(القاهرة) - كانت الفتاة تسير بخطى واثقة وهي ترتدي ملابس أنيقة، تبدو مهندمة مهتمة بكل ما ترتديه، كل شيء على الموضة، من الفستان إلى الحذاء وحقيبة اليد والإكسسوارات التي تتزين بها، مع تسريحة شعر لا تخفيها «الطرحة» الشفافة التي كانت فوق رأسها، اقتربت من قسم الشرطة، الحراس والجنود والضباط الذين التقتهم في الطرقات اعتقدوا أنها سيدة مجتمع، في الغالب وحسب خبرتهم ربما حضرت للإبلاغ عن حادث سرقة أو نصب أو تحرير محضر لإثبات حالة. تقدمت الفتاة، وليس من السهل الحكم عليها إن كانت متزوجة أم لا، لكن على الأرجح أنها متزوجة لأن واحدة بهذا الجمال لا يمكن أن تظل بلا زواج وقد تخطت الثلاثين وهي بهذه المواصفات، ومن المؤكد أنها تمتلك سيارة أوقفتها في الخارج، ولا يستبعد أن يكون معها سائق خاص، سألت عن مكتب رئيس المباحث، وقد ذكرته باسمه وبالطبع مع رتبته وبما يليق به، أي أنها تعرفه، فاعتقد الحارس أنها تربطها به صلة قرابة، فطلب منها الانتظار إلى أن يخبره، ولم يمض أكثر من دقيقة حتى عاد إليها وفتح لها الباب وأشار إليها بالدخول. دخلت الفتاة الغامضة، الضابط لا يعرفها أشار إليها بيده لتجلس ريثما ينتهي من مكالمة هاتفية مع أحد رؤسائه للتنسيق لعمل ما، ترددت فلم تجلس، ووقفت تنتظره إلى أن يفرغ من حديثه، وعندما انتهى أشار لها وهو يقول تفضلي بالجلوس، كانت غير قادرة على اتخاذ تلك الخطوة، فكيف لها بذلك وهي لا تدري ماذا سيحدث بعد قليل، أرادت أن تستقرئ في البداية كيف تسير الأمور، ولكنها اطمأنت وجلست. لم تضيع وقتاً وفتحت حقيبة يدها الجلدية الأنيقة وأخرجت بعض اللفافات، مدت يدها بها إليه، وقبل أن يسألها بادرت بالكلام، قالت هذه مواد مخدرة، أريد أن أبلغ عن نفسي، فأنا أتاجر في السموم بكل أنواعها، أروجها بين الشباب والطلبة وخاصة في الجامعات، وهذه عينة مما أروجه، وها هي تقدم الدليل على ارتكابها الجرم وسقوطها متلبسة، وليس هناك دليل أقوى من وجود الممنوعات والاعتراف سيد الأدلة، وراحت تستعجله ليضع في يديها القيود الحديدية ويلقي بها في السجن بلا تحقيق أو إحالة إلى النيابة وأيضاً بلا محاكمة، فهذا كله تضييع للوقت ولا ضرورة له من وجهة نظرها. بالطبع لم يكن الأمر بهذه البساطة التي تريد أن يتم التعامل بها، وقد اعتقد في البداية أن الفتاة مصابة بلوثة عقلية أو مجنونة، وفي أحسن الأحوال تعاني مشكلة وتريد أن تتخلص منها بهذا الأسلوب، وتلك هي المرة الأولى في حياته العملية التي يواجه فيها حالة مثل تلك التي أمامه، وهو الذي يبذل جهوداً مضنية حتى يجمع الأدلة وينتزع الاعترافات، وفي الغالب فإن جميع من يلقي القبض عليهم لا يعترفون بسهولة. ضغط الضابط على الجرس فحضر الحارس، أمره أن يأتي بكوب من الليمون البارد للسيدة كي تهدأ أعصابها، كانت تغالب دموعاً أغرورقت بها عيناها، ونجحت في التراجع عنها ولم تسمح لها بأن تجعلها تبدو في موقف ضعف، فهي مصرة ومقتنعة بما تقول وبما جاءت من أجله، طلب منها أن تعرفه بنفسها وكل المعلومات عن حياتها وأسرتها وظروفها ولماذا تريد أن تدخل السجن بقدميها وتبلغ عن نفسها، ووعدها أنه سيساعدها بقدر ما يستطيع. ... المزيد