قال الشيخ عبدالله إبراهيم السادة إنه كلما أقبل علينا عام هجري جديد وأشرق علينا هلال المحرم ازددنا إيمانا بمبادئ الهجرة وامتلأنا يقينا بآياتها التي خلقت المسلمين خلقا جديداً، فحولت ضعفهم إلى قوة وقلتهم إلى كثرة وذلتهم إلى عزة. وأشار في خطبته أمس بجامع مريم بنت عبدالله إلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاش في مكة ثلاثة عشر عاما يدعو قومه إلى كلمة لا إله إلا الله ، فما آمن به إلا قليل من الناس، ولكنهم قلة صادقة خالط الإيمان قلوبهم، هذا الإيمان هو الذي دفع الصحابة إلى العبادة والريادة وجعلهم يجاهدون ويستشهدون إلى أن دانت لهم الدنيا كلها، لم يك هذا إلا بسبب الإيمان الذي غرسه رسول الله صلى الله عليه وسلم في قلوبهم قال تعالى: (أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه).. المجادلة 22 وأضاف: هذا الإيمان هو الذي جعل من عباد الأوثان عبادا للرحمن يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما، هذا الإيمان هو الذي جعل من أهل الجاهلية قوما يبيتون لربهم سجدا وقياما رضي الله عنهم جميعا. هذا الإيمان هو الذي صنع بلالا الحبشي وسلمان الفارسي وصهيبا الرومي وأبابكر وعمر، وعثمان، وعلي، وغيرهم، صنع منهم رجالا سطروا أروع صفحات التاريخ في كثير من الميادين. وتابع: إن إيذاء المشركين لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه كان سببا من أسباب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة ولقد أوذي النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا فصبر وصابر وتحمل من أذى قومه مالا يقدر على تحمله الرجال أولو القوة وظل المشركون على عنادهم حتى بلغ بهم العناد منتهاه، وقالوا في مكابرة) أجعل الآلهة إلها واحداً إن هذا لشيء عجاب (ص:5) وقالوا :(إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون) الزخرف:23. وقال: لقد وصل الحال بهم إلى درجة جن فيها جنونهم، واجتمعوا في دار الندوة وعقدوا مؤتمر الدسيسة والغدر ، فمن قائل بنفيه ، ومن قائل بحبسه ، إلى أن استقر رأيهم على أن يختاروا من كل قبيلة شابا جلدا قويا وعندما يخرج عليهم يضربونه ضربة رجل واحد ، فيتفرق دمه في القبائل، ولكن فضح الله سرهم وخيب أمرهم فقال مخاطبا رسوله صلى الله عليه وسلم وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين. ثم نزل جبريل عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره أن الله قد أذن له بالهجرة من مكة إلى المدينة أخوة الإسلام: وأضاف: كانت هجرة النبي صلى الله عليه وسلم دحرا للفساد في العقائد، والضلال في الأفكار كما كانت فتحا جديدا في تاريخ الإنسانية ونصرا مؤزرا. وقد علمتنا العظات والعبر أن الحق لابد له من وطن ودار وأنصار، وأن الباطل لا يسلم القيادة للحق في يسر وسهولة بل يقف عنيدا شديدا في وجه الحق يأخذ عليه الطريق ويسد في وجهه المنافذ ويتربص به الدوائر وحينئذ يحتاج الحق إلى أن يلجأ بدعوته إلى تربة خصبة ودار آمنة وأنصار مؤمنين. علمتنا الهجرة أن الشباب إذا نشأوا منذ الصغر على مواجهة الخطر كانوا أجلاء أقوياء وهذا هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه ينشأ في مدرسة النبوة فتى من فتيان الإسلام لا يخاف إلا الله ولا يهاب أحدا سواه.