استغرب الدكتور. عبدالعزيز سلطان المعمري، الاضطراب والتردد الحاصل لدى بعض عناصر تنظيم الضباط الأحرار، في عدم الإفصاح عن مكانة ودور الشهيد الملازم علي عبدالمغني في عملية تشكيل الخلايا السرية الأولى للضباط الأحرار، وفي الدعوة لتأسيس تنظيمهم السري المستقل. ويشير في كتابه “مستوى توثيق ثورة26سبتمبر” إلى أنه رغم وجود تخوف عن قول الحقيقة لتحديد القائد والمنسق العام للتنظيم عشية إعداد خطة الثورة وتنفيذها، إلا أن المتعمق في قراءاته والمقارن بين الآراء والشهادات الواردة فيما كتب ووثق عن ثورة سبتمبر سيستطيع معرفة وتحديد مكانة ودور الشهيد الملازم علي عبدالمغني في وضع اللبنات الأولى لخلايا الضباط الأحرار السرية وبناء التنظيم لاحقاً وفي قيادة الأنشطة السياسية والتنظيمية والعسكرية من أجل إسقاط الحكم الملكي وإيجاد البديل الوطني الثوري. ويجزم المعمري أن البداية الفعلية لتشكل الخلايا السرية للضباط الأحرار كانت بمدينة تعز في أواسط عام 1961م حيث إن الضباط الأحرار بصنعاء لم يبدأوا بتكوين إطارهم التنظيمي إلا في أواخر شهر ديسمبر 1961م، وحيث جاء في وثيقتهم التاريخية “أسرار ووثائق الثورة اليمنية” وفي ديسمبر 1961م، وقع الاجتماع الحاسم في منزل الملازم عبدالله المؤيد، وحضره الضباط أولهم الملازم عبدالكريم السكري وآخرهم الملازم حمود بيدر..، وعددهم (15)ضابطاً”، دونما إشارة إلى الملازم علي عبدالمغني، كونه كما جاء في الوثيقة المذكورة “بأن الشهيد علي عبدالمغني والشهيد محمد مطهر زيد، كانا في تعز”آنذاك مما دعاهم إلى استحسان بقائهما هناك لتكوين فرع للتنظيم في تعز ، وفي تقديري يحتوي هذا القرار اعترافاً ضمنياً بدور سابق في هذا الإطار للشهيدين علي عبدالمغني ومحمد مطهر زيد وبقدراتهما السياسية والتنظيمية في تشكيل فرع للتنظيم المزمع إنشاؤه، ومن أجل قيام هذا التنظيم تقول الوثيقة التاريخية “أسرار ووثائق الثورة اليمنية”! “ثم عقد ثلاثة اجتماعات متتالية عقب اجتماع ديسمبر 61م استغرق كل اجتماع ما يقرب من ست ساعات متواصلة، تمخض عنها اتفاق الجميع على أن تكلف اللجنة القيادية المنتخبة من قبل القاعدة التأسيسية المشكلة في اجتماع الضباط الأحرار “ديسمبر 1961م” يوضع الصيغة النهائية لكل هذه التصورات في شكل أهداف للتنظيم المزمع قيامه”... ومن هذا النص واضح جداً أن زملاء الشهيد في صنعاء حتى الأيام الأولى من عام 1962م، كانوا عبارة عن مجموعة ضباط يشكلون وضعاً تنظيمياً سرياً واحداً هو ما عرف “بالقاعدة التأسيسية” التي انتخبت “لجنة قيادية من خمسة أعضاء” وأقرت تكليف أعضاء القاعدة التأسيسية بمهمة الإعداد لتشكيل خلايا أساسية، وقيام الخلايا الأساسية بتشكيل خلايا فرعية مشيراً إلى أنه في مكان آخر تقول الوثيقة بأن “اللجنة القيادية” في اجتماعها يوم 17 رجب سنة 1382ه فقط ناقشت الوضع بمدينة تعز وأقرت “ الإسراع في تشكيل فرع للتنظيم في تعز” في حين تؤكد العديد من الكتب والكتابات والشهادات الموثقة للعديد من الضباط الأحرار الحاضرين اجتماع“ ديسمبر1961م”، وغيرهم ممن عاصروا البدايات الأولى لتنظيمات الحركة الوطنية بما في ذلك تنظيم الضباط الأحرار، وتتفق حول أن الضباط الأحرار في تعز سبقوا زملاءهم في صنعاء بأشهر عدة وشكلوا لأنفسهم وضعاً تنظيمياً سرياً هناك..