د. عبد العزيز حسين الصويغ توجهت فنانة مصرية ظهر الاثنين الماضي 02/09/2013، إلى مبنى السفارة الأمريكية بجاردن سيتي في القاهرة ومعها فرقة موسيقية، بالإضافة لاصطحابها خروفًا، فضلاً عن زيرًا للمياه، وذلك للتعبير عن ابتهاجها برحيل السفيرة الأمريكية، آن باترسون، عن مصر، وكسرت الفنانة "زيرًا" وذبحت "خروفًا" للتعبير عن سعادتها برحيل باترسون، كما رددت والمشاركون فى المظاهرة مع فرقتها الموسيقية والمواطنين الهتافات ضد السفيرة الأمريكية والإدارة الأمريكية وتدخلها في الشؤون المصرية. *** لن أتحدث هنا عن العلاقات المصرية -الأمريكية التي لا تختلف كثيرًا في تقلباتها عن العلاقات العربية- الأمريكية، التي تأخذ منحنياتها صعودًا وهبوطًا مع تداعي الأحداث وتقلُّب المواقف بين الطرفين، بل سيتناول المقال "الشِّراب" أو "القُلَل"، و"الأزيار" كما نُسمِّيها، وما كانت تُمثّله بالنسبة لكل بيت، ومغذى كسر الزير أو الشِّربة في التراث الحجازي والعربي على وجه العموم. *** وبداية نقول: إن الزير كلمة عربية معناها: الوعاء المستوي الصنعة في أسفله كهيئة قونس البيضة وأصله من زَيَرَ، أما الشِّربة أو القُلّة: فهو وعاء أصغر من الزير، وكليهما من الفخّار، وكثير من أبناء جيلي، ممن مازالوا يحتفظون بذاكرتهم، لابد أنهم يتذكرون "الشِّراب" -بكسر الشين المعجمة- جمع "شِربة" وهي القُلّة التي كانت هي والأزيار، حتى الخمسينات والستينات، من أساسيات أي بيت، وكان الزير يوضع أيضًا في الشوارع زمان من أجل أن تشرب منه الناس ويُسمَّى "سبيل"، وكانت من معالم نظافة ست البيت؛ التباهي بنظافة الأزيار والقُلَل في المنزل وتبخيرها بالمصطكى والقفل، وهو نوع من الحطب رائحته لطيفة، فإذا شرب منها الإنسان وجد طعمًا خاصًا للماء، ويضع بعضهم في الشراب ماء الكادي أو ماء الورد، وكانوا يتفننون في صنع الشراب ويزخرفونها ببعض النقوش، وبعضهم يضع لها كراسي جميلة تُسمَّى المرفع وتوضع الشِّراب فوقه، وتكون داخل البيت في مكان يُسمَّى بالمشربيّة لوجود هذه الشِّراب فيه. *** وأشهر القُلَل في مصر تلك التي تُسمى "القُلَل القناوي" التي تُعتبر ثلاجة الفقير، وفى الموروث الشعبى سمّاها المصريون "المليحة"، وفى أمثالهم أن الضيف الثقيل "تُكسر وراءه قُلَّة" احتفاءً برحيله، فكانت الغنوة التي تغنَّى بها الفنان المصري "سيد درويش"، قبل ما يقرب من 80 سنة، "مليحة قوي القُلل القناوي"؛ بمثابة حلم بزوال ورحيل الإنجليز عن مصر، وكسر القُلَل وراءهم، ولا يبعد هذا التصرف عما هو موجود في التراث العربي في أكثر من دولة عربية، فكسر الأزيار أو الشِّراب والقُلَل عادة ممتدة في الموروث الشعبي العربي، ومن الأمثال الحجازية القديمة، المثل الذي يقول: "مع السلامة يا جربة وأكسر وراكي شِربة"!! *** لقد كانت ومازالت القُلَل التي يَستمتع الناس بمائها البارد؛ تُباع بأسعارٍ زهيدة لا تناسب أبدًا المجهود المبذول فيها، هذا رغم أن الباحثين يُؤكِّدون بأن المياه عند مرورها بالخزانات والمواسير البلاستيكية فإنها تفقد الحياة وتصبح ميتة، ويجب أن توضع فى إناء فخار لمدة نصف ساعة، لكي ترجع حيويتها، ومن ثم يجب استخدامها للشرب والطه، أما العملية التى يتفرّد بها الفخار (الأزيار والقُلَل)، فهي امتصاص الأملاح الزائدة عن الماء، وهي هنا أكثر صحية من مياه الصحة نفسها؟! لذا فمن المؤسف أننا تخلّينا عن صناعة القُلَل والأواني الفخارية التي تكاد أن تندثر مقابل الأوعية البلاستيكية المُضرة بيئيًا..! * نافذة صغيرة: (لا أعرف لماذا كسرنا وراءه القُلَل، ربما كان السبب هو ترويج صناعة القُلَل القناوي؟! وعلى عمرو خالد أن يحمد ربنا.. فلم نرجمه بالحجارة، ومن يدري ربما غَيّرنا رأينا بعد أن وَجَد الرجل من يَحترمه ويُقبل عليه في بلاد برّه! والمثل يقول: "زمّار الحي لا يطرب"!).. أنيس منصور. [email protected] للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (6) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain