قالت الوالدة غوية بنت خباب سعيد غصيب القايدي (أرملة شوكة)، التي زارها الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، في منزلها بمنطقة (القل)، القريبة من منطقة شوكة، 100 كيلومتر جنوب مدينة رأس الخيمة، أمس الأول، إن زيارة سموه لها في مسكنها المتواضع أعادت الحياة وألقها إلى المنزل، ودبت أصداء الفرحة بين جدرانه، ومسحت غبار الحزن والألم عن قسمات وجهها، الذي ملأته تجاعيد الزمن، إثر فقدانها أحبتها، الذين رحلوا عن الدنيا وفارقوا الحياة، مخلفين العجوز وراءهم وحيدة، تقاسي أوجاع الذكريات وتقدم العمر . قصة المواطنة المسنة غوية ليست كباقي القصص، إنسانياً واجتماعياً، إذ تسكن بمفردها في المنطقة المعروفة ب"القل"، التي تقع بين بلدتي شوكة وكدرة، ضمن حزام المناطق البعيدة جنوب إمارة رأس الخيمة، وتحديداً على الطريق الرابط بينهما، بمحاذاة وادي "القصعة" وعلى مقربة من سد القصعة أيضا، على مسافة أمتار قليلة، تنبعث فيه الحياة عند هطول الأمطار بغزارة . تعيش غوية في المنطقة الموحشة والوادي الجاف حالياً من المياه والحياة، بعد أن توفي جميع أشقائها، 3 أشقاء وشقيقتان، هي أصغرهم سناً، بينما توفي ابنها الوحيد، الذي أنجبته، قبل سنوات طويلة في حادث مروري، وهو في العشرينات من عمره، ليخلفوها وحيدة . "الخليج" زارت غوية في منزلها، وتعقبت قصة ساكنة الوادي، بعد أن حولتها زيارة سمو ولي عهد أبوظبي إلى الشهرة بين ليلة وضحاها، من خلال لفت الأنظار إلى قصتها الغريبة وأوضاعها القاسية . الطريق إلى منزل (غوية) غير معبد، ووعر بعض الشيء، رغم أنه لا يبعد عن الطريق الرئيسي في المنطقة كثيراً، نحو 700 متر . أشارت غوية، التي رصدت "الخليج" في منزلها صباح أمس فرحتها الغامرة بالزيارة، أن "الزيارة صورة ناصعة وصادقة لتلاحم قيادة الإمارات الرشيدة مع شعبها المخلص والطيب، وتعكس تضافر قيادة الدولة مع أبناء الوطن، في مشهد وطني اجتماعي إنساني قل نظيره على مستوى العالم، وتؤكد مدى اهتمام القيادة بأبناء الدولة، وحرصها على راحتهم والاقتراب من همومهم وأحلامهم، وتلمس أوضاعهم المادية واحتياجاتهم المعيشية" . وأكدت غوية البالغة حوالي 80 عاماً، اعتزازها البالغ بمبادرة سمو ولي عهد أبوظبي لزيارتها والاطمئنان على أحوالها، واعتبرتها مفاجأة سارة، وحلما راودها طويلا وتحقق أخيراً . تواضع وألفة ورأت خلال زيارة "الخليج" لها، أن زيارة قائد بقامة محمد بن زايد لمنزلها، وجلوسه معها بكل تواضع وألفة، بروح القائد والابن والأخ، على بساطها وفرشها في مجلسها البسيط في منزلها بالمنطقة الوادعة والبعيدة، بعث البهجة في روحها وغرس السرور في قلبها . أضافت "أرملة شوكة"، التي فقدت زوجها منذ 30 عاماً تقريبا: الزيارة الكريمة، التي قصد فيها سموه منزلي تحديدا، في زيارة خاصة من أبوظبي إلى المنطقة البعيدة، بغرض تحقيق حلمي والاطمئنان على أوضاعي، وجلوسي مع الشيخ محمد بن زايد، وسؤال سموه عن أحوالي، أشعرتني جميعا بقيمتي الحقيقية في وطني، بعد رحيل رفيق العمر، رحمه الله، وبقائي وحيدة أعاني الوحشة والذكريات"، مؤكدة أنها