خمسة أطفال عراقيين من ستة يتعرضون للعنف المنزلي، بسبب استشراء البطالة، وتمسك الأهالي بإرث اجتماعي يجيز لهم ضرب أولادهم، بالاضافة إلى سوء العلاقات الأسرية التي تترك الطفل وحيدًا لمصير مظلم. بغداد: تشير دراسة لمركز حقوق الإنسان والتطوير المدني في بابل إلى ارتفاع نسبة تعرض الأطفال للعنف بنسبة 60 بالمئة في السنوات الاخيرة. وبحسب رضا العزاوي، مدير المركز، فإن حوالى 55 بالمئة من الوالدين أكدوا أنهم استخدموا العنف بصورة أكثر مع أولادهم بعد العام 2003 بسبب الظروف الاقتصادية والأمنية. وتشير التخمينات إلى وجود نحو 16 مليون طفل ويافع في العراق. خمسة اطفال من اصل ستة بحسب المشاهدات والحوادث اليومية، أكثر ممارسات الاعتداء التي تمارس بحق الاطفال هي حالات العنف الأسري، التي تشيع في المجتمع العراقي ولا يمكن حصرها في احصائية، بسبب غياب المؤسسات الاجتماعية التي تتخصص في الوقوف على حجم الظاهرة ومعالجتها. وظاهرة عنف الاطفال، لا تسود العراق فحسب، بل تعاني منها كل الدول الغربية والعربية. لكن الفارق في العراق هو غياب نسبي للمؤسسات التي تهتم برعاية الاطفال المعنفين. أحد هؤلاء الاطفال المعنّفين، واسمه سرمد حسن، ذهب ضحية تعاطي والده المخدرات، ما تسبب في ضربه بقسوة اضطر معها إلى ترك البيت، حيث تلقفته احدى دور الرعاية الاجتماعية. وكشفَ تقرير صادر عن وزارة العمل والشؤون الاجتماعية أن نسبة الاطفال العراقيين الذين يتعرضون للعنف الاسري تبلغ خمسة اطفال من اصل ستة في عموم البلاد، وغالبًا ما يكون الاطفال ضحية الاباء المصابين بأمراض نفسية، وبينهم الفتى ميسم صاحب، الذي اضطر إلى الابتعاد عن والده بسبب اصابته بكآبة حادة بعد وفاة زوجته، جعلت منه عدائيًا تجاه ابنه. يقول ميسم: "اضطررت بسبب ذلك إلى اللجوء إلى بيت عمي حيث اعيش اليوم بعيدًا عن ابي، بالرغم من أنني احبه وأشفق عليه، لا استطيع العيش معه لأنه هددني بالقتل اكثر من مرة". سلوكيات القهر لفتت حادثة سقوط الطفل العراقي سجاد، الذي لا يتجاوز السابعة في إحدى مدارس الديوانية مغشيًا عليه، وانكشاف امر الكدمات وآثار الحروق في جسده، الانتباه إلى حجم العنف المستخدم ضد الاطفال العراقيين، إذ تبين أن الطفل تعرض للعنف من والده، الذي كان يريد قتله إرضاءً لزوجته الثانية. وبحسب الدكتور أمير فاضل، رئيس الاطباء في مستشفى عفك بمحافظة الديوانية، أفاد الطفل بأنه يتيم الأم، ووالده اعتدى عليه عبر الضرب المبرح والعض والكي. يرى حاتم عبد الله، الاكاديمي في علم الاجتماع، أن هذه الحادثة تلقي الضوء على الآلاف من حوادث عنف الاطفال التي تحدث سنويًا، وتمثل في مجملها سلوكيات عدائية قهرية، تتخذ اشكالًا عديدة، منها استعمال القوة المادية بحق الطفل، والإيذاء الجسدي، والاعتداء الجنسي، إلى جانب الإساءة النفسية، كإهمال الاسرة للطفل وتركه وحيدًا أمام الصعوبات. وبحسب عبدالله، هناك حالات عنف شديدة الخطورة يحتاج فيها الطفل الضحية إلى المساعدة لكنه لا يجدها، "إحداها حالة الطفل زكي عمران، الذي أجبره والده على ترك المدرسة والعمل في أحد مرائب تصليح السيارات، حيث اصيب في رأسه اثناء العمل، بعد شجار مع فني آخر، فقد جراء ذلك قدرته على التركيز والتفكير السوي، وبسبب عدم توفر العلاج وسوء الاهمال، تحول الطفل إلى انسان مشرّد في