، في هذا السياق تأتي شهادة الفقيد ناجي علي الأشول ، المناضل السبمتبري والكاتب المتخصص حيث يقول: “في ديسمبر 1961م، تم إنشاء تنظيم الضباط الأحرار رسيماً..، أما بالنسبة للجماعات الأولى التي دعت إليه فلا شك أنه الشهيد علي عبدالمغني هو أول من تبنى هذه الفكرة” ومعه يؤكد كل من المقدم علي عنقاد، والمقدم محسن جياش حقيقة أن مدينة تعز وضباطها كانوا السباقين في تشكيل الخلايا السرية للضباط الأحرار بقولهما: “في المرحلة الأولى بدأ تنظيم الخلايا السرية في كل من تعز، والحديدة، وصنعاء، وعندما تم “ إنشاء التنظيم عهد إلى الشهيد علي عبدالمغني ومحمد مطهر، بأن ينشئا تنظيماً مرتبطاً بتنظيم صنعاء، على أساس أن ينجز تنظيم تعز الثورة”، يومها كان الشهيد علي عبدالمغني، على رأس قيادة الفرع يقود الاتصالات وينظم التنسيقات مع الثوار هناك وعلى رأسهم القاضي عبد الرحمن الإرياني وعبد الغني مطهر للإعداد والتهيئة للثورة، كونه يحظى بثقة معظم الضباط الذين يتولون فعلاً المواقع القيادية في الجيش سواء في صنعاء أو في تعز ولأنه يتمتع بقدرات سياسية وفكرية وتنظيمية، فقد نال شرف السبق في التفكير والتخطيط لثورة 26 سبتمبر المجيدة عام 1962م، ومن ثم السبق في تكوين تنظيم الضباط الأحرار”.. هكذا تقول شهادات الضباط الأحرار من أعضاء التنظيم عن دور ومكانة الشهيد علي عبدالمغني ومدينة تعز وسبقهما في وضع بداية العمل السري المنظم للضباط الأحرار، وفي الإعداد للثورة، ويوافقهم آخرون من خارج التنظيم. ويشرح المعمري أنه وعلى الرغم من الملاحظات السلبية على البيضاني، وكتاباته، إلا أنه لا يجافي الحقيقة حين قال:” كان الضباط الأحرار في مجموعة تعز ينتظرون التأكد من تجاوب مجموعتي صنعاء والحديدة عند قيامهم بالثورة في تعز” لكن بموت الإمام انتقل الدور الرئيسي في الثورة.. إلى مجموعة صنعاء، التي كان للزميل علي عبد المغني وزملاؤه الأبطال في صنعاء..، شرف تسجيل الصفحة الذهبية الأولى من صفحات التاريخ اليمني”..، عقب انتقال الشهيد إلى صنعاء ومواصلة قيادة الاتصالات والتنسيق بين تنظيمه وعناصر التنظيمات السياسية المدنية الأخرى استعداداً للقيام بالثورة، ذلك ما يعترف به معظم زملاء الشهيد علي عبد المغني من الضباط الأحرار وتؤيدهم الوثيقة التاريخية بقولها : وفي أواخر شهر صفر 1382م هجرية عقدت القاعدة التأسيسية اجتماعاً طارئاً..، اتخذت فيه قراراً بتشكيل لجنة من خمسة أعضاء برئاسة الشهيد علي عبدالمغني “لإجراء الحوار مع جماعة الأحرار”، وفي مكان آخر تقول الوثيقة “ تم تكليف الأخ الشهيد الملازم علي عبد المغني بالاتصال بالقائم بأعمال السفارة المصرية وإبلاغه بما تمت الموافقة عليه..