نظراً إلى الموقع الجغرافي المتميز، وبحكم غناها وثروتها واتصالاتها بالأقوام المختلفة لأجل التجارة.. سكن في البحرين(*) عدد من العناصر غير العربية كالزطّ مجهولي النسب، والنبط، والسيابجة، وعدد محدود من الفرس الذين كانوا يحكمون المنطقة في جاهليتها.. إلاّ أن الغالبية كانت من عبدالقيس العرب حينما ظهر الإسلام واعتنقه أهلها سلماً، فكانت المنطقة ثاني منطقة تدخل الإسلام بعد المدينةالمنورة. فلذلك، حين قراءة ما كتبه المؤرخون عن صلة البحرين بالإسلام، سيُدهش القراء عن قدم تلك الصلة، وعن قوّتها ومدى اتساعها، وكيف لقاطني تلك الجزيرة أن يدخلوا في الإسلام طوعاً، أي بالاقتناع ومن دون حرب. لذلك، سيتم في هذا البحث تناول إسلام المنطقة، حيث سينقسم البحث إلى قسمين؛ الأول عن دخول الإسلام إلى البحرين، ومن ثم المراسلات السياسية التي تمت في العهد النبوي. دخول الإسلام إلى البحرين تم التحدث سابقاً عن القبائل التي كانت تسكن البحرين، وهي قبائل عربية أصيلة منها قبيلة عبدالقيس، وبكر بن وائل، وبنو تميم والمئات من أبناء قبائل الساحل الشرقي. وكانت تلك القبائل تدين بديانات عدة. ومن الديانات التي كانت منتشرة هي: الزرادشتية، واليهودية، والمسيحية. وأول ظهور للإسلام كان في السنة السابعة للهجرة 629م (1)، حين بدأ النبي (صلى الله عليه وآله) تحركه باتجاه البحرين يدعوها إلى الإسلام. وكان عليها من قبل الفرس (منذر بن ساوى) وهو من عبدالقيس ويعتنق المسيحية. يشير ابن حجر في إصابته إلى أن صلة قبائل عبدالقيس القاطنة في البحرين يومئذ بالرسول كانت قبل الهجرة، أو هي في عام هجرة النبي (ص) إلى المدينة، حينما بعث المنذر بن عائذ العبدي (المعروف بالأشج) ابن أخته إلى مكة ليقابل الرسول ويتأكد من نبوته، فعاد إلى البحرين مسلماً، وأسلم الأشج وكتما إسلامهما. وقد كان لدخول البحرين الإسلام أثرٌ كبير في نشر الدعوة الإسلامية، خاصة لما كانت تتحلّى به من مكانة اقتصادية كبيرة، حيث تتحدث كتب التاريخ والسير عن أموال ضخمة وردت إلى مدينة الرسول من البحرين. وحافظت البحرين على أهميتها في عهد الرسول والخلافة الراشدة، لكنها قد تقلصت مكانتها بفعل توسع الفتوحات الإسلامية، حيث سيطر المسلمون على مناطق أغنى منها بكثير، ثم إن هجرة سكانية مكثفة شملت كل أرجاء الجزيرة العربية المسلمة إلى المناطق المفتوحة، وكان حجم الهجرة من البحرين كبيراً جداً، خصوصاً إلى الكوفة والبصرة في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ما فرّغ المنطقة من سكانها بشكل كبير. المراسلات السياسية في العهد النبوي دلّت كثير من الروايات التاريخية على غنى منطقة البحرين، وأشارت إلى مكانة المنطقة المسلمة حديثاً بالنسبة إلى حاضرة الإسلام في المدينة، فإن مكاتيب الرسول إلى حكام البحرين وأهلها تؤكد تلك الأهميّة. وقد اشتهرت ثلاث رسائل بعث بها رسول الله إلى هذه المنطقة، ولكن حجم المكاتيب أكثر من هذا الرقم. فيما يأتي مجموع ما هو معروف من تلك الرسائل: * الكتاب الأول: بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى المنذر بن ساوى سلام على من اتبع الهدى، أمّا بعد فإني أدعوك إلى الإسلام فأسلم تسلم، يجعل الله لك ما تحت يديك. واعلم أن نبياً سيظهر إلى منتهى الخف والحافر. * الكتاب