مرت بالمصريين في الأيام الماضية الذكرى الثانية لتنحي الرئيس السابق حسني مبارك عن الحكم في أعقاب الثورة الشعبية على نظامه، واحتفى كل قطاع من المصريين بها على طريقته، فالإسلاميون احتفلوا بها بمؤتمرات وندوات في المحافظات، وقوى المعارضة اعتبرت الذكرى مناسبة جديدة لمواصلة فعالياتها المطالبة بإسقاط حكم جماعة الإخوان المسلمين، وتحقيق أهداف الثورة في الحرية والعيش والعدالة الاجتماعية، ونظمت لذلك المسيرات والمظاهرات في محيط قصر "الاتحادية" الرئاسي وفي ميدان التحرير والعديد من محافظات الجمهورية، وواصلت جماعة الإخوان بدورها هجومها على تلك الفعاليات المعارضة واعتبرت أنها تمثل انقلاباً على الديمقراطية والإرادة الشعبية، واتهمت أصحاب الدعوات إليها مجدداً بالهروب من الصناديق الانتخابية، واستهداف القضاء على مؤسسات الدولة، فيما كان احتفاء قطاع ليس بالقليل من المصريين بالذكرى بالمقارنة بين حال ما قبل الثورة وأحوال ما بعدها وهي مقارنة لم تكن بطبيعة الحال في مصلحة القوى السياسية على اختلاف توجهاتها . ذكرى التنحي كانت مناسبة أيضاً للتقليب في كشف حساب السبعة أشهر الماضية من حكم الرئيس "الإخواني" محمد مرسي، فهناك من يرى أنها حفلت بالإخفاقات والفشل ونقض الوعود وغياب التحرك السريع لاحتواء المشكلات المختلفة والتخبط في اتخاذ القرارات والتراجع عنها، وهو ما ظهر مبكراً مع رفض الرئيس المنتخب محمد مرسي، أداء القسم أمام المحكمة الدستورية العليا، ثم قراره بعودة مجلس الشعب "البرلمان" المنحل، ومروراً بالأزمة مع النائب العام السابق عبد المجيد محمود، وأزمة الإعلان الدستوري التي رآها البعض محاولة للانفراد بالحكم، ثم وصولاً إلى الاستفتاء على الدستور الجديد واللجوء إلى الطوارئ وحظر التجوال في مواجهة الاحتجاجات التي اندلعت بمدن القناة، وفي المقابل هناك من لا يزال يطالب بمنح الرئيس مرسي الفرصة، ويحمل معارضيه وحدهم المسؤولية عن تصاعد أعمال العنف ورفض الجلوس لطاولة الحوار للتوصل إلى حلول للخروج من المأزق الراهن . بدورها واصلت وسائل إعلام عالمية ومراكز بحثية رصد الحال في مصر، وعلقت مجلة "ويكلي ستاندرد" الأمريكية الشهيرة على الوضع في مصر بعد عامين من إطاحة الرئيس السابق حسني مبارك بالقول إن "مصر نفسها الآن تتعرض للإطاحة بها"، فيما أكدت أن "التوقعات بأن انهيار نظام مبارك ستسفر عنه ولادة خلافة جديدة تديرها جماعة الإخوان المسلمين عالمياً تمتد من شمال إفريقيا إلى الخليج العربي كانت مبالغاً فيها، وأن جماعة الإخوان التي بنت قاعدتها السياسية وانتظرت في الظل منذ تأسيسها عام 1928 حتى وصلت إلى السلطة، تبين أنها غير قادرة حتى على حكم مصر"، كما تبين بحسب المجلة الأمريكية أن "نموذج الإخوان المسلمين تحت رعاية محمد مرسي، ينتج الفقر والجوع وعدم الاستقرار والصراعات الداخلية العنيفة"، ما يعني أن "الفكرة المخيفة التي لا تزال تسيطر على بعض المراقبين الغربيين بأن الإخوان يخططون لامتلاك عقول وقلوب ما يزيد على مليار مسلم لا تنسجم مع الحقيقة" . جبهة جديدة محاولة جديدة لحلحلة المشهد الراهن في مصر جرت خلال الأيام الماضية بعد أن أصبح الوضع في البلاد يتجه إلى مزيد من التصعيد العنيف بين طرفيه: السلطة الحاكمة وجماعة الإخوان المسلمين في جانب وقوى المعارضة في الجانب الآخر، وتمثلت تلك المحاولة في إعلان عدد من السياسيين والمثقفين عن تشكيل جبهة تحت مسمى "الضمير"، قالوا