وجدت نفسها تردد عبارة (الحمد لله على شوفتك) بعفوية وبصورة متكررة، بمجرد وصول سموه إلى منزلها وفور رؤيته، في ظل الفرحة، التي انتابتها وغمرت قلبها . وشددت الوالدة غوية أن سمو ولي عهد أبوظبي جسد لها حلمها حقيقة عاشتها في منزلها أمس الأول، بلقاء سموه والحديث إليه، وهو ما أفصحت عنه في وقت سابق، خلال لقاء تلفزيوني، ضمن تقرير ميداني مصور بثته قناة أبوظبي الفضائية، في نشرة علوم الدار، حين تمنت مقابلة سموه، ليبادر سموه إلى تحقيق حلمها وزيارتها، في لفتة إنسانية وطنية واجتماعية . ورأت غوية بنت خباب أن زيارة الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد لها في منزلها في المنطقة الموحشة تنم عن وفاء الدولة وقياداتها للرعيل الأول من كبار السن، رجالا ونساء، وتؤكد تقدير الإمارات واعتزازها بالآباء والأمهات، الذين حملوا على عاتقهم أمانة بناء الدولة وصيانة الاتحاد وحمايته في مراحل النشأة والنمو، وتحملوا الكثير من المعاناة، وصبروا طويلا قبل نشأة الدولة الاتحادية، وفي سنواته الأولى، حتى استوت الدولة على قدميها وترسخ بنيانها ونضجت مؤسساتها، لتصبح الإمارات وطنا نفاخر به الدنيا . وأعربت عن بالغ شكرها وتقديرها لمبادرة سمو الشيخ محمد بن زايد وزيارته لها وتفقد أوضاعها في منزلها، واهتمامه بحالتها الإنسانية والاجتماعية، وتوجيهاته بتوفير احتياجاتها وتقديم رعاية شاملة لها وإحاطتها بعناية متكاملة . وأشادت بحديث سموه، خلال لقائه بها، عن وجوب الوفاء لرعيلنا الأول من الآباء والأمهات، الذين أفنوا حياتهم وكرسوا جهودهم في خدمة الوطن وتربية الأجيال من أبناء الإمارات، رغم قسوة العيش آنذاك، وتأكيد سموه على إسهامهم بدور كبير في تحسين ظروف الحياة وتوفير متطلبات العيش الكريم للأبناء والأجيال الحاضرة . من وجوه الغرابة أن (الثمانينية)، وفق تقديرات أقاربها ومعارفها لعمرها، لا تخشى الحياة وحدها وسط طبيعة خالية من البشر، في منزلها بمنطقة برية، وهي معتادة على ذلك منذ سنوات طويلة، كانت في بعضها برفقة زوجها، قبل أن يرحل عنها، لتواصل الحياة بمفردها في المكان وسط الصمت وماشيتها وقطة تتبعها بمجرد رؤيتها، في حين رفضت العجوز الانتقال للعيش عند أقاربها في منطقة كدرة المجاورة، لإصرارها على البقاء في المكان ذاته، الذي عاشت فيه حياتها بطولها وعرضها، قائلة: "عشت هنا في هذا المكان ولن أغادره"، وتصف نفسها، وهي تضحك من كل قلبها، بأنها حصاة من حصى القل، المنطقة التي تقطنها . وتقول عن سر عدم خوفها من الحياة منفردة في واد موحش إنها تتوكل على الله، سبحانه، وترقد ليلا ولا تصحو سوى في ساعات الفجر الأولى، تصلي ثم تعد قهوتها . في ثنايا قصة (ساكنة وادي القل)، كثير من التفاصيل المثيرة والمليئة بالعبرة، إذ رغم طبيعة حياتها الصعبة والوحدة، التي تلفها في المكان، لا تفارق الابتسامة وجه (الشيبة)، وتبدو راضية عما هي فيه من (نعمة)، وتكاد لا تطلب شيئا من متاع الدنيا، فيما تقول إنها لم تطلب من سموه شيئاً محدداً . وتذكر العجوز الصابرة أن سموه الذي وصفته ب"الرجل الطيب"، سألها خلال زيارته لها "عندك أحد؟"