الخميس 17 أكتوبر 2013 06:15 مساءً (عدن الغد)متابعات: كتب/ دانيال فيلبوت، تيموثي شاه، مونيكا توفت أثار صعود تيارات الإسلام السياسي، في أعقاب ظاهرة "الربيع العربي" التي ألمت بالمنطقة، تساؤلات عدة عن قدرة تلك التيارات وما ينضوي تحت لوائها من تنظيمات وكيانات على التعاطي مع معطيات تلك المرحلة التاريخية، فضلا عن وضعها تحت الاختبار للوقوف على مدى التزامها بالقيم الديمقراطية، ودعم عملية الانتقال الديمقراطي، خصوصًا مع حديث البعض عن وجود تعارض بين القيم الديمقراطية وتلك الدينية، مما يهدد مسار الانتقال. في هذا السياق، قدم ثلاثة من الباحثين (دانيال فيلبوت، من جامعة نوتردام، وتيموثي صامويل شاه، من جامعة جورج تاون، ومونيكا دافي توفت، من جامعة هارفارد)، ورقة بحثية بعنوان: "من الإيمان للحرية: دور الفاعلين الدينيين في التقدم الديمقراطي العالمي The Role of Religious Actors in Global Democratic Progress". ورغم أن تلك الورقة البحثية تم اعدادها قبل عامين ضمن إطار فاعليات المؤتمر السنوي لجمعية العلوم السياسية الأمريكية APSA في واشنطن، إلا أن بها العديد من الأفكار الهامة التي تتماس مع تجارب الفاعلين الدينيين في منطقة الشرق الأوسط خاصة بعد الثورات. شروط دعم الفاعل الديني للديمقراطية وتسعى الورقة إلى تفسير التفاوتات المتعلقة بقيام الفاعلين الدينيين بأدوار داعمة للديمقراطية (أين، ولماذا؟)، وذلك من خلال دراسة كل حالات التحول الديمقراطي ما بين عامي (1972 – 2009). وتستخلص الورقة أن الفاعلين الدينيين كان دورهم إيجابيًّا في دعم الديمقراطية في أكثر من نصف الحالات في تلك الفترة. وبالرغم من أن الفاعل الديني في معظم تلك الحالات كان "الكاثوليكية الرومانية"؛ فإن تفسير ذلك لا يكمن في العادات أو الهوية الدينية في حد ذاته، (كاثوليكية في مقابل بروتستانتية، أو المسيحية في مقابل الإسلام)، فبحسب الباحثين، يتعلق الأمر بعامِلَيْن من العوامل المفتاحية: (1) العلاقة المؤسسية أو الهيكلية للفاعل الديني مع الدولة، (2) اللاهوت السياسي، أي نظرة الفاعل الديني للسياسة والحكم.وعليه، فإنه كلما تمتع الفاعلون الدينيون بقدر من الاستقلال المؤسسي عن الدولة، بالإضافة إلى لاهوت سياسي متلائم مع الديمقراطية الليبرالية؛ فمن المرجح أن يلعب أولئك الفاعلون أدوارًا إيجابية في عملية "الدمقرطة". ويعتقد مقدمو الورقة أن تركيبة العاملين السابقين تقدم أساسًا سليمًا لتفسير تباينات السلوك السياسي بين الفاعلين الدينيين، حتى المنتمين لنفس المذهب، (مثل الدور الإيجابي للكنيسة الكاثوليكية في البرازيل وتشيلي، في مقابل دور مثيلتها في الأرجنتين)، بالإضافة إلى تفسير ما يسمى "العجز الديمقراطي" في العالم الإسلامي. استهل معدو الورقة التحليل، بإيراد مثالين كان للفاعلين الدينيين أدوار داعمة وأخرى مثبطة للديمقراطية؛ المثال الأول هو الحالة العراقية التي لعب فيها رجل الدين الشيعي "آية الله العظمى علي السيستاني" دورًا، قد لا يكون المقصود من ورائه تدعيم الحريات والديمقراطية في حد ذاته في مقابل تدعيم النفوذ الشيعي، بحيث أدت فتواه بضرورة الانخراط في وضع الدستور العراقي والعملية السياسية للحفاظ على الهوية العراقية الإسلامية إلى المضي قدمًا في عملية التحول الديمقراطي الوليدة، وإجراء انتخابات في العراق. وعلى