, فعديدة هي المحطات البارزة في النضال الوطني الفلسطيني التي دخلت, أو أدخلها المراقبون في إطار هذه الرمزية, لم يكن أولها إعلان الدولة الفلسطينية في الجزائر عام1988 كما لن يكون آخرها طلب دخول فلسطين كعضو مراقب في الأممالمتحدة. ولا يعني ذلك بالضرورة أن هذه الرمزية عبث لا طائل منه, فعديدة هي الرموز التي تدفع جماعة من البشر للاصطفاف حولها والتضحية من أجلها, ذلك أن الرموز تلعب دورا مؤثرا في تقدم الجماعات وتعيين الأهداف التي تنشدها في الحرية والكرامة, ولكن ما نقصده في الحالة الفلسطينية هو أن هذه الرموز والرمزيات تفارق الواقع وتفقد معادلها المادي الموضوعي في الواقع, خاصة فيما يتعلق بالدولة الفلسطينية, أو حل الدولتين المتعارف عليه دوليا وإقليميا والذي يبقي حتي الآن في حيز الافتراض والمثال بأكثر مما هو في حيز الواقع المادي الملموس. ربما يكون من الممكن في حالة قبول الجمعيه العامه فلسطين كدولة عضو مراقب في منظمة الأممالمتحدة فائدة وجدوي, من منظور إدخال الأممالمتحدة وقراراتها الخاصة بالدولة الفلسطينيةوالقدس في معادلة الحل, واستحضار دور هذه الهيئة الدولية التي كانت حاضرة منذ بداية الصراع العربي الإسرائيلي خاصة في القرار181 لعام1947 الخاص بتقسيم فلسطين, وتجنب انفراد إسرائيل بالمفاوض الفلسطيني بعيدا عن الشرعية الدولية والمجتمع الدولي المسئول أخلاقيا وقانونيا عن خلق الدولة الإسرائيلية ومأساة الشعب الفلسطيني.وربما ايضا قدره فلسطين علي ملاحقه مرتكبي جرائم الحرب. بيد أن هذا التأثير المحتمل والبعيد في الوقت ذاته ليس بمقدوره تغيير مجريات الواقع الذي خلقته إسرائيل, عبر احتلالها طويل المدي للأراضي الفلسطينية, فقد عملت إسرائيل علي خلق واقع يهودي استيطاني سياسي اقتصادي, يقوض حل الدولتين من الناحية الواقعية, وذلك عبر الكتل الاستيطانية المستقطعة من مساحة الضفة الغربية والمتصلة جغرافيا بأراضي عام1948 أو عبر الطرق الالتفافية والدائرية التي تربط بين هذه المستوطنات وبينها وبين إسرائيل, وكذلك عبر الاستيلاء الإسرائيلي المنظم علي الأراضي الفلسطينية ومصادرتها وفق مختلف القوانين الإسرائيلية التي تتيح مصادرة أراض الفلسطينيين, أو عبر بناء الجدار العنصري الذي أقرت محكمة العدل الدولية عدم شرعيته وقانونيته في الرأي الاستشاري المعروف, هذا الجدار الذي يتلوي كالثعبان في الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام1967, وفق العديد من الاعتبارات الإسرائيلية الديموجرافية والجغرافية وتلك المتعلقة بمصادر المياه الجوفية والأمن, والحال أن هذا الجدار يقتطع بالإضافة إلي المستوطنات مساحات كبيرة من الأراضي الفلسطينية التي احتلت في عام1967, وإذا ما أضيف إلي ذلك مشروع منطقة القدس الكبري الذي تعكف إسرائيل علي تنفيذه منذ سنوات عديدة, لتبين لنا أن إسرائيل قامت بتقويض دعائم حل الدولتين, وما تبقي من أراضي للدولة الفلسطينية مجرد كانتونات معزولة غير متصلة جغرافيا. تقاسم الضفة الغربية بين إسرائيل والشعب الفلسطيني والاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية وشطب حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلي فلسطين, هو جوهر الحل الإسرائيلي المطروح كما أن المفاوضات من وجهة النظر الإسرائيلية هدفها النهائي تطويع الفلسطينيين لقبول هذا الحل بالترغيب والترهيب, وأن تجعل إسرائيل من كافة الخيارات المطروحة علي الشعب الفلسطيني سواء المقاومة أو التفاوض لا تفضي إلي شئ باستثناء ما تريده إسرائيل. يتحدث بعض المحللين الإسرائيليين منذ فترة وعلي ضوء تقلص وتقويض حل الدولتين, وخاصة بعد سيطرة حماس علي قطاع