، وقد قام الأخ الشهيد علي عبدالمغني بالمهمة وطلب من القائم بالأعمال الحصول على رد من القاهرة في أقرب وقت”، ولم يؤثر انشغاله بالاتصالات والتنسيقات مع التنظيمات الأخرى على قدرته في قيادة تنظيمه حيث نجد الشهيد “ليلة سبتمبر عندما تم انطلاق أعضاء تنظيم الضباط الأحرار مع أسلحتهم ومعداتهم للقيام بالثورة كان هناك داخل مبنى الكلية الحربية الذي كان مقراً لقيادة الثورة”. ويضيف العقيد محمود المنقذ، كان يتفجر حيوية وحماساً وكان دائماً السباق إلى أي عمل بناء من شأنه التضحية والفداء لهذا الوطن”..، ولأن الشهيد كذلك فقد نال احترام وتقدير زملائه الضباط الأحرار خارج التنظيم وداخله مما أهله للفوز بالمراتب الأولى في انتخابات القاعدة التأسيسية التي جرت، ووفقاً لشهادة الوثيقة التاريخية للضباط الأحرار على التوالي: الاجتماع الثاني في “5 شوال 1381ه “ والثالث “ في 5 محرم 1382ه” والرابع “ في 5 ربيع أول 1382ه” ولم يكن هذا صدفة، بل نتيجة طبيعة للقدرات السياسية والفكرية والتنظيمية عند الشهيد في التنظيم ودوره الريادي في تأسيسه وتمتعه الدائم باحترام وتقدير زملائه الضباط الأحرار داخل وخارج التنظيم، فقد كان كما يشهد زملاؤه “يحظى بثقة معظم الضباط الأحرار الذين يتولون فعلاً قيادة المواقع القيادية في الجيش سواء في صنعاء أو تعز” و مقدمهم أعضاء القاعدة التأسيسية الذين أعطوه معظم أصواتهم، بحيث جاء بالمرتبة الثانية في الاجتماعين “الثاني والثالث”، وبالمرتبة الأولى في الاجتماع الرابع والأخير للقاعدة التأسيسية الموثقة نتائجها في الوثيقة التاريخية للضباط الأحرار “أسرار ووثائق الثورة اليمنية” صفحات (73.72.71). ويؤكد المعمري استعداد حيازة الشهيد علي عبدالمغني على ثقة التنظيم وهيئاته القيادية، والتي انعكست في اختيار وتكليف اللجنة القيادية “الدائمين” له القيادة حوارات واتصالات التنظيم مع ممثلي التنظيمات الوطنية المدنية، ومع السفارة والقيادة المصرية. معززاً الطرح السابق بقول العميد حسين الرفقي أحد المساهمين في إيجاد التنظيم، ومن أبرز ضباط الثورة “بدأ التنسيق مع المجاميع المدنية الوطنية في الداخل من شباب ومثقفين ومشائخ وعلماء وعسكريين، واستمر الاتصال سواء بتلك الفئات في مرحلة الإعداد للثورة من قبل بعض الضباط الذين تم اختيارهم من قبل التنظيم وفي مقدمتهم الشهيد علي عبدالمغني والشهيد محمد مطهر، أو في علاقات واتصالات التنظيم بالقيادة المصرية ممثلة بالزعيم جمال عبدالناصر، عن طريق سفير مصر بصنعاء بهدف ضمان دعم الثورة اليمنية في حالة قيامها”، ليس هذا فحسب، بل وكما تؤكد وثيقة الضباط الأحرار نجد الشهيد في مقر القيادة ليلة تفجير الثورة، وكان الشهيد علي عبدالمغني مع الرئيس عبداللطيف ضيف الله، الضابطين الممثلين للتنظيم في مجلس قيادة الثورة “الثاني”، المكون من عشرة أفراد” في اليوم الثاني للثورة..