كتب أحد الأشخاص تعريفاً مختصراً عن نفسه في «تويتر»، ثم ألحقه بعبارة (الأخلاق مسألة شخصية)، والحق أنني واجهت صعوبة في البداية لفهم المغزى، لكنني تمكنت من التقاطه بعد ذلك عندما سألته، كان يقصد طبعاً أن الأخلاق أمر يخص الشخص الذي يمارسها ويؤمن بها، ولا علاقة لها بأحد غيره، كأن يفرض رؤاه الأخلاقية على غيره إما بالتنظير أو الممارسة .. الأخلاق في عرفه أن يصدر أحكاماً على أفعاله وتصرفاته الخاصة ويصوغ توصيفاً توجيهياً لنفسه، ولا يتجاوز ذلك إلى غيره. لكن في واقع الأمر، يصعب القول إن الأخلاق مسألة شخصية في الممارسة، لأن الأخلاق تتعلق بكيفية معاملتنا لبعضنا بعضاً في الأساس، فلا يمكن حصرها في قالب شخصي حتى وإن تباينت معاييرها ودرجاتها من زمن إلى زمن ومن مكان إلى آخر. تصور مثلاً أنك مررت في الطريق برجل يركل ويضرب ويسخر من رجل آخر أعزل، بينما أنت لا توافق على هذا الأمر بحكم أنك اختطيت لنفسك مساراً أخلاقياً ما، فهل ستكتفي بترديد (أنا لا يمكنني شخصياً ضرب رجل أعزل) بينك وبين نفسك، أم أنك ستتدخل وتعلن أن هذا الرجل مخطئ وتحاول إيقافه أو نصحه على أقل تقدير .. بالتأكيد صاحب المبدأ الأخلاقي حين يتبناه فهو يقصد تطبيقه على الناس كما يطبقه على نفسه، الأمر ليس شخصياً فحسب. فإن كنت تفرض هذه القيود الأخلاقية على نفسك دون الناس، فما جدواها إذن، ومن أين جاءتك طالما لا أحد يطبقها أو مستعد لتطبيقها غيرك، لعل أصحاب هذا المنهج الأخلاقي كانوا يقصدون مبدأ (عش ودع غيرك يعيش)، بحيث يتخلصون من الوصاية الأخلاقية على أنفسهم بمنعها عن الناس أولاً كي يحظوا هم أيضاً بكف أيدي الناس عنهم. يجذبهم هذا المبدأ لأنه يعبر عن توجه متسامح في التعاطي مع سلوكيات الناس، ويشمل أيضاً حرية الناس في صنع قراراتهم وامتلاك مصائرهم، لكن حتى هذا المبدأ يعد مبدأً أخلاقياً يتعلق بكيفية معاملتنا لبعض، وليس مبدأً أخلاقياً شخصياً، فالشخص الذي يتبناه مؤمن بقوة بحق الناس في خياراتهم وسلوكهم ماداموا لم يؤذوا أحداً، والغالب استعداده للدفاع عنهم، وبهذا لن يكون الأمر مسألة شخصية بأي حال. The post الأخلاق ليست مسألة شخصية appeared first on صحيفة الرؤية.