الثاني: بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى المنذر بن ساوى سلام عليك فإني أحمد الله إليك الذي لا إله غيره وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله. أما بعد فإني أذكرك الله عز وجل فإنه من ينصح فإنما ينصح نفسه وأنه من يطيع رسلي ويتبع أمرهم فقد أطاعني. ومن نصح لهم فقد نصح لي. وان رسلي قد أثنوا عليك خيراً وإني قد شفعتك في قومك فاترك للمسلمين ما أسلموا عليه. وعفوت من أهل الذنوب فاقبل منهم وإنك مهما تصلح فلن نعزلك عن عملك. ومن أقام على يهوديته أو مجوسيته فعليه الجزية. محمد بن عبدالله * الكتاب الثالث: بسم الله الرحمن الرحيم من محمد النبي رسول الله إلى أهل هجر سليم أنتم فإني أحمد إليكم الله لا إله إلاّ هو. أما بعد فإني أوصيكم بالله وبأنفسكم أن لا تضّلوا بعد إذ هديتم ولا تغووا بعد إذ رشدتم. أمّا بعد فقد جاءني وفدكم فلم آت إليهم إلاّ ما يسرهم وأني لو جهدت حقي فيكم كلّه أخرجتكم من هجر، فشفعت غائبكم وأفضلت على شاهدكم. فاذكروا نعمة الله عليكم. أما بعد قد أتاني الذي صنعتم وأنه من يحسن منكم ولا يحمل عليه ذنب المسيء فإذا جاءكم أمرائي أطيعوهم وانصروهم على أمر الله وفي سبيله فإنه من يعمل منكم عملاً صالحاً فلن يضلّ له عند الله ولا عندي. * الكتاب الرابع: إلى المنذر بن ساوى أمّا بعد: فان رسلي قد حمدوك وأنك مهما تصلح أصلح إليك وآتيك على عملك وتنصح لله ولرسوله والسلام عليك. وغير ذلك من الكتب إلى العلاء الحضرمي في البحرين وكانت جميعها تدعو إلى اعتناق الإسلام عقيدة ومنهجاً.(2) لقد كان أهل البحرين على موعد مع عهد جديد بعد ما أطلّ فجر القرن الأول الهجري بنور الإسلام فقد توجه عمرو بن عبدالقيس إلى النبي (ص) موفداً من قبل الزعيم البحراني المنذر بن عائذ، الذي اشتهر بلقب «الأشج»، وذلك للاطلاع عن كثب على الدين الجديد والتحقق من علاماته التي وردت في الكتب السماوية، ولكن الأشج لم يكن ليطمئنّ على الانعطافة الجديدة لشعب الجزيرة حتى وقف بنفسه على حكومة النبي (ص) في المدينةالمنورة في السنة السابعة للهجرة، إذ ترأّس وفداً مكوناً من عشرين رجلاً عبروا البحر وساروا أياماً في صحاري الجزيرة حتى التمسوا لقاءً برسول الله (ص) الذي استقبلهم قائلاً: «مرحباً بوفد قوم لا خزايا ولا نادمين». فقال الأشج: جئنا سلماً غير حرب ومطيعين غير عاصين فاكتب لنا كتاباً يكون في أيدينا. وما يؤكده المؤرخون أنه في السنة السابعة للهجرة، وفد إلى المدينةالمنورة - وبأمر من الرسول - مجموعة من شخصيات المنطقة المعروفة تاريخياً باسم البحرين لمبايعته عليه السلام برئاسة الأشجّ، وقبل أن يصلوا قال رسول الله (ص): «ليأتينّ ركب من المشرق لم يكرهوا على الإسلام»، أو «سيطلع عليكم من هاهنا ركب هم خير أهل المشرق». فسألهم الرسول (صلى الله عليه وآله): «تبايعونني على أنفسكم وقومكم؟» فقالوا: نعم يا رسول الله إنك لن تزايل الرجل عن شيء أشد عليه من دينه، نبايعك على أنفسنا وترسل معنا من يدعوهم.. فمن اتبع الإسلام كان منا ومن أبي قتلناه. ثم أمر النبي (صلى الله عليه وآله) الأنصار بإكرامهم وحسن وفادتهم وأنزلهم دار رملة بنت الحارث، وبعد عشرة أيام من مرافقتهم للرسول (صلى الله عليه وآله) والاطلاع على أحكام الدين وتعاليمه، قفلوا راجعين إلى جزيرتهم الخضراء. وفي السنة الثامنة للهجرة كانت بداية لتحولاتٍ خطيرة رسمت المسار الأمثل للمجتمع البحراني باتجاه العقيدة الموحدة والموقف السياسي السليم الذي نبّأ به الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) خلال مراحل تبليغه الرسالة. ففي تلك السنة أوفد عبدالقيس الشريف، الجارود بن المعلّى العبدي - الذي عرف ببغضه لعبادة الأصنام على عهد الجاهلية - على رأس أربعين رجلاً كان من بينهم الحكيم بن جبلة العبدي، الذي عاد مع الوفد إلى البحرين وهو يحمل مبدأ الولاية الثابتة لأمير المؤمنين علي وأهل بيته (عليهم السلام). وترك الوفد وراءه في المدينةالمنورة الجارود العبدي ليحيط إحاطة تفصيلية بالآيات القرآنية وسنة الرسول (ص) والمسار التاريخي الذي انتهجه النبي وأصحابه الأخيار من الأنصار والمهاجرين، ثم يعود إلى البحرين بعدها. ويمكن تقسيم مراحل التنوع المذهبي في المنطقة إلى مرحلتين رئيستين: التنوّع المذهبي في عصر النبي «ص»: يجب أن نأخذ في الاعتبار أنه لم يعرف المسلمون في البحرين في الصدر الأوّل للإسلام التنوّع المذهبي على حياة خاتم المرسلين محمد بن عبداللّه صلى الله عليه وآله وسلم كالذي نعرفه اليوم، حيث كان يمثل المرجع الأعلى والقدوة والأسوة والمنهل الذي ينهل منه المسلمون كافة، ويقطع عن أذهانهم كلّ شائبة وشبهة وفرقة واختلاف. وكان هناك ثلّة من مهاجرة الصحابة قد لازموا الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، ومثلوا حلقة وصل مباشرة بينه وبين القبائل القاطنة في البحرين. التنوّع المذهبي ما بعد عصر النبي (ص): وكان ذلك على يد جماعة من كبار الصحابة، عرفوا بموالاتهم إلى الإمام علي (ع) ومتابعتهم ونصرتهم له قبال خصومه السياسيين والدينيين بعد ارتحال خاتم المرسلين إلى الرفيق الأعلى، ومنهم: أبو ذر الغفاري، عمار بن ياسر، سلمان الفارسي، المقداد بن عمرو الكندي، حذيفة بن اليمان، خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين، أيوب الأنصاري، خالد بن سعيد بن العاص، قيس بن سعد بن أبي عبادة، أبو سعيد الخدري. وكان لكل واحد من هؤلاء خصوصاً الأربعة الأوائل دور بارز في الحوادث المتلاحقة التي تزامنت مع أشكال وصور الصراع على قيادة العالم الإسلامي في مهد الإسلام الأول وعاصمته الأولى في المدينةالمنورة.(3) ختاماً، لو لم تكن البحرين على استعداد لتقبل الدين الجديد، فكيف لمنطقة في أقصى شرق الجزيرة العربية أن تتأثر بالدعوة الإسلامية المنبثقة في أقصى الغرب، وأن تعلن إسلامها عن اقتناع (من دون حرب) قبل أن تسلم المناطق القريبة من المدينة؟ حيث كانت ثاني منطقة تدخل الإسلام بعد المدينة، ويكون لها الدور الأهم في رسم المسار الديني والسياسي. * حينما يتم الحديث عن البحرين يعني الإقليم الذي يشمل الإحساء وقطيف وأوال التي عرفت بعد ذلك بالبحرين. المصادر: * انظر: http://aqaed.org/theshia/boldan/bahrain.html * حميد الله، محمد، الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة، ط3 ص 141 و,142 ووثيقة رقم 53ن وص,144 ص147 ووثيقة رقم .257 وانظر http://www.alwahamag.com/?act=artc&id=66 * مدونة سنوات الجريش: http://www.jasblog.com/wp/wp-content/uploads/2009/06/clip-image014-thumb1.jpg