من وجهة نظر البيت الأبيض فإن استمرار الحظر المفروض ضد الجمهورية الإسلامية من شأنه إرغام طهران على الإذعان وإبداء ليونة أكثر، لكن هذا الأمر ليس سوى وهم إذ كلما اتسع نطاق الحظر فإن إيران ستمسك بزمام الأمور أكثر مما مضى. طهران (فارس) لا شك في أن الصراع القائم بين الكونغرس الأمريكي والبيت الأبيض حول فرض أو عدم فرض حظر جديد وأكثر قسوة على الجمهورية الإسلامية يتضمن دروساً هامة، بما في ذلك إثباته أن الكيان الصهيوني والكونغرس يعملان على إعقام الدبلوماسية من الأساس ولكن البيت الأبيض وحده يحاول إنقاذ ما تبقى من هذه الدبلوماسية. فالكيان الصهيوني مضطر للحفاظ على علاقاته الاستراتيجية مع الولاياتالمتحدةالأمريكية لكونه عاجزاً عن مواجهة الجمهورية الإسلامية وحده لذا لا بد له من الإذعان القرارات التي يتخذها البيت الأبيض وفي الحين ذاته فإن الرأي العام الأمريكي يرجح الدبلوماسية على غيرها في التعامل مع طهران ما اضطر تل أبيب للحديث عن إجراء محادثات. يذكر أن البيت الأبيض وبعض الأوساط الغربية ترى أن الحظر ليس من شأنه إرغام طهران على الاستسلام لمطالب واشنطن وحلفائها فالجمهورية الإسلامية من خلال مواجهتها للولايات المتحدة منذ انتصار الثورة الإسلامية جعلت السياسة الأمريكية أكثر واقعية يوماً بعد يوم وأرغمت واشنطن على الإذعان بقدرتها، وهذا الأمر ينطبق اليوم أيضاً على الملف النووي وتبعاً لذلك فهو يؤثر على الحظر المفروض لأن تصور أن الضغط الشديد من شأنه إجبار طهران على التنازل هو تصور خاطئ من أساسه فإذا ما تجاوز الحظر حدوده وتجاسر الغربيون على اتخاذ خطوات أكثر خطورة فإن إيران ستغير المعادلة وتسيطر على الأوضاع رغم أنف الأعداء. والواقع أن الحظر ليس من شأنه ترسيخ دعائم الدبلوماسية بل يزيد من التناحر بين الأطراف المتنازعة وهذا الأمر قد أدركته واشنطن بالفعل وأذعنت إلى أن إرغام طهران على الاستسلام ليس خياراً دبلوماسياً من الأساس فالجمهورية الإسلامية عند مواجهتها هكذا تصرفات سوف تقاوم أكثر مهما كان الثمن إذ ليس لديها ما يمكن أن تخسره في هذه المواجهة. لقد شهدت الأوساط الأمريكية منذ ثلاث سنوات مناقشة مسألة ضرورة تغيير الحظر إلى دبلوماسية وأصبحت هذه المسألة اليوم سياسة تتبعها واشنطن لأنها أدركت أن الحظر كان وسيلة لتطبيق الدبلوماسية بغية تحقيق الأهداف التي وضع من أجلها وزعماء القطبين الرئيسيين في الولاياتالمتحدة - الجمهوريين والديمقراطيين - قد أدركوا أن الضغط على الجمهورية الإسلامية له حدود معينة لا يمكن تجاوزها وأنه لا بد من منح الدبلوماسية مجالاً أكثر. ولكن هؤلاء منقسمون إلى فئتين إحداهما تصر على مواصلة الحظر وتشديده حتى تصل صادرات النفط الإيراني إلى الصفر وحتى أنها تدعو إلى ضرورة اتخاذ قرار عسكري والفئة الأخرى ترى أن الدبلوماسية من شأنها حلحلة الأزمة لكونها استراتيجية ناجعة عالمياً. والحكومة الأمريكية بدورها تعرف جيداً أن تغيير الحظر إلى وسيلة هدفها تغيير النظام الحاكم في إيران كما يدعو إليه الصهاينة والكونغرس، هو ليس بالأمر اليسير ولا يمكنه تحقيق الأهداف المنشودة وفي الحين ذاته فإن هذه السياسة المنحرفة ستؤدي إلى ردة فعل إيرانية ما يجعل الحظر عقيماً برمته وبالتالي يجعل واشنطن ترضخ لمطالب طهران على خلاف كل التصورات. فلو أردنا معرفة مدى قدرة الحكومة الأمريكية على أرض الواقع لا بد لنا قبل كل شيء من تحليل سياستها الخارجية تجاه إيران بشكل منطقي وكيف أنها فشلت دائماً في هذه المواجهة التي دامت أكثر من ثلاثة عقود. بقلم: مهدي محمدي