قبل فترة ليست بالقصيرة كنت مدعواً لحفلة زواج، ولم يستغرق الوقت بين الحضور والتوجه لصالة الطعام لتناول طعام العشاء مع بقية المدعوين أكثر من ساعتين كعادة الزواجات حالياً؛ إذ تبدأ من التاسعة وتنتهي مع دخول الثانية عشرة ليلاً.. وأثناء دخولنا في زحمة التوجه أمام بوابات تلك الصالة أمسك بيدي صديق قديم رغبة منه بصدق في الجلوس معه على صحن واحد، نأكل منه سوياً. وما هي إلا لحظات خاطفة مرت بسرعة البرق حتى انتهينا من الأكل..!! في تلك الأثناء تنوع بيننا حديث بين قضية الإسراف والهدر الباذخ والاستنزاف المالي في مجتمعاتنا، وغلاء الأسعار وتسابق البعض منا في المظاهر الفضفاضة من باب التقليد والرغبات النرجسية المتأصلة في النفوس.. فقال مما قال لي إنه سيأتي علينا يوم في آخر الزمان لن تجد من يقبل بالفلوس والذهب حينما يتم توزيعها على الناس في الطرقات، وسيتم البحث عنهم في أقصى الأماكن أو عمن يأخذها؛ لأنها ستكثر لدى الجميع، وعزا السبب لقلة قيمتها حينذاك..!! بالقرب منا كان يجلس شاب بدا نحيلاً، في بداية الثلاثين من العمر، وبتلقائية رد بصوت جهوري مسموع أثار انتباه الحاضرين بعد سماعه تلك الجزئية من حوارنا، المتعلقة بتوزيع المال، من أنه على استعداد تام للقبول بالعرض، متسائلاً: أين هي الفلوس؟! وأين موزعوها حتى نجنبهم البحث عنا..؟!! إلى هنا تبادر لذهني سؤال آخر عن الجدوى من توزيع المال في وقت لا يحتاج إليه الناس، وهل ذلك للتغيير في القناعات والرضا حينها؟ أم لكثرة الخير أم أن المسألة أنه ستكون هناك بدائل متعددة، تغني عن هذا المال؛ ما يجعله غير ذي قيمة قياساً بوقتنا الحالي، للحد الذي سيرفضه الكثير من الناس؟.. والأهم هنا: هل فعلاً سيقبل ذلك الشاب بالفلوس؟ وإن قَبل بها كيف سيتصرف بها طالما الغالبية لا يتعاملون بها..؟!! والسؤال الأكثر منطقية: كم نحتاج من السنين للوصول لآخر الزمان، الذي يكثر فيه الخير، وتأخذ الأرض زينتها وزخرفها، وأن بلاد العرب ستعود مروجاً خضراء وأنهاراً، وأن الرخاء الاقتصادي سيعم الجميع، حتى أن الإنسان سيمر بصدقته ومعه القِطع من الذهب والفضة بحثاً عمن يقبلها فلا يجده بسهولة؛ ما يعني أن هناك رخاء هائلاً ووفرة خير كبير، فضلاً عن قناعة عظيمة لدى الناس المستحقين بعدم القبول فوق الحاجة، وليس كما الحال في وقتنا الحالي على نحو (هل من مزيد)، بدليل مزاحمة البعض من غير المستحقين على الجمعيات الخيرية وقصور المحسنين..!! بقي من القول أن العرس انتهى على طريقة الأفلام العربية (الفرح للمعاريس والجري للمتاعيس)؛ بذهاب كلٍّ في حال سبيله، بينما ما زالت عبارة "الشاب" بكل ما فيها من عفوية ورغبة جامحة لجمع المال تتردد على مسامعي، وكأن المجتمع لدينا أصبح مجرد حصالة على حساب الكثير من الأمور المهمة، ومن أهمها الطاعات دون شك.. في تناقض سافر لما يسكننا من طمع وجشع، ولدعائنا الدائم "ألا يجعل الله الدنيا أكبر همنا، وأن يرزقنا القناعة والرضا"..؟!!