غزة, عن حل آخر هو حل الدول الثلاث, أي دولة فلسطينية في قطاع غزة وبقيادة حماس وأخري فلسطينية أيضا بقيادة السلطة الفلسطينية في بعض أراضي الضفة الغربية, ووجهة نظر هؤلاء تتلخص في اعتبار سلطة غزة إقليما معاديا تسيطر عليه حماس, وفك ارتباط القطاع بإسرائيل ودفعه في اتجاه الإدارة المصرية واقتطاع حوالي600 كم2 من سيناء مقابل منح مصر أراضي في النقب وامتيازات أخري, وهي الأفكار التي رفضتها مصر وستظل ترفضها, وقد عزز من وجود هذه الأفكار سقوط النظام القديم وسيطرة وصعود الإخوان المسلمين إلي الحكم في مصر, فلم تعد مصر تخشي إقليما يسيطر عليه جناح الإخوان الفلسطيني, وثمة من التجانس الإيديولوجي والسياسي ما يسهل ذلك, بيد أن الحكم الجديد كما القديم لا يملك إلا رفض هذه الأفكار والتمسك بصيغة الدولة الفلسطينية الواحدة في حدود أراضي عام1967 بعاصمتها القدس. صيغة السلام العربية سواء تمثلت في اتفاقيات أوسلو أو المبادرة العربية للسلام, أعلنت الجامعة العربية موتها عندما كان السيد عمرو موسي أمينا عاما للجامعة العربية, وبمناسبة العدوان الإسرائيلي الأخير علي غزة أعلنت الجامعة العربية وأمينها العام السيد نبيل العربي عن ضرورة إعادة النظر في خيار السلام العربي, وهذه المواقف مؤشرات في فقدان الثقة العربية الرسمية في وجود شريك إسرائيلي في عملية السلام, لديه نوايا صادقة في التوجه نحو سلام عادل ومتفاوض عليه ومقبول داخليا وإقليميا. تتمسك إسرائيل وحتي إشعار آخر بأن السلام الذي تنشده يستند علي مبدأ توازن القوي بالمعني العسكري وليس مبدأ توازن المصالح أو مبادئ الحق والعدل والشرعية الدولية, وتصر علي عقد السلام في غيبة المجتمع الدولي وقراراته طيلة ما يزيد عن النصف قرن, وهيمنة الولاياتالمتحدةالأمريكية علي عملية السلام بانحيازها المعروف والمتكرر لإسرائيل, علي حساب الحقوق العربية والفلسطينية, وضرورة أن يكون السلام مع العرب والشعب الفلسطيني مكرسا للتفوق الإسرائيلي والهيمنة الإسرائيلية علي المنطقة. والحال أن الشريك الإسرائيلي يعتبر شريكا متوحدا مع نفسه, ومتوحدا مع مفهومه للسلام وليس مفهوم السلام المتعارف عليه عربيا وإقليميا ودوليا. ربما يكون من الضروري في هذه الآونة وخاصة بعد الثورات المصرية والعربية أن تتوقف النخب الحاكمة عن إعادة إنتاج نفس الآليات والمبادئ التي أوصلتنا إلي الوضع الراهن, والبحث عن منظور جديد يواكب التطورات الحادثة عربيا وداخليا وتلك التطورات المرتبطة بالمحيط الاستراتيجي الجديد الذي تواجهه إسرائيل ونعني به فاعلية المقاومة وانتهاء عصر الحروب الخاطفة والسريعة التي كانت تقوم بها إسرائيل, واهتزاز المبادئ الأساسية للعسكرية الإسرائيلية المتمثلة في التفوق والهيمنة ونقل المعارك إلي آراضي الآخرين بالإضافة إلي تغير نمط الحروب والمواجهات كما شهدنا في عدوانها علي لبنان عام2006 وغزة2008 وغزة مرة أخري في عام.2012 وهو الأمر الذي يقتضي تعزيز هذه المحصلة عبر رفع السقف السياسي للتسوية, والدخول في صلب الملفات المسكوت عنها عربيا, ملفات الأسري المقتولين والتعويضات عن استعمار واحتلال الأراضي العربية والملاحقات القضائية والقانونية لمرتكبي جرائم الحرب الإسرائيلية وإعادة تعريف القضية علي نحو واضح باعتبارها قضية احتلال أراضي بالقوة وانتهاك كل المبادئ القانونية الدولية سواء في القانون الدولي أو القانون الدولي الإنساني أو مواثيق حقوق الإنسان الدولية, وأخذ ذمام المبادأة في تعرية إسرائيل وفضح ممارساتها العنصرية ضد الشعب الفلسطيني وضد الشعوب العربية وكسر احتكارها لموقع الضحية الأولي بالرعاية الذي شغلته منذ الحرب العالمية الثانية.