ماذا تعني بمفهوم السرقة، وماذا تعني بمفهوم النجاح. نحن وصلنا إلى نصف ثورة ونصف تسوية. .. كيف تنظرون إلى ما يحدث في مصر .. و هل ينعكس ذلك على الواقع المحيط؟ ما يحدث في مصر كان متوقعاً ، وبالطبع ينعكس ذلك بشكل كبير على المحيط الإقليمي، نظراً لحجم مصر ودورها.. والأمل أن يصل الفرقاء هناك إلى نوع من المصالحة، يقتنع فيه الإخوان المسلمون بحقيقة ما حصل، ويقتنع فيه العسكر بخطأ حظر الإخوان، وما ترتب على ذلك من إجراءات. .. ثلاث رسائل .. لمن ترسلها؟ - الرسالة الأولى للرئيس هادي: “لا نريد أن ننجّح الحوار، ونخسر اليمن” - الرسالة الثانية للتجمع اليمني للإصلاح “الإصلاح يحتاج إلى إصلاح” - الرسالة الثالثة لليمنيين “المولود يستحق آلام المخاض”