لم تكن الأعوام ال 41، التي هي عمر دولة الإمارات العربية المتحدة، هي أيضا عمر الحركة التشكيلية فيها. لقد كانت الدولة والمجتمع سابقين على نشأتها بالتأكيد، بل إنه ما من مبالغة في القول بأن الدولة، ممثلة بمؤسسات معنية فيها، هي التي أسهمت في بلورة حركة تشكيلية في الإمارات بالمعنى الحديث للكلمة. أي بعيدا عن تلك الممارسات الفنية الشعبية والفطرية التي تمارسها شعوب الأرض جميعا لأهداف تزيينية وتجميلية في العمارة واللوازم والأدوات، دون أن تكون هذه الممارسات فردية قائمة على موقف جمالي من العالم ومن المعرفة. قدمت الدولةُ البنيةَ التحتية اللازمة لخلق أجيال متعاقبة من الفنانين الإماراتيين، وأمدتها بما يلزم لخلق مناخات مواتية تعليمية وتدريبية بالأساس وليست منهجية، وباستعانة بخبرات عربية وأجنبية باتت الآن في أغلبها محلية. أليس الكثير من الفنانين التشكيليين هم نتاج خبرات اكتسبوها من فنانين إماراتيين وغير إماراتيين، وهم الآن في عين المشهد التشكيلي، كما أن العديد من بينهم بات علامة من علامات الحركة التشكيلية الإماراتية؟ ربما من الممكن في هذا السياق اختيار لحظة تأسيس جمعية الفنون التشكيلية الإماراتية نقطة التحوّل الأبرز التي تمكن أي متابع للفنون التشكيلية، وفقا للإيقاع الخاص بها، بدءا من تلك اللحظة بحيث يُشار إلى الروّاد بأنهم الذين قدموا أعمالا فنية تمتلك شروطها الفنية الخاصة، بالتزامن مع تلك اللحظة وما سواء قبل أو بعد. هذا أمر قد يحتاج إلى الكثير من الجهد في قراءة الحراك التاريخي للفن في الامارات؛ هذا الفن الذي رغم حداثة سنّه، مقارنة بسواه في أي من البلدان في منطقة الخليج العربي يبدو أنه الأكثر حداثة وحيوية وتجددا، ومع ذلك لم يجزم أحد بعد بتاريخ صريح لأول معرض تشكيلي في الدولة، وما عنوانه إنْ وُجد، ومًنْ صاحبه أو أصحابه، وأين أقيم، وما هي أوّل لوحة يملكها فنان إماراتي قد بيعت بثمن ما، وما العنوان الذي حملته أو ما زالت تحمله وهل هي على قيد الحياة أم امتدت إليها يدُ الجهل فتعرضت للتلف لتدرك الدولة، أو المؤسسة أو الفرد الذي اشتراها أي حداثة أدخل بها حركة الفن التشكيلي في الإمارات. في ظلّ غياب جزم من هذا النوع أو مساع حقيقية للبحث في تحديده، فإن لحظة ولادة الجمعية تبدو الأكثر منطقية لتقديم دراسة تاريخية بشرط علمي صريح حول نشأة الفنون التشكيلية في الامارات، من أجل استيعاب أعمق للتحولات السريعة التي مرّت بها والتي منع إيقاعُها السريع هذا مواكبتَها نقديا، فضلاً عن أن متابعيها لم يكونوا سوى صحفيين أو كتّاب مقالات وغير محترفين، أو متخصصين في كتابة النقد التشكيلي للصحف، على الأقل، إلا في ما ندر. في هذه المناسبة، مرور واحد وأربعين سنة على نشأة الاتحاد، ليس السؤال تاريخيا عن الحركة التشكيلية في الامارات ونشأتها، إنما عن التحولات التي تحدث فيه (الآن، وهنا)، في زمن الفن هذا. والحال أن الإجابة عن مثل هذا السؤال لا تحتاج إلى يقظة الذهن في الرصد والمتابعة وحدها، إنما أيضا إلى أن تكون هناك اتجاهات فنية متبلورة وناجزة، سواء في جماعات تشكيلية أو أساليب وطرائق في معالجة العمل الفني، أو وجود موقف جمالي محدد بين مجموعة من الفنانين الذين ينتجون أعمالهم بناء عليه. ... المزيد