تعليق على قصيدة عمرو بن معديكرب الزبيدي يا أيها المغتابنا: توطئة: عمرو بن معديكرب الزبيدي من الصحابة ، من فرسان العرب المعدودين ، ومن الشعراء المخضرمين، جاء إلى عمر بن الخطاب ذات يوم ، فسأله عمر: أخبرني يا عمرو ، هل انصرفت من فارس قط؟ فقال عمرو : والله ما أحب أن أكذبك.. خرجت يوماً للغارة ، فأتيتُ قوماً من السراة، قال عمر: وكيف عرفت أنهم من السراة؟ قال عمرو: رأيت نعماً كثيراً وقباباً حمراً ، وامرأة منعمة جميلة تتمطى في خيمتها.. فأتيتها فقالت: اصعد تلك التلة سترى عجباً .. فصعدتُ التلة ورأيت شاباً جميل الطلعة ، فأتاني مقبلا غير مدبر ، لا يهابني ولا يحسب لي حساباً ، فهاجمني وأصابني بسيفه ، ولقد خفت والله ، وما خفت قبل ذلك قط.. ثم أصابني ثانية وكاد أن يطرحني أرضاً ، وقال: انزل عن فرسك , فنزلت فأخذ فرسي وسيفي، وقال : من أنت؟ قلتُ : بل من أنت: قال : أنا ربيعة بن مكدّم.. قلت : وأنا عمرو بن معديكرب.. قلتُ : إذن فاختر واحدة من ثلاث – إن شئتَ اجتلدنا ، وإن شئت اصطرعنا ، وإن شئت السلم.. قال: بل اختر أنتَ . فقلت ُ : السلم. ومضينا .. وتوجهنا ناحية قومي فقابلنا منهم جماعة من الفرسان، ورأوا ما حلّ بي ، فأرادوا به شراً ، فهجم عليه وشقّ صفوفهم .. فعجبوا مما راوا ، قالوا له: قد جرحت فارس العرب وأخذتَ سيفه وفرسه.. وبعد حديث اخترنا السلم ، فدعانا إلى حيهم ، ودخل على صاحبته صاحبة الخباء، فابتسمت له ، ومسحت وجهه ، وذبح لنا ، وأقمنا عنده يومين ثم انصرفنا. وهنا أورد شرحاً لبعض أبيات قصيدة عمرو بن معديكرب ، وهي من شعر الفخر ، من مجزوء البحر الكامل : ليس الجمال بمئزر ٍ - فاعلمْ وإن ردّيت َ بردا إنّ الجمال معادنٌ - ومناقب ٌ أورثنَ مجدا أعددتُ للحدثانِ سابغة ً وعداءً علندى نهداً وذا شطبٍ يقدّ البيض والأبدان قدّا وعلمتُ أني يومذاك - منازلٌ كعباً ونهدا قومٌ إذا لبسوا الحديد تنمروا حلقا وقدا كل امرئ يجري إلى – يوم الهياج بما استعدا لما رأيت نساءنا - يفحصن بالمعزاء شدا وبدت لميس كأنها – بدر السماء إذا تبدّى وبدت محاسنها التي - تخفى وكان الأمر جدا نازلتُ كبشهم ولم – أرَ من نزال الكبش بدا كم من أخٍ لي صالحٍ – بوأته بيديّ لحدا ما إن جزعتُ ولا هلعت ولا يردّ بكاي زندا أغني غناء الذاهبين – أعدّ للأعداء عدّا ذهب الذين أحبهم - وبقيتُ مثل السيف فردا. إنّ جمال الإنسان ليس بما يلبسه من ثياب ، وإنما يكون الجمال في معدن الإنسان وقيمه وسلوكه وكرمه وحسبه ونسبه ، وأنا قد أعددتُ لمصائب الدهر درعاً سابغة وفرساً قوياً سريعاً ، وسيفا يقطع الخصم قطعاً ، ومن عادتي أن أستعدّ لمواجهة الخصم ، وأنني على موعد مع مواجهة قبيلتي كعب ونهد ، وهم قوم من الأقوياء ، ثم يتحدث عن نساء قومه وعن صاحبته لميس وقد بدا حسنها وظنّ أن الأمر بات جداً وأن عليه أن يحمي نساء القوم ، فأقبل على زعيم خصومه ينازله ، فلا بدّ من ذلك .. ويتحدث عمرو عن أصحابه الذين قتلوا في تلك المواقع وأنه دفنهم بيديه ، ويذكر أنه لم يكن خائفاً ولا قليل الصبر عند فقدان أصحابه ، لم يبك ولم يجزع ولم يخف الموت لشجاعته.. ولأن البكاء لا يردّ ميتاً .. ثمّ إنه بقوته وشجاعته يغني عن فقدانهم ، لأنه مستعدٌ دائماً لقتال الأعداء.. ويختم قصيدته الجميلة بأنه فقد أصحابه الذين يحبهم ، وأنه بقي فرداً واحداً كالسيف يكون واحداً في غمده. د. نعيم عودة