شاهد معظمنا مقطع فيديو مجتزأ من أحد برامج قناة الأطفال السعودية "أجيال"، يظهر طفلة تتعرض لمقلبٍ من قِبل مذيعة البرنامج وزميلها المعد، تضمن تعنيفاً لفظياً للطفلة. وقد دار حول هذا المقطع جدلٌ واسع، وتبعته إجراءات نظامية أفضت إلى إيقاف البرنامج بحسب ما نشر في بعض وسائل الإعلام، ومنها "سبق". والسؤال هنا: هل هذه الممارسة مُجَرمة باعتبار أن التعنيف الحاصل مصطنعاً يراد منه المزاح والإضحاك، وليس إيقاع الضرر على الطفلة؟ وما هو المستند النظامي الذي يجرمها؟ بداية، لا بد من الإشارة إلى أنه ليس بالإمكان الجزم بتجريم مذيعة البرنامج وزميلها لسقوط القصد الجنائي، ولعدم وجود نص نظامي يصف هذه الممارسة بالجريمة ويجرِّم مرتكبها. ولكن هذه الممارسة تُعد عنفاً بحسب المادة (19) من اتفاقية حقوق الطفل التي صادقت عليها السعودية، والتي تنص على أن "تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير التشريعية والإدارية والاجتماعية والتعليمية الملائمة لحماية الطفل من أشكال العنف كافة أو الضرر أو الإساءة البدنية أو العقلية والإهمال أو المعاملة المنطوية على إهمال، وإساءة المعاملة أو الاستغلال...". ولكون هذه المادة تمثل مبدأ عاماً، ولا تحدد أشكال وظروف العنف، وتحتمل طيفاً واسعاً من التفسيرات، فقد قامت لجنة حقوق الطفل (CRC) المعنية بمتابعة نفاذ اتفاقية حقوق الطفل في الدول الأطراف بتفسير المادة (19) في تعليقها العام رقم 13 في 2011م؛ إذ ورد في هذا التعليق: "كثيراً ما يُفهم مصطلح العنف في اللغة المتداولة على أنه لا يعني سوى الإيذاء البدني والإيذاء المتعمد، غير أن اللجنة تؤكد بشدة على أن اختيار مصطلح العنف في هذا التعليق العام لا يجب أن يُفسر، بأي شكل من الأشكال، على أنه يقلل من تأثير أشكال الإيذاء غير المادي وغير المتعمد ومن ضرورة التصدي لها..". وهذا يؤكد أن العنف اللفظي والعنف غير المقصود محظوران أياً كان دافعهما. كما أن اتفاقية حقوق الطفل والميثاق العربي لحقوق الإنسان اللذين صادقت عليهما السعودية، تضمنا نصوصاً أكدت مبدأ "المصلحة الفضلى للطفل"، ويعني أنه إذا كان الطفل طرفاً في أي نظام أو إجراء أو نشاط اقتصادي أو اجتماعي أو ثقافي.. فلا بد من تقديم مصلحته على مصالح الأطراف الأخرى، وما رأيناه في المقطع يظهر أن مصلحة البرنامج قدمت على مصلحة الطفلة، وهذا إضافة إلى أنه ينافي المبادئ الأخلاقية والقانونية فهو يتعارض ومبدأ المهنية الإعلامية.