الجانب الآخر، ساندت الكنيسة الميتودية في "جزر فيجي" سلسلة من الانقلابات العسكرية على مدى العقود الثلاثة الماضية، في مواجهة حكومات منتخبة ديمقراطيًّا، وذلك بسبب فوز أغلبية غير مسيحية، استنادًا إلى تصور ديني يقضي بأن فيجي "أمة قائمة على أساس الاعتراف بربوبية وتعاليم الرب يسوع المسيح". وفي حين لا تعتبر المقولة السابقة مضادة للديمقراطية في حد ذاتها، فإنها استغلت لغرض منافٍ للديمقراطية. وفي إطار سعي الباحثين إلى تفسير العلاقة بين الفاعلين الدينيين وتحقيق تقدم على المسار الديمقراطي؛ فإن الورقة تطرح تساؤلين أساسيين، الأول تجريبي يتعلق بالدور الذي تلعبه القوى الدينية في سبيل التقدم الديمقراطي، وهل تعد الأدوار التي تُلعب في هذا السياق استثنائية أم يمكن تعميمها بصورة أو بأخرى، والعكس. بينما يكتسب التساؤل الثاني طبيعة تفسيرية، بخصوص الأنماط المختلفة وربما المتعارضة بخصوص دور الفاعلين الدينيين، بما يساهم في إماطة اللثام عن التنوعات التي تشهدها التجارب المختلفة، بحيث تقوم قوى دينية تنتمي لنفس المدرسة بأدوار متباينة في السياقات المختلفة (السيستاني في العراق، وحكم الملالي في طهران). وفي هذا السياق؛ تقدم الورقة ضبطًا للمفاهيم المستخدمة فيها، فتعرف الفاعل الديني بأنه: "أي فرد أو مجموعة أو منظمة تعرف نفسها ولو جزئيًّا بالمعتقدات أو الهوية الدينية، كما تقدم رؤية متماسكة لعلاقة الدين بالسياسة"، ويتماشى التعريف بهذا الشكل مع الصور المتعددة للدين الواحد ومذاهبه والتي تختلف في طريقة تعاطيها مع السياسة. بينما تؤكد الورقة على شمول اقترابها الخاص بالتقدم الديمقراطي، بحيث تشير إلى أي حالة لدولة اتخذت خطوات محسوسة نحو الديمقراطية فيما بين 1972 – 2009، وذلك وفق واحدٍ من ثلاثة معايير (التقدم في ترتيب مؤسسة فريدوم هاوس بمقدار 3 درجات، أو انتقالها من فئة لأخرى أعلى وفق مؤشرات فريدوم هاوس، أو خوضها انتقالا ثنائيًّا للاستقلال السياسي وترتيبات للحريات السياسية في أعقاب الاستقلال). أشكال الأنشطة السياسية الداعمة للديمقراطية حددت الورقة البحثية خمسة أشكال من النشاط السياسي، ينبغي على الفاعل الديني أن يقوم بأحدها على الأقل، لاعتباره مناصرًا للديمقراطية: الاحتجاج أو المعارضة المنظمة ضد حكومة سلطوية، أو الاحتجاج والدعم المنظم للديمقراطية (الرهبان البوذيون في بورما 2007). تنظيم البرامج أو المحافل الدينية التي تنطوي على إشارات معادية للحكومة السلطوية (بابا الفاتيكان السابق يوحنا بولس الثاني وزيارته لبلده بولندا ساهمت في إسقاط الحكم الشيوعي). التنسيق والتعاون مع فاعلين دوليين أو عابرين للقوميات لتقويض الحكومة السلطوية، أو دعم حكومة الانتقال الديمقراطي (حركة التضامن، إحدى المنظمات الحقوقية التشيلية التي قادتها الكنيسة الكاثوليكية وهدفت لإسقاط بينوشيه، وكانت لديها روابط مع 41 منظمة دينية وحقوقية حول العالم). القيام بجهود نشطة لتشجيع ودعم جماعات المعارضة المحلية (حزب العدالة والتنمية التركي الذي كون تحالفًا مع الجماعات المهمة في تركيا، واستطاع الحصول على السلطة في 2002). التوسط أو تسهيل التفاوض بين الفاعلين السياسيين لتيسير الانتقال إلى نظام أكثر استقرارًا وديمقراطية (دور الكنيسة البروتستانتية الألمانية في الوساطة في عملية التفاوض التي أسقطت الحكم