، لترد عليه "عندي الله سبحانه"، بينما ظلت تلهج بالدعاء لسموه طويلا، وهي تودعنا بابتسامة الرضا والقناعة، رغم كلماتها الموجعة عن نفسها وواقعها "لا ولد ولا سند"، فيما تشير إلى تردد عيال شقيقها وشقيقتها، رحمهما الله، عليها للاطمئنان على أحوالها . تلك السمات، التي تتصف بها المرأة المسنة والصابرة تنسجم مع سيرتها وصورتها بين أقاربها وأبناء قبيلتها (القايدي) وأنسابها وأهالي المناطق الأخرى، وهو ما يقول عنه سعيد مصبح القايدي، مسؤول منطقة شوكة في رأس الخيمة، الذي رافق "الخليج" إلى منزل المسنة المواطنة وقادنا إليه: "إنها تحظى بحب وتقدير أبناء المناطق القريبة والمحيطة والبعيدة نسبياً، وتعرف بين الناس هنا بطيبة قلبها وصفائها الداخلي، وبعدها عن الأحقاد والضغائن، تماما كبعدها عن الناس والحياة المدنية"، مشيراً إلى أن "كثيراً من الأهالي يزورونها ويطمئنون عليها بين فترة وأخرى، من مناطق شوكة وكدرة والسيجي والحزوم والباطنة والمنطقة الشرقية في الدولة وسواها، ممن يسمعون عن حياتها الغريبة والصعبة وطيبتها وصيتها بين الناس" . ويؤكد أن الزيارة تقدم صورة حافلة بالمعاني والقيم، مفادها أن الشعب الإماراتي أسرة واحدة متعاضدة، بدءا من القيادة وانتهاء إلى كل بيت في ربوع هذا الوطن . ويشدد محمد سالم بن ثابت، 48 عاما، من أنسباء العجوز، على "اعتزاز وتقدير أهالي شوكة والقرى والمناطق التابعة لها لزيارة سموه ومبادرته تجاه شيبتها وابنتها المسنة" . الحياة منحتها صحة جيدة تتمتع غوية بصحة جيدة رغم تقدمها في العمر، وتؤدي أعمالها اليومية والمنزلية ورعاية حظيرتها (العزبة)، التي تضم عددا من الماعز، بنفسها، فيما يبدو أنه يعود إلى حياتها وسط الطبيعة البكر، وغذائها الصحي، المكون من الرطب والتمر والقهوة العربية الإماراتية الأصيلة، التي تعدها بنفسها صباح كل يوم، بعد استيقاظها فجرا، وأدائها الصلاة، فيما يتكون فطورها، كما تقول، من عسل جبلي وطبيعي من خير الإمارات وعيش وخبز وما يصلها من وجبات من أقاربها يومياً، ولا تشاهد التلفار، الذي يخلو منه بيتها المتواضع، فيما لديها هاتف متحرك . حادثان موجعان مع ما تحتفظ به من صحة جيدة، واجهت المرأة المسنة متاعب صحية وآلاماً في حوادث وقعت لها خلال ممارسة أعمالها اليومية، فقدت في أحدها إصبعها (الإبهام)، بينما كانت تتفقد (عزبتها)، حيث قفزة بقرة كانت تملكها بصورة مفاجئة، لتجر معها الحبل، الذي يمسك الدابة من أحد طرفيه، وتمسك العجوز طرفه الثاني، ليبتر الإصبع فوراً . وفي حادث آخر كسرت ذراعها، عندما سقطت فجأة وهي تهم برعاية أغنامها، التي اضطرت إلى بيع كثير منها قبل بضع سنين، في حين احتفظت ببعضها الآخر . سنوات "العريش" وضعت محسنة مواطنة من دبي، قبل حوالي 5 أعوام، نهاية سعيدة لمعاناة غوية، بعد أن سكنت سنوات طويلة من عمرها في بيت أقل ما يوصف به أنه (متواضع ومؤلم)، وهو ليس أكثر من (عريش) صغير من سعف النخيل، يعادل حجرة صغيرة للغاية، مشيد من القصب، لا زالت تحتفظ به إلى اليوم مقابل منزلها الخرساني، الذي انتقلت إليه لاحقا .