الشوارع، بعدما اصيب بلوثة عقلية". الباحث الاجتماعي غائب يتحدث ضابط الشرطة عصام علوان عن تعرض فتاة (15 سنة ) في العام 2011، للاغتصاب من قبل والدها المدمن على الخمر والمخدرات، بحسب اعترافاته إلى الجهات المختصة. كما تروي رحيمة سجاد، التي تدير مركزًا لرعاية الطفل في بغداد، اكثر الحالات مأساوية التي عايشتها في هذا الصدد، وهي الاعتداءات الجنسية المتكررة التي يتعرض لها اطفال صغار. تقول: "أجبر الطفل حليم كامل على ممارسة الجنس مع شخص في الخمسين من العمر، فبعدما تركته اسرته، عمل في الكراجات وأدمن المخدرات، وكانت النتيجة هتك عرض الطفل من قبل صاحب كراج". وتعتقد سجاد أن ثقافة احترام خصوصية الجسد غائبة لدى الكثير من الأسر، وأن أجساد اطفال العراق معرّضة للضرر في أي لحظة من قبل افراد الاسرة نفسها. تضيف: "لم يكتف والد الطفل رسول سلمان (9 سنوات) بتأنيبه وشتمه في كل مرة، بل ضربه على ظهره عدة مرات بالنعال، لتبدو اثار الضرب بألوان زرقاء وحمراء مطبوعة على ظهره، حيث تبين التقارير الطبية أن الطفل اصيب جراء ذلك باحتقان في الدم، اضافة إلى ما يعانيه اليوم من حالة نفسية سيئة بسبب حبسه المستمر في غرف مظلمة". تنمية المهارات بحسب سجاد، تحتاج الاسرة العراقية إلى باحث اجتماعي مثلما تحتاج إلى طبيب، "وهو ما لم يتحقق في العراق إلى الآن، بالرغم من أن الجامعات العراقية تخرّج مئات دارسي علوم الاجتماع سنويًا". تضيف: "اهم السبل لعلاج المشكلة هو تصويب الثقافة الاسرية وتنمية المهارات الاجتماعية الإيجابية، التي تشجع الوالدين على محاورة الاطفال والاستماع إلى آرائهم ومشاكلهم، وعدم معاملتهم بفوقية وبطريقة فرض الاوامر، وإيجاد الاجواء المناسبة التي تمكّن الطفل من الاختلاط مع اقرانه في تجمعات اجتماعية تمارس نشاطات ثقافية ورياضية مختلفة". كما ترى سجاد أنه من الضروري جدًا تدريب الكبار على كتم غضبهم في اوقات العسر، وعدم تنفيس ذلك بضرب أولادهم. وتقول الباحثة الاجتماعية لمياء فاروق إن الكثير من سلوكيات العنف ضد الاطفال سببها الخلل في العلاقات بين أفراد الأسرة. تضيف: "تلعب البطالة دورًا كبيرًا في تأجيج الكراهية بين الاب وأفراد اسرته، فالعاطل عن العمل يكون في الكثير من الاحيان قاسيًا مع اطفاله، ويحاول أن يفرّغ شحنات القهر عبر ضرب اولاده". وتتابع: "يضاف إلى ذلك كله شيوع الكثير من القيم والسلوكيات الخاطئة المرتبطة بإرث اجتماعي وثقافي متخلف، فما زال الكثير من الاباء يرون في العنف وتخويف الطفل الطريق الامثل للتربية، وجعله ملتزم دينيًا ودراسيًا". خطوط ساخنة يؤكد الدكتور النفسي قاسم رسول، الاستشاري النفسي والاجتماعي، ضرورة انشاء مراكز للشكاوى وخطوط اتصال ساخنة، تمكن الطفل من اللجوء اليها في حالة تعرضه للعنف المفرط. يقول: "بالرغم من أن ذلك صعب التحقيق في مجتمع محافظ، واحتمال فشله وارد، الا أن الضرورة تجعل من انشائه امرًا لابد منه، فهو يقلل من حوادث العنف، اذ يخشى الكبار احتمال لجوء الطفل إلى الخط الساخن للبوح بمعاناته". كما يطالب رسول بضرورة انشاء مراكز جديدة لحماية الطفل تقوم بمتابعته صحيًا ونفسيًا، وملاحقة تنفيذ الانظمة التي تشرّع لمصلحة الطفل. ويدعو رسول إلى تنظيم ونشر البيانات الديموغرافية التي ترصد حوادث العنف ضد الأطفال وتحدَيثها بشكل مستمر.