الذي يتابع الجدل الفكري الدائر في بلادنا قد يتخيل أن كل مشاكلنا التنموية والنهضوية والحضارية انتهت, وأن كل المعضلات التي تواجهنا حلت, وأننا نسابق الزمن لاعتلاء ركب التقدم الحضاري, ومن ثم تفرغنا لحل تلك القضايا التي يلح دعاة التغريب على تصديرها لنا بين الفينة والأخرى. إن ما يطرح من قضايا المرأة السعودية على مائدتنا الحوارية والنقاشية يدهش حقيقة كل من يتابع بدقة هذه القضايا وما تدور حوله, إذ سيجد أن الخط الناظم لها هو محاولة إيجاد مقارنة دائمة بين حال المرأة في المملكة والمرأة في الدول الأخرى, لاسيما الدول الغربية, في محاولة لفرض أنموذج تغريبي قسراً على مجتمع يرفض ذلك المسلك بإصرار. فعندنا مشكلة في ممارسة المرأة للرياضة, وما يستتبع ذلك من جدل حول مشاركتها في الملاعب, مشاهدة, ومؤيدة, ومشجعة ومحمسة للاعبين، وإن لم تكن المرأة عندنا كذلك فهي متخلفة عن ركب الحضارة, مهضومة الحقوق. وعندنا مشكلة في قيادة المرأة للسيارة باعتبارها من الحقوق التي يجب أن تجاهد المرأة وتناضل من أجل الوصول إليه, ومن ثم صوروا لنا الخارجات عن القانون بأنهن بطلات قدوات, يضحين بأنفسهن من أجل حقوق المرأة المهضومة ومساواتها بنظيرتها الغربية. وعندنا مشكلة في سفر المرأة وتنقلها للخارج بدون محرم, وصور لنا بعض مفتعلي المشاكل أن اشتراط المحرم في السفر رجعية وظلامية, في عصر التقدم والنور الذي يأتينا من الغرب ساطعاً, وما علينا إلا أن نحمد الغرب على كرمه بهذه العطايا والمنح. وقد يكون صحيحاً أننا نحتاج بين الحين والآخر إلى أن ننظر نظرة نقدية منصفة لوضع المرأة, ووضع الرجل, ووضع الشباب, ووضع المتقاعدين, وكل فئات المجتمع، لنقوم ما اعوج منها, ونزيح ما قد يسبب العنت والمشقة من أمامها في إطار منظومة القيم والأخلاق المجتمعية. ولكننا وللأسف ما نسمع عن قضايا المرأة إلا كل ما ينتظم في خانة التغريب وتذويب الهوية من القضايا, في حين أن القضايا ذات الأهمية, والمتعلقة بالمرأة كذلك, والتي يئن منها المجتمع تدخل سرداب النسيان ويطويها الإهمال ولا تجد اهتماماً كبيراً. ولذا فإننا نرى أن طرح تلك القضايا التغريبية ومحاولة صوغ تصور ذهني ومجتمعي بأنها وحدها قضايا المرأة, يجب ألا يثنينا عن البحث الجاد في القضايا الحقيقية التي تهم المرأة وغيرها من قطاعات مجتمعنا, وأن نتحلى بالشجاعة في طرح تلك القضايا، ونمارس نقداً ذاتياً موضوعياً, ونتخلى عن كل المعوقات التي قد تقف في سبيل الاستفادة من تلك الطاقات على هدي من قيمنا وموروثنا الثقافي. فلاشك أن لكل مجتمع خصوصياته المرعية, والتي إن ذهبنا نذيبها تحت شعار العولمة والتقدم فقدنا مقوماتنا الحضارية وتماسكنا الثقافي والأخلاقي والديني, فلكل دولة في العالم هوية ثقافية وحضارية, من يحاول خرقها فهو حريص جد الحرص على خرق سفينة المجتمع. وجزء من ثقافتنا وهويتنا يتعلق بوضعية المرأة في المجتمع, كما أن جزءاً آخر من تلك الثقافة يتعلق بالرجال, وهكذا تتشكل لبنات المجتمع وثقافته. حقيقة لقد ظلمت المرأة مرات عدة, ظلمت من قراءات خاطئة لفقهنا العظيم, حيث التقطنا بعض الآراء المذهبية, والقناعات الفقهية, وجعلناها دينا يعبد به, دون الرجوع إلى مقاصد الشرع الحنيف, والنصوص الجلية الواضحة, وسنة النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - في التعامل مع المرأة. ومن ثم نحتاج كأمة إلى قراءة واعية لنصوص شرعنا الحنيف من علماء أجلاء تثق الأمة في رأيهم, وتصدر عن فتواهم, ليزيلوا من تراثنا القراءات الخاطئة والتحيزات غير المنصفة ضد المرأة, بحيث تأخذ مكانها الصحيح, كما يريد الشرع دون إفراط أو تفريط. وظلمت المرأة من تحيزات التغريبيين في بلادنا, الذين أرادوا أن ينقلبوا على النص الشرعي, وأن يأخذوا بتلابيب المرأة ويخرجوها من نطاق الشرع, إلى ما تمليه عليه رغباتهم وأهواؤهم, فافتعلوا القضايا التغريبية, وسعروا خلافات تفضح نواياهم وسوء مرادهم. ليست المرأة قضية.. ويجب ألا ننظر لها كذلك، ولكن قضاياها الحقيقية، لا التي يحاول أصحاب الأجندات التغريبية فرضها على مجتمعنا, يجب أن تكون محل نقاش مجتمعي, على هدي من قيمنا وثقافتنا وتقاليدنا.