لم تكن صعوبة الفكرة لتثنينهن عن تنفيذها، بل ما تحمله من بعد إنساني جعلهن أكثر إصراراً على الاستمرار ومواجهة المصاعب، إنهن الشابات الإماراتيات: عبير المرزوقي وخولة المعمري وعائشة العامري، اللواتي قررن تصوير فيلم وثائقي عن أطفال المخيمات الفلسطينية في لبنان يروي معاناة أهل تلك المناطق المهملة، فكان فيلماً قصيراً بعنوان "يولد حلم في العينين" نال جائزة أفضل فيلم إماراتي في مهرجان أبوظبي السينمائي السادس . جريدة "الخليج" التقت المخرجات الثلاث فكانت هذه المتابعة . في البداية تحدثت عبير المرزوقي الخريجة في جامعة زايد تخصص تصميم، قائلة: "فكرة الفيلم جاءتنا من الأستاذة عليا يونس التي تدرسنا مادة إنتاج الأفلام، فقد كنا بحاجة إلى فكرة، مميزة لفيلم التخرج، فنصحتنا بتقديم فيلم عن جمعية إغاثة أطفال فلسطين في لبنان، وبالفعل تبنينا هذه الفكرة وبدأنا العمل عليها، وبما أن الفكرة تضطرنا للسفر إلى خارج الدولة والإقامة لعدة أيام، فكان لزاماً علينا أن نبحث عن راع لتصوير الفيلم حتى نغطي النفقات، وبالفعل تمكنا من ذلك من خلال رعاية مجموعة أبوظبي للثقافة والفنون، فانطلقنا إلى لبنان في شهر مايو/أيار الماضي" . وتشير المرزوقي إلى أنهن واجهن عدداً من المصاعب استطعن بالإصرار التغلب عليها وتضيف: "كانت الصعوبة الأولى هي موافقة الأهل على سفرنا إلى مكان بعيد في دولة أخرى، وليس أي مكان، إنه المخيمات الفلسطينية بكل ما تعانيه من مشكلات، ففي البداية واجهت رفضاً قاطعاً من الأهل حول مسألة السفر وطلبوا مني العدول عن الفكرة والتحول لإنتاج فيلم يعرض لقضية داخل الدولة، لكن بعد أن لمسوا إصراري وحماسي نحو هذه الفكرة قبلوا بالسفر بعد أن علموا بمرافقة مسؤولين من الجامعة لنا في هذه الرحلة، الصعوبة الثانية كانت الدخول إلى المخيمات، والتعرف إلى العوائل الفلسطينية والتقرب من الأطفال، وقد استطعنا التغلب على هذه المشكلة" . وتشير المرزوقي إلى أن عمليات التصوير استمرت ثلاثة أيام لم تتوقف فيها آلات التصوير عن العمل، وتتابع حديثها: "كان علينا تصوير كل ما نشاهده، لم يكن بالإمكان إهمال أي تفصيل مهما كان صغيراً، قبل السفر وضعنا سيناريو للفيلم، لكن وبمجرد دخولنا المخيمات الفلسطينية تغير السيناريو بشكل كامل، فقد خضنا تجارب لم نكن قد وضعناها في الحسبان، مثل الدخول إلى المشافي ومرافقة فريق طبي إيطالي كان قد حضر من بلده لمعالجة بعض الحالات" . وترى المرزوقي أن ما صورنه من مشاهد كفيل بانتاج فيلم آخر، فقد كانت التجربة أكبر من أن تختصر في فيلم قصير مدته عشرون دقيقة، أما عن الجائزة فتقول: "عندما اشتركنا في مسابقة أفلام من الإمارات، كنا نتوقع أن نفوز بإحدى الجوائز، لكننا لم نكن نتوقع أن نفوز بجائزة أفضل فيلم إماراتي، وقد كانت الفرحة أكبر من أن نستوعبها، فأن تشارك في المهرجان للمرة الأولى وتفوز بالجائزة الأولى أمر ليس بالسهل" . وترى عائشة أن الفوز بهذه الجائزة وضعها وزميلاتها أمام تحد كبير، فلم يعد بالمقبول لديهن انتاج فيلم أقل مستوى من "يولد حلم في العينين" . أما المخرجة عائشة العامري فتقول عن الفيلم: "يولد حلم في العينين" يحمل طابعاً إنسانياً بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، حيث يحكي الفيلم الوثائقي واقع الأطفال الفلسطينيين في المخيمات بلبنان، ويدخل إلى حياتهم ويعيش معهم التحديات التي يواجهونها كأطفال وتأثير البيئة التي تحيط بهم، ويلقي الفيلم الضوء على ثلاث حالات، الأولى حالة الطفل علي الذي يعاني حروقاً شديدة ويعالج عن طريق الجمعية، أما الحالة الثانية فكانت الطفلة ريم التي تعاني أنيميا حادة، والحالة الثالثة الطفل سليم الذي يعاني مشكلة في الأعصاب"، وترى العامري، أن الإصرار والمثابرة هما أفضل سبيل لتذليل العقبات، مضيفة: "لقد استطعت باصراري أن أكسب ثقة أهلي وأجعلهم يوافقون على فكرة السفر لتصوير فيلم خارج الدولة، لكن الصعوبة الأكبر بالنسبة لي كانت إخفاء مشاعري أثناء التصوير، فكيف