إنها تستهدف إنقاذ البلاد من الأزمة الحالية، وإنها "تسعى لأن تكون ممثلة لكل ألوان الطيف السياسي والثقافي والاجتماعي في هذه المرحلة، وتحمل شعاراً رئيساً هو "ضد الدم وضد العنف"، منطلقة من أن دم المصري على أخيه المصري حرام، واضعة في اعتبارها أن الصراع هو سنة الحياة من أجل تحسين ظروف هذه الحياة" . مؤسسو الجبهة حرصوا على التأكيد أنهم لا يمثلون حزباً أو جماعة ولا يهدفون إلى تشكيل تحالف انتخابي، وإنهم تحركوا "في لحظة صارت معها لغة الدم والعنف تطغى على ما سواها من وسائل وأدوات للحوار والصراع السياسي"، وفي ظل "الاندفاع المحموم من عديد من الأطراف إلى الوصول بالصراع إلى حافة هاوية مخيفة، إن سقطت فيها مصر فلن تخرج منها قبل سنوات وربما عقود"، كما أكدوا أنهم اجتمعوا على هدف الدفاع عن القيم العليا للثورة المصرية، وتوفير البيئة السياسية والمجتمعية لتحقيقها واستكمالها، بسواعد كل المصريين، وأن أولوية عملهم في هذه المرحلة ستكون ل"الحفاظ على الدم المصري والدفاع عنه ضد دعوات إهداره وإراقته في أتون صراع على السلطة يهدد بالإجهاز على عوامل بقاء الأمة المصرية"، مضيفين أن الجبهة "سترفع صوتها ضد كل من يحاول استثمار دماء المصريين طلباً لمكاسب حزبية أو شخصية ضيقة، وستجهر بالمعارضة والاحتجاج في وجه السلطة إذا رأت منها انحرافاً عن أهداف الثورة وخروجاً عن المسار الذي يريده المصريون، وصولاً إلى واقع أفضل ومستقبل أرقى" . بدورها، سارعت جماعة الإخوان المسلمين إلى نفي أي علاقة لها بتشكيل الجبهة، لكن المواقف السابقة لكثير من مؤسسي الضمير، التي بدا منها في غالبيتها أنها تميل لمناصرة الجماعة والرئيس "الإخواني" الدكتور محمد مرسي دفعت سياسيين ونشطاء وقوى سياسية إلى شن هجوم حاد على الجبهة، ووصفها بأنها صناعة "إخوانية"، بهدف شق صفوف المعارضة، بصناعة معارضة بديلة وصفها هؤلاء المهاجمون بأنها "مستأنسة" وموالية للنظام، بهدف إزاحة المعارضة الحالية من المشهد السياسي، ومواجهة جبهة الإنقاذ الوطني والعمل على تفتيتها وإضعافها . لا تنصل الإخوان من الجبهة الوليدة ولا هجوم المعارضة "الفوري" عليها بدا مقنعاً لرجل الشارع العادي، فالأمر بدا أنه مرحلة جديدة في حرب تكسير العظام بين الطرفين، وعندما تبتعد قليلاً عن صخب المعارك الفضائية الدائرة على أشدها بين ممثلي الطرفين في مختلف المحطات التلفزيونية يحدثك رجل الشارع العادي في مصر عن الصراع المحموم بين الجانبين للوصول إلى كرسي الحكم أو الاحتفاظ به مهما كانت الخسائر، التي لا يتحملها سوى المواطنون البسطاء، الذين تزداد معاناتهم المعيشية يوماً بعد الآخر، من دون أمل في أن يقدم أحد طرفي الصراع تنازلاً في مواقفه أو يبدي مرونة للدفع في اتجاه الخروج من المأزق الراهن، حيث ينحصر المشهد في حملات التشكيك والتخوين بين النظام الحاكم ومعارضيه، ولا الأول أصبح قادراً على إقناع عريض من الشعب بسياساته أو قدرته على تحقيق إنجازات على أرض الواقع أو حتى على احتواء معارضيه، ولا الفريق الثاني يقدم بديلاً واضحاً لإقناع هذا القطاع العريض من الناس بالانضمام إليه وتأييده، وتبدو حالة التربص واضحة لأي مراقب محايد للأوضاع في مصر . فالجبهة الوليدة لم تنتظر اكتمال خروجها للحياة وسارعت بالهجوم على جماعات المعارضة واتهامها بالمسؤولية عن تصاعد أعمال العنف في البلاد، وقوى المعارضة لم تنتظر أن تقدم الجبهة الوليدة رؤيتها للخروج من الأزمة السياسية