د. إبراهيم عباس كثيرة هي أخطاء حماس الكبيرة. أول تلك الأخطاء أنها مهّدت لظهورها بدعوة قادتها الشباب الفلسطيني للقتال في أفغانستان بدلًا من الانخراط في حركة المقاومة الفلسطينية الوطنية لمواجهة المحتل الصهيوني وتحرير الأقصى، وكانت حجتهم في ذلك بأن الطريق إلى الأرض المحتلة مغلقة يدحضها الواقع، حيث لم يتوقف فدائيو فتح والجبهة الشعبية يومًا عن القيام بعمليات فدائية سواءً في الأراضي المحتلة عام 67 أو داخل الخط الأخضر. وقدم هذا الموقف أول دليل على أن الوطن عند جماعة الإخوان المسلمين التي تنتمي إليها حماس يأتي في المرتبة الثانية بعد الولاء للجماعة. وعندما اندلعت الانتفاضة الفلسطينية شتاء العام 1987، تلك الانتفاضة الباسلة التي فجرها جنرالات الحجارة من أطفال فلسطين ركبت حماس موجتها وادعت لنفسها حق تفجيرها، تمامًا مثلما ركبت حركة الإخوان موجة ثورة 25 يناير التي فجرها شباب مصر وادعت ملكيتها. بيد أن الخطأ الأكبر لحماس يظهر الآن في انحيازها السافر إلى جانب الرئيس المصري المعزول محمد مرسي، وهو خطأ يذكر بموقف العديد من قيادات منظمة التحرير الفلسطينية إزاء الغزو العراقي للكويت في 2 أغسطس عام 1990 والذي يحاول البعض الآن الدفاع عنه بالقول إن أولئك القادة اتخذوا موقفًا محايدًا وكانوا يريدون حل الخلاف عربيًا، وهو قول يخرج عن الحقيقة والمنطق، لأن ما حدث في ذلك الوقت كان حدثًا خطيرًا يمس أمن الخليج كله، وليس فقط مجرد احتلال عادي كان يجدر بالمنظمة أن تكون أول من يشجبه لأنها قامت على أساس هدف تحرير فلسطين من الاحتلال. وقد كلف هذا الموقف الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية الكثير. حماس لم تعِ الدرس، وارتكبت نفس الخطأ عندما اختارت ليس فقط الانحياز إلى جانب أنصار الرئيس مرسي المعزول، وإنما زجت بأنفها في الشأن المصري الداخلي بشكل استفزازي تمثل في أحدث صوره في بث قناتي القدس والأقصى من رابعة العدوية واستعراض حماس لقواتها وكأنها تستعد لخوض حرب ليست بالطبع ضد إسرائيل. ينبغي التذكير هنا بأن رهان حماس على مرسي خلال عام حكمه كان السبب الرئيس في عرقلة اتفاق المصالحة ليبقى القول في النهاية إن وضع حماس الآني يحتم عليها تغليب مصلحة الوطن، والمسارعة في الوفاء باستحقاقات اتفاقي القاهرة والدوحة إن كانت تريد مخرجًا لمأزقها الراهن.