لا نتأثر ونحن نصور معاناة أطفال يعيشون في أسوأ الظروف وهم محرومون من نعمة الصحة، وأحمد الله أننا استطعنا من التقرب من الأطفال ومواساتهم ونقلنا جزءاً من معاناتهم إلى الخارج وعرضناها في مهرجان كبير كمهرجان أبوظبي السينمائي" . وترى العامري أن التنسيق ما بين المخرجات الثلاث كان له دور كبير في نجاح الفيلم وعن هذه النقطة تقول: "لكل مخرج نظرته الخاصة ورؤيته الإخراجية المستقلة، وهذا أمر قد يخلق بعض المشكلات في حال اشترك أكثر من مخرج في عمل واحد، لكننا ومن خلال توزيع العمل والمناقشات ما بيننا تجاوزنا هذه النقطة، لا أنفي وجود بعض الخلافات في هذه الأحيان، إلا أنها سرعان ما كانت تزول ببعض الحوار لنخرج برؤية ترضي الأطراف الثلاثة" . أما بالنسبة للفوز بجائزة أفضل فيلم إماراتي فتقول: "لقد كان حدثاً عظيماً بالنسبة لنا وبالنسبة لغيرنا، حيث تفاجأ الكثيرون عندما علموا أن هذا الفيلم قامت بإنتاجه ثلاث فتيات إماراتيات سافرن إلى لبنان ودخلن المخيمات الفلسطينية وصورن معاناة الأطفال هناك بهذه الجودة وهذه الحرفية" . وتؤكد العامري أن هذه الجائزة حفزتها للعمل على تقديم ما هو أفضل، وهي تعمل الآن على البدء بتصوير فيلم في إفريقيا . أما المخرجة خولة المعمري فتقول عن الفيلم: عندما بدأنا التفكير بإخراج فيلم التخرج، كنا نبحث عن فكرة مميزة، ولم نكن نريد لمشروع تخرجنا أن يطرح فكرة عادية أو مستهلكة، إلى أن جاءت الأستاذة عليا يونس وأعطتنا هذه الفكرة التي وجدنا فيها تحدياً كبيراً، وهو ما كنا نرغب فيه، وكنا متأكدات من موقف الأهل الرافض لهذه الفكرة، إلا أن عنصر الثقة الذي اصبح احد العوامل التي تجعل الأهل يوافقون على انخراط الفتاة في هذا المجال كان موجوداً، فمن المعروف أنه من الصعب على فتيات السفر إلى بلد آخر بمفردهن لإنتاج فيلم، لكن ثقة الأهل بإدارة الجامعة التي دعمتنا كان عاملاً مهماً ، كما أن دعم الجامعة لا يأتي بسهولة، ولا تقدمه إلا لمن تجد لديها العزيمة والإصرار على الإنجاز، وتجد أن لديها فعلاً ما يستحق الدعم والتقديم بشكل سينمائي" . وتشير المعمري إلى أنهن وخلال وجودهن في لبنان قمن بزيارة ثلاثة مخيمات فلسطينية وهي مخيم برج البراجنة، ومخيم البرج الشمالي، ومخيم صبرا وشاتيلا، وعن عمليات التصوير تقول: "كنا نبدأ التصوير في الصباح الباكر ولا نتوقف حتى تغيب الشمس، لقد تفاجأنا بكثرة الحالات التي تستحق التصوير وهي ليست لأطفال فلسطينيين فقط، بل كانت الجمعية تقدم الرعاية لأطفال لبنانيين وسوريين، حاولنا التقرب من الأطفال وألا نشعرهم بأننا غرباء عنهم، وقد كان التحدي بالنسبة لنا هو اختيار الحالات التي سنعرضها في الفيلم وتناقشنا كثيراً حتى استقررنا على ثلاث حالات" . وترى المعمري أن التحدي الأكبر الذي واجههن بعد العودة إلى الإمارات هو عملية المونتاج واختصار المادة الفيلمية الكبيرة إلى ما يقرب من العشرين دقيقة، وتقول المعمري: "لم يكن بالأمر السهل اختصار ما يقارب 70 ساعة تصوير لتكون فيلماً قصيراً، فقد استغرقت عمليات المونتاج نحو شهر ونصف الشهر استعنا خلالها بخبراء وأصدقاء لنتوصل لتحديد المشاهد المناسبة للفيلم، وما زال لدينا مواد فلمية كفيلة بانتاج فيلم وثائقي متكامل عن كل حالة من الحالات الثلاث" وتؤكد المعمري أن العمل المشترك بينهن هو الذي أدى لأن يكون الفيلم بتلك الجودة، وما كان العمل ليكون بهذا المستوى لو عملت لوحدها، فالعمل الجماعي كان له دور بارز في هذا النجاح . تجمع الطالبات الثلاث على أن توجه الدولة حالياً يدعم عمل المرأة في كل المجالات ومنها السينما، ويتمثل هذا التوجه في دعم الجامعات والمؤسسات للطالبات لإنتاج أفلام سينمائية قصيرة، توظف من خلالها إمكاناتهن في نقل صورة عن الواقع من خلال الأفلام الروائية أو القصيرة، لبناء قاعدة تؤسس لإيجاد منصة سينمائية واعدة في الدولة، كذلك الإعلام لعب دوراً كبيراً في تغيير وجهة نظر المجتمع تجاه عمل المرأة الإماراتية في المجال السينمائي .