GMT 0:00 2013 الخميس 14 فبراير GMT 0:52 2013 الخميس 14 فبراير :آخر تحديث مواضيع ذات صلة السيد يسين كيف يمكن لنا أن نفهم بعمق المشهد السياسي الراهن في مصر بما يزخر به من ظواهر متشابكة تختلط فيه الثورة بالفوضي, وتتصارع الاتجاهات السلمية لمظاهرات الشباب مع النوازع الفوضوية التي تؤدي إلي إراقة الدماء, وحيث تتشابك جبهة الانقاذ الوطني في صراع عنيف مع جماعة الإخوان المسلمين والتيارات السلفية؟ هذا مشهد يعكس ساحة معقدة غاية التعقيد, يختلط فيها العقائدي( الليبرالية الإسلامية) مع السياسي( مشاركة لا مغالبة) مع الأمني( الانفلات الأمني) مع الاقتصادي( تردي الأوضاع الاقتصادية غير المسبوقة) مع الاجتماعي( انهيار مستويات الحياة لدي ملايين المصريين التي توقفت أعمالهم بفعل الثورة والفوضي). ولو حاولت كباحث في العلم الاجتماعي أن أجد تفسيرات موضوعية لما يحدث في الساحة التي يختلط فيها إلقاء الحجارة والمولوتوف علي رجال الأمن مع رد فعل الأمن بإطلاق الغازات المسيلة للدموع, بالإضافة إلي محاولة اقتحام قصر الاتحادية وعديدا من مقار الوزارات ومديريات الأمن, فربما لا تسعفني المناهج التقليدية. ولذلك فكرت في تطبيق منهج معروف في العلم الاجتماعي المعاصر يطلق عليه منهج تحليل الخطاب. وبدون أن أدخل في تفاصيل منهجية حول كيفية تطبيق هذا المنهج أكتفي بالقول أنه يمكن لي أن أعتبر المشهد السياسي الصراعي باعتباره نصا أسعي إلي تفكيكه عن طريق أدوات تحليل الخطاب, ولكنني سأكتفي في هذا المقال الوجيز بأن أذكر أن أحد المبادئ الأساسية لمنهج تحليل الخطاب هو أن المسكوت عنه في النص( أو في ظاهرة الصراع السياسي) قد يكون أبلغ من ظاهر النص. كما إنه يمكن أن يتعمق فهمنا للظاهرة إذا حاولنا أن نعرف ما لم يفكر فيه الفاعلون المتصارعون في المشهد. ويمكن القول إن المسكوت عنه في الصراع السياسي الراهن هو إجماع فصائل الثوار وجبهة الإنقاذ الوطني وما تمثله من أحزاب معارضة علي رفض أن يحكم البلاد فصيل سياسي واحد أيا كان اتجاهه. وتشاء الظروف التي خلقتها المرحلة الانتقالية بمشكلاتها وتعثراتها أن الفصيل السياسي الذي فاز في السباق الانتخابي الشكلي والذي شابته سلبيات متعددة هو جماعة الإخوان المسلمين والسلفيين. ومن ثم انصب الرفض المطلق لحكمهم انطلاقا من المبدأ الذي لم يعلن عن صراحة وهو رفض استئثار أي فصيل سياسي بحكم مصر. بعبارة أخري هو رغبة عميقة في أن يكون حكم البلاد ائتلافيا تشارك فيه كافة الفصائل والأحزاب السياسية, والتي في مقدمتها الائتلافات الثورية التي أحست أن الثورة قد سرقت منها. ولكن كيف يمكن أن يكون الحكم السياسي للبلاد ائتلافيا بصورة دائمة مع أن الأدوات الدستورية المتاحة لا تخرج عن حدود الانتخابات التقليدية, والتي وفقا لقواعد الديموقراطية التمثيلية من يحصل علي الأغلبية ولو بنسبة50+1 من حقه أن يحكم منفردا! هذه هي الإشكالية الكبري التي لم يفكر أي فصيل سياسي أن يتعرض لها مباشرة, ويحاول علي المستوي النظري وباستخدام المنهج المقارن لدراسة أوضاع الدول المختلفة أن يجد حلولا لها. ووقائع الاستفتاءات الدستورية والانتخابات النيابية وانتخابات رئاسة الجمهورية تؤكد عقم أساليب الديموقراطية التمثيلية في التعبير الحقيقي عن الإرادة الشعبية, لأنها أساسا تعتمد علي مؤشرات كمية قاصرة, ولا ترقي إلي مستوي المؤشرات الكيفية المعبرة. ومما يدل علي هزال أدوات الديموقراطية التقليدية أن مشروع الدستور الذي لهثت جماعة الإخوان المسلمين والسلفيين للانتهاء منه وعرضه سريعا علي الاستفتاء بدون أن تتاح للجماهير علي اتساعها مناقشته مناقشة مستفيضة, كان في حد ذاته إجراء غير ديموقراطي! قد يبدو هذا الحكم صادما للكثيرين, ولكن لو تأملنا الواقع الاجتماعي المصري حيث تبلغ نسبة الأمية40% هل يمكن الاطمئنان لمن قالوا نعم لهذا الدستور وهم لم يقرأوه أصلا, وحتي من قالوا نعم من المتعلمين فإن أعدادا غفيرة منهم لم تطلع عليه أصلا! فكيف بالله عليكم الاطمئنان إلي دلالة نسبة ال60% أو ما يقاربها والتي قيل أنها تمثل من قالوا بنعم؟ ولو نظرنا إلي الانتخابات الرئاسية ونتائجها لوجدنا أن الرئيس الدكتور محمد مرسي لم يحصل إلا علي نسبة50% تقريبا ممن صوتوا في حين أن ال50% الباقية ذهبت إلي منافسه أحمد شفيق ولكن طبقا لقواعد الديموقراطية التقليدية الشكلية أعتبر الدكتور مرسي فائزا بفارق عدة آلاف من الأصوات! ومعني ذلك أنه موضوعيا لا يمثل غالبية الشعب المصري.ومن هنا نؤكد أن المسكوت عنه في الصراع السياسي الراهن هو اتجاه أغلبية الشعب إلي رفض استئثار فصيل سياسي واحد أيا كان اتجاهه بحكم البلاد, ولكن بدون تفكير منهجي عن القوالب الدستورية المناسبة لوضع هذا الاتجاه في صورة مؤسسية تضمن له الاستمرار بلا صراعات سياسية عقيمة بين الأطراف المختلفة. وتتنقل الآن إلي فكرتنا الثانية في تحليل خطاب الصراع السياسي الراهن وهي أن ما لم يفكر فيه أطراف الصراع جميعا هو الرفض المطلق لصيغة الديموقراطية التمثيلية التقليدية بسلبياتها التي أشرنا إليها, وتبني صيغة ديموقراطية بديلة, وأكثر قدرة علي تمثيل الإرادة الشعبية.وما لم يفكر فيه أطراف الصراع السياسي- نظرا لانغماسهم في التنافس علي مقاعد السلطة وامتيازات الحكم من ناحية وعجز النخبة السياسية جميعا عن التجدد المعرفي وملاحقة تطورات النظرية الديموقراطية المعاصرة من ناحية أخري- هو ان هناك صورة بازغة من الديموقراطية تحاول بصعوبة بالغة أن تشق طريقها لتحل محل الديموقراطية التقليدية ويطلق عليها ديموقراطية المشاركةparticipatoryDemocracy. وأعترف أن تجارب هذه الديموقراطية الوليدة مازالت في بدايتها وأنها تخضع للتجريب في بلاد متعددة, ولكننا نعتقد أن فتح باب النقاش من حولها ومحاولة إبداع نماذج مصرية لها ضرورة لازمة, لأنها هي وليس غيرها التي ستعبر تعبيرا حقيقيا عن مطامح وآمال شباب ثورة25 يناير والذين ضحت طلائعهم بحياتهم في سبيلها. ما هي هذه المطامح والآمال؟ هي- بكل بساطة- أن يشاركوا في الحكم وتقرير مصير البلاد, لأن الشباب في مصر يمثلون60% من السكان, أي أنهم هم الذن ينبغي أن يرسموا خطوط المستقبل. ولكن كيف والديموقراطية التقليدية لا تتيح لهم إطلاقا ان يصلوا إلي مقاعد مجلس النواب؟لقد فكرت مرة بعد تأمل نتيجة مجلس الشوري الأخيرة والتي لم يقبل علي انتخاباتها إلا نحو10% من الناخبين, أن النتيجة في الواقع كانت استفتاء شعبيا علي رفضه لعدم اقتناع الجماهير به وبدوره مع أن الدستور أناط به للأسف الشديد- مهمة التشريع مع أن أعضاءه غير مؤهلين لهذه المهمة الصعبة. كان رأيي إلغاء مجلس الشوري وتشكيل ما أطلق عليه المجلس الأعلي للتخطيط الاستراتيجي يكون أعضاؤه بالتعيين ويضم ممثلين لعلماء وخبراء مصر في كافة التخصصات, بالإضافة إلي تمثيل جيد ومعبر للائتلافات الثورية ومؤسسات المجتمع المدني والنقابات المهنية والعمالية واتحادات الأدباء وروابط المثقفين وتكون مهمتهم وضع رؤية استراتيجية لمصر, وأعني بذلك وضع سياسات مصر في السنوات العشرين القادمة. اقتراح متواضع نعتبره خطوة في الانتقال الضروري إلي ديموقراطية المشاركة!