الراهنة للحكم عليها، وسارعت إلى الهجوم عليها من منطلق أن بعضاً من مؤسسيها هم من قيادات جماعة الإخوان المسلمين والبعض الآخر قيادات في أحزاب خرجت من رحم الجماعة، كحزبي الوسط والحضارة، فضلاً عن أعضاء في الجمعية التأسيسية للدستور ومجلس الشورى ومشاركين في الحوار الوطني بين مؤسسة الرئاسة والقوى السياسية، كما انطلق الهجوم مما وصفته قوى المعارضة بتجاهل البيان التأسيسي لتحميل النظام أي مسؤولية عن أحداث العنف الحالية وإخفاق حكومته في وضع سياسات تلبي مطالب المصريين المعيشية، واكتفاء مؤسسي الجبهة بالهجوم على قوى المعارضة واتهامها بعرقلة مسيرة الإنتاج . إخوان ومعارضة في المشهد المصري الراهن بدا أن جماعة الإخوان المسلمين "الحاكمة" في إدارتها للأوضاع في مصر لا تستطيع الخروج من دائرة خبرتها التي تشكلت بالأساس من خلال معايشتها واحتكاكها بسياسات وأدوات النظام السابق، ما انعكس على طريقتها في إدارة شؤون الحكم بعد أن أصبحت في موقع السلطة، وبدا واضحاً أن الجماعة تفتقد الإبداع في تقديم مبادرات لتحسين الوضع المصري، ولو حتى باتباع نموذج إسلامي آخر كما هو الحال في تركيا، وفي المقابل فإن قوى المعارضة هي الأخرى لا تبدو بعيدة عن الدائرة نفسها أو أنها تحاول الفكاك منها، فأغلبية قوى المعارضة المصرية تشكلت خبرتها هي الأخرى بنفس الطريقة التي تشكلت بها خبرة جماعة الإخوان المسلمين، وأجهض الطرفان الإخوان ومعارضوهم فرصة تطوير المشهد السياسي عندما أبعدا القوى الثورية الجديدة عن المشهد وحرصاً على أن تظل القوى القديمة نفسها في صدارة المشهد، على الرغم مما أثبتته هذه القوى الجديدة من قدرة هائلة على الإبداع والابتكار في العمل السياسي وتجاوز كل الأدوات القديمة للسياسيين المصريين، ما كان له دوره الأوقع في نجاح الثورة المصرية في 25 يناير 2011 في إطاحة نظام حسني مبارك . تشريعات استبدادية يتبقى في المشهد المصري أمر يحذر منه القانونيون ونشطاء حقوق الإنسان على وجه الخصوص، ويتمثل في ما يصفونه باتجاه نظام الحكم الحالي إلى إعادة إنتاج بنية تشريعية لقمع الحقوق والحريات، كما كان الحال في النظام السابق، مشيرين في ذلك إلى إعداد وزارة العدل مجموعة من القوانين والتشريعات تمهيداً لإقرارها بمجلس الشورى الذي يضم أغلبية تنتمي لجماعة الإخوان المسلمين والقوى الإسلامية المؤيدة لها، وبينها تشريعات: تداول المعلومات والتظاهر والجمعيات الأهلية وإعداد قانون جديد للبلطجة . مؤكدين أن هذه القوانين تتسم بطابع استبدادي يخالف طموحات القوى السياسية المصرية التي تطلعت إلى عهد الحرية واحترام حقوق الإنسان بعد ثورة يناير، لافتين إلى ما يضمه تشريع كذلك المتعلق بالتظاهر من صلاحيات للمحافظين لتحديد حرم للتظاهرة تجاه عشر جهات منها مجلسا الشعب والشورى ومجلس الوزراء والوزارات والسفارات وأقسام الشرطة تصل إلى خمسمئة متر، موضحين أن إعمال هذا النص من شأنه تجريم أي تظاهر في محيط هذه المؤسسات التي لا يزيد امتداد الشوارع حولها على مائة، فضلاً عما يقرره مشروع القانون من إمكانية استخدام القوة المسلحة في مواجهة المتظاهرين بحكم من محكمة، حيث ينص على وسائل فض المظاهرات من استخدام للغاز والمياه وإطلاق الخرطوش في الهواء، ويقرر حق الدفاع الشرعي عن النفس أو المال للشرطة، وفي حالة طلب استخدام القوة في حالات أخرى يلجأ للمحكمة ما يعني بحسب نشطاء وقانونيين جواز استخدام السلاح ضد المتظاهرين .