، ولا يستطيع أحد أن ينكر حقيقة أن الشهيد الملازم علي عبدالمغني، قد وضع بخط يده البيان الأول لإعلان الثورة المنتصرة، بكونه كما جاء في شهادة المقدمين علي عنقاد، ومحسن جياش، “هو عقل الثورة ومفكرها الأول”، ويتميز أكثر من غيره ب “نضج وعيه وتوهج فكره وتوقد ثوريته ووطنيته ورسوخ إيمانه المطلق بحتمية التغيير” مما دفع به إلى القول: “... إنه إذا لم يوافق الضباط الكبار على الاشتراك في الثورة فسوف يضطر الضباط الأحرار للقيام بالثورة بقيادة ملازم”. ويصل الدكتور عبدالعزيز المعمري إلى أنه وفي ضوء المعطيات السالفة الذكر والمقارنة لشهادات العديد من الضباط الأحرار والشخصيات المدنية والسياسية اليمنية وغير اليمنية، ودونما رغبة في التجني على أحد أو الانتقاص من إسهامات أحد أو هذه الشخصية أو تلك في تأسيس التنظيم والمساهمة في قيادة نشاطه السياسي والتنظيمي والعسكري المكرس للإعداد والتحضير للقيام بالثورة السبتمبرية تم التوصل إلى أهم الاستنتاجات الممثلة في أن مدينة تعز كانت المحطة الأولى في تاريخ تشكيل خلايا الضباط الأحرار السرية العسكرية ثم أعقب ذلك مبادرة الضباط الأحرار بصنعاء تشكيل “منظمة الضباط الأحرار في نهاية ديسمبر 1961م” التي أقرت بناءً على مقترح وخطة الضباط الأحرار بتعز مسألة القيام بالثورة في يوم 23 يوليو 62م، وأوكلت مهمة التنفيذ لفرع التنظيم هناك بقيادة الملازم علي عبدالمغني آنذاك. كان الشهيد علي عبدالمغني هو المتبني والداعية الأول لتكوين تنظيم الضباط الأحرار، وصاحب فكرة الثورة وعقلها المفكر. المميزات الإيجابية للشهيد وتمتعه بقدرات سياسية وعسكرية وفكرية وتنظيمية مكنته من كسب احترام وتقدير زملائه من الضباط الأحرار داخل التنظيم، حيث كان ترتيبه الأول في آخر انتخاب “هو الرابع” للقاعدة التأسيسية قبل القيام بالثورة مما أهله لرئاسة اللجنة القيادية للتنظيم التي كانت بمثابة مجلس قيادة للثورة عشية القيام بها. هناك حقيقة ثابتة وموثقة في كتاب “أسرار ووثائق الثورة اليمنية” تشهد بأن البيان الأول لإعلان الثورة قد وضعه الشهيد الملازم علي عبدالمغني وخطه بيده غداة الحدث العظيم في بلادنا. المعرفة بإمكانات وقدرات الشهيد الفكرية والسياسية والتنظيمية التي يؤكدها الكثير والكثير جداً من الضباط الأحرار من داخل التنظيم وخارجه والمقارنة بالأفكار والأطروحات السياسية الواردة في رسالة الشهيد الموجهة للزعيم الراحل جمال عبدالناصر، وبمضامين البيانات الصادرة عن قيادة التنظيم والثورة عشية وصبيحة الثورة سيجد نفس وبصمات الشهيد الملازم علي عبدالمغني واضحة للعيان وهو ما يدعو للاعتقاد بحقيقة أن الشهيد كان يومها القائد الفعلي للتنظيم ومنسقه العام حتى خروجه على رأس حملة عسكرية لمطاردة بقايا أفراد ومرتزقة النظام الملكي المباد، واستشهاده فيها تاركاً خلفه الانتصار والحدث العظيمين اللذين بهما صنع اليمن مجده