الشيوعي في ألمانيا الشرقية). جدول يبين التجارب الدولية للفاعلين الدينيين في التقدم الديمقراطي ما بين (1972-2009) ق= دور قيادي للفاعلين الدينيين في دعم الديمقراطية - م= دور مساند للفاعلين الدينيين في دعم الديمقراطية ويُظهر الجدول السابق أن أكثر من نصف حالات التحول الديمقراطي لعب فاعلون دينيون بها دورًا لتدعيم ذلك التحول بنسبة 61.5%، تضمنت الحالات 17 دولة إسلامية، أي ما يزيد عن 20%، وشهدت الأمريكتان دورًا فاعلا للقوى الدينية بنسبة 73% من الحالات هناك، وكانت النسبة في آسيا 67%، الأمر الذي له دلالته بأن الرهبان والملالي، قد قاموا في تلك الفترة بأدوار مناصرة للديمقراطية في معظم أنحاء العالم. كما اهتمت الورقة ببيان ليس فقط مقدار الدور، وإنما جودته، بما يتضمن الإشارة للدور إذا ما كان قياديًّا، بمعنى: هل أخَذ الفاعلون الدينيون بزمام المبادرة للتحول الديمقراطي ومواجهة الطغيان، أم كان الدور مساندًا للحركات الاحتجاجية المطالبة بالديمقراطية؟. وأظهرت النتائج وجود دور قيادي للفاعلين الدينيين في التحول السياسي بنحو 40%، وكان للفاعلين المسلمين أدوار قيادية، كما في حالتي السيستاني في العراق، وعبد الرحمن وحيد في إندونيسيا، حيث قدم كل منهما نموذجًا إسلاميًّا أكثر تصالحية، بحسب الورقة. وتشير الورقة إلى أنه في معظم الحالات فإن الفاعلين الدينيين هم من يطلقون رصاصة البداية في سباق إزاحة النظم المستبدة (الكنيسة الكاثوليكية في مالاوي كانت أول من انتقد ديكتاتورية باندا في 1992)، كما تلعب تلك القوى أيضًا دورًا ضامنًا خلال المرحلة الطويلة نسبيًّا للانتقال الديمقراطي، حين يشوبها عدم اليقين، عن طريق القيام بالضغط على النظم السلطوية، أو حتى التوفيق بينها وبين المعارضة الديمقراطية (الكنيسة الكاثوليكية في موزمبيق). أنماط الفاعلين الدينيين في الانتقال الديمقراطي يُظهر الجدول التالي ارتباط أنماط الفاعلين الدينيين بعملية الانتقال الديمقراطي، وتحتل الكاثوليكية المرتبة الأولى ب30 حالة من أصل 78 عملية تحول ديمقراطي. ويعتقد معدو الورقة البحثية أن إيجاد تفسير للتباينات بين الأديان والأنماط المختلفة للفاعلين الدينيين يعد أمرًا معقدًا، بحيث لا يمكن تفسيره وفق عوامل ثقافية، إذ تظهر النتائج نجاح أنماط معينة في حالات، وفشلها في حالات أخرى، لذلك لا يمكن التعميم وفق العامل الثقافي. ويرى الباحثون أن تحديد دور الفاعلين الدينيين يتوقف بشكل أكبر، لا على الدين أو المذهب، وإنما على قدر ما تتمتع به المؤسسة أو القوى الدينية من استقلال عن السلطة، وميزت الورقة بين عدة أنماط من العلاقة تتراوح ما بين الاستقلال والاندماج، فتتسم العلاقة في الديمقراطيات الليبرالية ب"الاستقلال الرضائي"، والعكس في النظم السلطوية يكون "استقلالا صراعيًّا" في محاولة لتحقيق مكاسب في مواجهة السلطة. وعندما تضيق السلطة الخناق على الفاعلين الدينيين بحيث لا يمكنهم القيام بدور إيجابي لدعم الديمقراطية تتسم العلاقة ب"الاندماج الصراعي" حيث تقهر السلطة تلك القوى بهدف إخضاعها، بينما تكون أقصى درجات الوفاق في نمط "الاندماج الرضائي" بحيث تقدم الدولة من المغريات لتلك القوى بحيث تحقق مكاسب من تحالفها مع السلطة المستبدة. كما يشكل اللاهوت السياسي عاملا ثانيًا كمحدد لدعم أنصار دين أو مذهب معين للديمقراطية، وتشير