مهرجان برلين الدولي للأفلام السينمائية يعرض فيلماً يتيماً واحداً من إنتاج مصر، البلاد التي تعاني من اضطرابات سياسية وإجتماعية تضع صناع السينما أمام تحديات وعراقيل كثيرة. لكن المخرجة المصرية هالة لطفي لم تنجح في مهمتها وحسب، بل تمد يد المساعدة أيضاً لزملائها. في الوقت الذي تحتفل فيه مصر بالذكرى الثانية للثورة الشعبية ضد الرئيس المخلوع حسني مبارك هذا الأسبوع، تكتظ شوارع القاهرة بالمتظاهرين الذين يطالبون بالتغيير مرة أخرى. لكن بعيداً في برلين تتخذ الاحتجاجات والمعارضة شكلاً آخر يتصف بالهدوء وعلى شاشة السينما. بصفتها الممثلة الوحيدة للسينما المستقلة المصرية في مهرجان برلين السينمائي الدولي، قدمت هالة لطفي فيلمها بعنوان "الخروج إلى النهار" الذي تدور أحداثه حول الشقاء اليومي الذي تواجهه امرأة شابة، التي تعتني بوالدها طريح الفراش في البيت، بمساعدة والدتها المسنة، وهو صراع يتناقض مع إمكانيات العالم الخارجي. وعلى الرغم من أن قصة الفيلم تتناول قضايا الهوية فيما يتعلق بالأسرة والمجتمع، إلا أن الرسالة ليست سياسية، كما تقول لطفي، بل عملية صنع الفيلم بمجملها كانت بمثابة تحد للظروف السياسية في البلاد. "لقد كان صنع الفيلم عملاً من أعمال المقاومة، لأن المشهد السينمائي في مصر يجعل من الصعب على الأفراد أن يصنعوا اسماً لأنفسهم"، كما تقول معتبرة أن الوضع الحالي في البلاد يقدم دليلاً واضحاً على افتقار البلاد للديمقراطية. إذا لم يكن لديك المال فلن يسمح لك بالتعبير عن نفسك. الديمقراطية تعني أن للجميع حق التعبير عن أنفسهم، بغض النظر عن الأدوات والطرق التي تستخدك لفعل ذلك". قدمت هالة لطفي في "الخروج إلى النهار" لغة سينمائية تعيد تعريف معنى الشجاعة، فالأم وابنتها تقفان في مواجهة عجز الوالد المشلول الذي يحتاج لعناية فائقة تؤمنها الأم التي تعمل كممرضة في مستشفى في الليل، بالتعاون مع ابنتها. ويأتي هذا الفيلم ليصور عالماً خاصاً داخلياً أولاً قبل أن يصبح في الخارج، بعيداً عن ضجيج الثورات وهموم الجماعة وصيحات الشارع وبعيداً عن التحولات السياسية والاجتماعية التي تعيشها مصر، لأن رسالته أقرب من الإنسان المصري في يومياته الصعبة. ينقل الفيلم معاناة الإنسان أمام العجز خاصة حين يعيش وسط طبقة محرومة فقيرة تتمرد على واقعها، وفي داخلها ثورة مكبوتة لكنها في النهاية تقبل هذا الواقع وتحاول التعايش معه. وتصور هالة لطفي يوماً واحداً من أيام تلك العائلة يمتد بالمشاهد إلى ما قبله وما بعده، ويروي تفاصيل تعايش رجل مع مصيبته بعد إصابته بسكتة دماغية أفقدته الرغبة في الحياة. هالة لطفي مخرجة مصرية تخرجت من معهد القاهرة السينمائي عام 1999 ونالت رتبة الشرف، وأنجزت قبل ذلك فيلمين وثائقيين الأول "عن المشاعر المتلبدة" في العام 2005 والثاني "عرب أميركا اللاتينية" في العام 2006 الذي أنجزته لحساب قناة الجزيرة. تقول لطفي إن "الشخصيات في فيلمها متعبة ومصابة بالإحباط الذي يمنعها من التواصل مع العالم الخارجي" وما هذا سوى انعكاس للحياة المصرية المعاصرة، فالشابة المصرية تعتبر أن الشعب في بلادها لا يملك شيئاً ولا يستطيع أن يشعر بالفرح، فهو يعيش كل يوم بيومه وذلك بسبب الأزمة الاقتصادية التي تشل البلاد. "نحن شعب يعاني فقدان الأمل واليأس التام. لا استطيع التعبير عن هذا الشعور لكنه موجود في كل مكان، حتى في الهواء الذي نتنفسه" قالت المخرجة. في رأيها، فإن القليل قد تغير منذ اندلاع الثورة الي أرغمتها على وقف التصوير لمدة خمسة أشهر. وكانت لطفي من بين الكثير من الشباب الذين خرجوا إلى شوارع القاهرة للاحتجاج على النظام، كما انها عملت مع العديد من المخرجين على توثيق المظاهرات ونشر أشرطة الفيديو على يوتيوب. واشارت لطفي إن صناع السينما الذين عملوا على توثيق الثورة كانوا يعرضون انفسهم للخطر، مشيرة إلى أنه قد تم القبض على افراد طاقمها خلال تلك الفترة، "وعندها أدركنا أننا بحاجة لتقديم شعور الثورة في عملنا". انطلاقاً من هذا المبدأ، استأنفت لطفي العمل على فيلمها، وتعاونت مع مجموعة من الفنانين المستقلين لتأسيس شركة "حصالة للإنتاج" التي توفر المعدات وتجمع الأموال والمشورة لصانعي الأفلام الشباب، وتنظم حلقات عمل في القرى النائية، وذلك بهدف كسر ما وصفته ب "احتكار صناعة السينما في مصر". "نحن نحاول تصوير الأفلام التي تعتبر ثورية في المحتوى، وفي هذا مخاطرة كبيرة ومغامرة لأن الأفلام تعد بميزانيات منخفضة، لكنها الطريقة الوحيدة التي يمكننا من خلالها أن نصنع التغيير".