هذا الفيلم من أوائل الأفلام التي اتخذت منحنى النهاية المحيّر Twist لست ناقدا سينمائيا؛ لكني أعرف جيّدا تلك الأفلام التي هزّتني أو أبكتني أو أضحكتني أو جعلتني أفكّر طويلا.. أعرفها وأحتفظ بها جميعا في الحافظة الزرقاء العتيقة التي تمزّقت أطرافها، وسوف أدعوك لتشاهدها معي لكنها أثمن من أن أقرضها! معظم هذه الأفلام قديم مجهول أو لا يُعرض الآن، لكنها تجارب ساحرة يكره المرء ألا يعرفها مَن يحب. خمسة متهمين.. طابور عرض واحد.. لا مصادفات.. هذا هو الTagline الشهير الخاص بفيلم "المشتبه فيهم المعتادون"، وهي عبارة ذكية تستعمل قاعدة "الثلاثة" الشكسبيرية التي تنجح دائما.. بصرف النظر عن هذه العبارة؛ فالفيلم له عشّاق كثيرون، ولا شك أنني أعتبره فيلما حديثا جدا، لكن رسائل القرّاء طالبتني بالكلام عنه مرارا، وهذا يُشبه ما حدث مع فيلم "فورست جام".. كنت أريد أن يقتصر هذا الباب على الأفلام القديمة أو المجهولة، لكني كذلك مطالَب باحترام طلبات القرّاء. هذا الفيلم الجميل قدّمه المخرج الشاب برايان سنجر عام 1995 كان وقتها في سن الثلاثين، وهو نفس المخرج الذي قدّم لنا: "فالكيري" و"تلميذ نجيب" و"الرجال إكس" و"سوبرمان يعود"، ولي تحفّظات معينة عليه لكن أفلامه ممتعة بالتأكيد. صار للفيلم أتباع كثيرون، وأعتقد أنه من أوائل الأفلام التي استخدمت أسلوب منحنى النهاية المحيّر Twist، كما أن الجدل ما زال مستمرا بين مشاهدين كثيرين في محاولة فهمه، وهناك جدل حول الأفضل تمثيلا، لكن الأكاديمية اتخذت قرارها بالفعل وأعطت أوسكار أفضل ممثّل مساعد لكيفين سبيسي، بما أنه من استوديو الممثل فقد أتعبه الدور جدا وقد قام بلصق أصابع يده اليسرى معا، ونشر كعب حذائه ليوحي بالإعاقة. "أعظم خدعة فعلها الشيطان هو أنه أقنع العالم أنه غير موجود!" (بودلير) كتب الفيلم كرستوفر ماكواري، وقام ببطولته مجموعة ممتازة من الأبطال في مباراة أداء مذهلة.. من ضمن الأسئلة الشائعة بصدد الفيلم أن تحاول تذكر ترتيب الأبطال من اليسار لليمين في بوستر الفيلم؛ المشتبه بهم بالترتيب من اليسار لليمين هم: كيفين بولاك ثم ستيفن بولدوين ثم بينتشيو دل تورو ثم جابرييل بايرن ثم كيفين سبيسي. إن الفيلم يدور حول استجواب لص قليل الشأن مصاب بشلل مخي (كيفين سبيسي) نجا من مذبحة وقعت على سفينة في ميناء بلوس أنجيلوس؛ مذبحة قتلت 27 واحدا من رجال العصابات والمهربين، يجدهم رجال الشرطة محترقين. هناك حبكة شديدة التعقيد، وهناك لص يشبه الآباء الروحيين للمافيا اسمه "قيصر زوسي"، لا يراه أحد لكن من الجلي أنه مسئول عن كل هذا.. إنه من أصل تركي. عندما سألوا الممثل جابرييل بايرن في مؤتمر صحفي في كان: من هو قيصر زوسي؟ قال للصحفيين: منذ بدأ التصوير وحتى هذه اللحظة كنت أحسبني هو!! هذا ليس مزاحا.. فقد أقنع المخرج كل ممثل سرا أنه هو قيصر زوسي. إن كيفين سبيسي يحكي القصة لرجال مكتب الاستخبارات الفيدرالي، وهذه القصة فلاش باك طويل هو الفيلم نفسه، والقصة بدأت قبل هذا بشهر ونصف الشهر. نعود بالزمن إلى العرض القانوني الذي يرتبه رجال الشرطة لخمسة رجال عصابات متهمين بالسطو على شاحنة.. الرجال أبرياء، لذا يصمّمون على تنفيذ عملية انتقام حقيقية ضد الشرطة. هذا المشهد شهير جدا ولا يمكنك أن تعرف بالضبط مقدار ما هو حقيقي منه وما هو تمثيل. الحقيقة أن أداءهم طبيعي لدرجة مدهشة، ويقال إن سبب ضحكهم هو أن دل تورو لم يستطِع التحكم في غازات بطنه فانفجر الباقون ضحكا. إضغط لمشاهدة الفيديو: السطو تمّ على مجموعة من الضباط الفاسدين الذين يقومون بنقل المهربين، ويطلقون على هذا "أفضل خدمة تاكسي" في العالم. إضغط لمشاهدة الفيديو: يتورّط اللصوص بعد هذا في عملية سطو على محل مجوهرات.. يتبيّن أن المحل يتعامل مع الهيرويين، ثم يتورطون في الهجوم على سفينة تنقل شحنة من الكوكايين. هناك حشد ممتاز من اللصوص بين أرجنتينيين يبيعون ومجريين يشترون.. عليهم التعامل مع غابة الوحوش هذه. أثناء التحقيق يحكي كيفين سبيسي لرجال الشرطة من هو قيصر زوسي.. التركي الغامض المتوحش الذي يبدو أكبر من الحياة نفسها. إضغط لمشاهدة الفيديو: إنه قتل أفراد عصابة منافسة اغتصبت زوجته وتسبّبت في قتل أطفاله.. أولا قتل زوجته وأطفاله ثم قتل المجرمين، ثم توارى في عالم الجريمة السفلي كشبح. كل رجل من المشتبه فيهم اقترف شيئا أغضب زوسي، وزوسي لا يغفر بسهولة ولا ينسى. لذا كان انتقامه مريعا. مع السرد تتكامل الصورة أكثر، لكننا نشك بقوة في أن قيصر زوسي له وجود أصلا.. لربما كان من نسج خيال الشاهد.. المفاجأة الأكبر تتضح في مشهد النهاية ولا يمكن أن أحكيها حتى لا أفسد الفيلم نهائيا عليك لو لم تره. إضغط لمشاهدة الفيديو: لكنك تسمع عبارة بودلير السابقة "أعظم خدعة للشيطان.. إلخ"، مع صوت الشاهد يقول: "وهكذا اختفى!". هناك تلميح خافت جدا للحقيقة؛ لأن المشتبه فيه قبل رحيله يسترد حاجياته وهي ساعة وقداحة ذهبيتان، ونحن رأينا زوسي يستعملهما قبل هذا في الفيلم وإن كنا لم نرَ وجهه. تلميح آخر مهم هو أن اسم البطل في الإنجليزية له نفس معنى "زوسي" في التركية؛ أي "الثرثار". وُلِدت فكرة الفيلم من مقال عن الجاسوسية في إحدى المجلات، وكان يحمل هذا العنوان الغريب "المشتبه فيهم المعتادون"، ثم ولدت الصورة البصرية للعرض القانوني في ذهن برايان سنجر.. لم تكن هناك أي فكرة عن موضوع الفيلم بعد، لكنّ هناك خيوطا من عدة جرائم شهيرة تم جمعها. سوف نجد في الفيلم لعبا واضحا على حيلة روائية شهيرة هي "الراوي الذي لا يوثق فيه"، ولهذا رأى سينجر أن فيلمه قريب جدا في تركيبه من فيلم راشمون للعبقري الياباني "أكيرا كوروساوا" حيث يحكي كل واحد القصة بطريقته. شاهد تريللر الفيلم هنا إضغط لمشاهدة الفيديو: هذا عمل مشوّق يتمتّع بسيناريو محكم وأداء ممتاز من الممثلين.. لا عيب فيه سوى أنه جديد جدا بالنسبة لي؛ لهذا لا أحتفظ به في الحافظة الزرقاء.. ربما على القرص الصلب لكني لست متأكدا.