الورقة إلى اختلاف السياقات التاريخية التي ساهمت في تطور الفتاوى والاتجاهات الخاصة بكل مذهب أو دين على حدة، فقد اكتسبت مرحلةٌ ما لقب "الموجة الكاثوليكية" وذلك في أعقاب عقد المجمع الفاتيكاني الثاني (1962-1965)، والذي أقرت فيه حرية المعتقد، ودعم حقوق الإنسان، بحيث خرج الفاتيكان من عباءة العصور الوسطى، واتجه للانفتاح لمواكبة التطورات الحادثة في أعقاب الحرب العالمية الثانية. بينما أرجعت الورقة تواضع مساهمة الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية في مجال الديمقراطية، إلى ارتباطها التاريخي بالسلطة القائمة، فضلا عن عدم تعرضها للزخم الديمقراطي الذي تعرضت له الكنيسة الكاثوليكية، إلا في التسعينيات في أعقاب الحرب الباردة. فيما مثل انقسام الفكر البروتستانتي فيما يتعلق باللاهوت السياسي تفاوتًا بين أدوار الكنائس البروتستانتية، إلا أنها تتفق في استقلالها عن الدولة. وتناقش الورقة البحثية علاقة الإسلام بالديمقراطية، فبالرغم من التراث الإسلامي الذي يحوي بين ثناياه ملامح ديمقراطية مثل الشورى واحترام الأقليات، فإنه من بين 47 دولة يصنف مؤشر فريدوم هاوس ثلاثًا فقط على أنها "حرة" بالكامل (إندونيسيا، ومالي، والسنغال). وفي هذا السياق، تُرجع الورقة تأخر الديمقراطية في الدول الإسلامة لأسباب لا تتعلق بالإسلاميين كفاعلين، إذ إن معظم حكومات المنطقة تقوم على أسس "علمانية"، مبنية على المثاليات الغربية (القومية، النمو الاقتصادي، الحداثة.. إلخ)، وفي بعض الحالات يتم تقييد الهيئات الدينية وقمعها، وبالتالي تهميش وخصخصة الدين، فضلا عن سيطرة الدولة على الفاعلين الدينيين، وتحالفها مع بعض القوى المعتدلة منهم وفق نموذج "الاندماج الرضائي"، علاوة على تهميش وقمع الحركات الإسلامية المحافظة والراديكالية "الاندماج الصراعي".وعليه يرى معدو الورقة أن السلطوية في الدول الإسلامية هي نتاج للثورة الفرنسية. ملاحظات ختامية على الرغم من العرض والتصنيف الجيدين فيما يتعلق بالفاعلين الدينيين وأدوارهم في دعم عمليات التحول الديمقراطي، إلا أن الورقة أسهبت بشكل مفصل فيما يتعلق بالطوائف المسيحية (الكاثوليكية، والأرثوذكسية الشرقية، والبروتستانتية)، في حين جاء الجزء الخاص بالإسلام مختصرًا بشكل مخل، رغم وصول الورقة إلى نتيجة أن الإسلام ليس مسئولا عن "التخلف الديمقراطي" في البلاد ذات الأغلبية المسلمة، إذ يزخر الفكر السياسي الإسلامي بعدد من المدارس ذات الإسهام في هذا الصدد، فضلا عن عدم التمييز بين الإسلام السني والإسلام الشيعي، وعن نظرية ولاية الفقيه في حد ذاتها كنظرية شيعية اثني عشرية خالصة. كما كان اعتماد الورقة في تعريف الفاعل الديني -وفق المعايير المذكورة آنفًا- لا يضع في الحسبان التحليل الموضوعي لأسباب دعم الفاعل الديني للديمقراطية، فضلا عن التزامه بها فيما بعد، الأمر الذي يمكن إسقاطه على الحالة المصرية، التي توافر فيها للإخوان المسلمين دور في فترة ما قبل 25 يناير، إلا أنها انحرفت عن الممارسة الديمقراطية فيما بعد توليها السلطة، مما أدى إلى دخول مصر مرحلة انتقالية جديدة، وعليه تكون الجماعة قد لعبت دورًا مزدوجًا في دعم الديمقراطية ثم تقويضها. (*) عرض: محمد الحسين عبد المنعم، /بالمركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية بالقاهرة.