استضاف مجلس العموم في البرلمان البريطاني ندوة عن التشدد الإسلامي ونقد النظرية الجهادية، التي تقودها المجموعات المتطرفة كالقاعدة وفروعها في أنحاء العالم، والتي وصلت إلى بريطانيا. في ندوة فكرية تناولت نقد النظريات الجهادية الاسلامية، جرت في مجلس العموم البريطاني، أشار المتحدثون إلى قصة الجندي البريطاني لي رغبي الذى قتله رجلان من أصل نيجيري تحولا من المسيحية إلى الإسلام في أيار (مايو) الماضي، وأحداث السابع من حزيران (يونيو) المشهورة حين فجر انتحاريون متشددون محطات القطار والباص وقتلوا وجرحوا الشيوخ والأطفال والنساء والشباب الأبرياء في جريمة يندى لها جبين الإنسانية. كانت هذه الندوة لمعالجة الإشكالات الفكرية والعقائدية للمتطرفين، والاجابة عن السؤالين: هل تعتمد أدلتهم على اعتبارات قرآنية وأحاديث صحيحة وأدلة سليمة؟ وكيف يمكن رد إشكالاتهم وتوهماتهم ومغالطاتهم واستغلالهم للتراث المنسوب للدين الإسلامي؟ دار الكفر ودار الإسلام أدار الندوة العضو البرلماني البارز جيم فيتسباتريك وقدّم لها شارحًا أهمية الموضوع وضرورة مناقشته بشكل عميق، فقدّم تقريرًا مختصرًا فيه آراء بعض علماء الأزهر في المذهب السني، ينددون بالإرهاب والعمليات الإجرامية. وكانت المداخلة الأولى للشيخ رشاد علي، فتحدث عن فكرة دار الكفر ودار الإسلام، التي يستغلها المتشددون وتطبيقها على الواقع. وذكر رأي المتشددين أن غير الدار الإسلامية هي دار كفر، ويجب الجهاد لتحريرها بكل الوسائل حتى تطبيق الشريعة الإسلامية. ثم عرض آراء علماء الأزهر في مصر التي تخالف هذه الرؤية، "فإنها لا تحمل هذا التقسيم الغريب والطارئ، حيث الإسلام المعتبر التقليدي حتى لمثل ابن تيمية وابن حنبل وابن حزم وابن الجوزى وغيرهم، لا توجد فيه هذه البدعة من الرؤية المتطرفة". كما أكد على حرمة الدماء الشديدة الموجودة في الفقه الإسلامي، كذلك كان الصوفيون يحترزون في الدماء كثيرًا ولا يتساهلون بقطرة دم تراق إذ يحاسب عليها المرء شديدًا يوم القيامة. أما دار الكفر فلا تنطبق على الغرب، لأن الميثاق (إن الذين بينكم وبينهم ميثاقاً) يوجب الإلتزام به وعدم التعدي حيث يصان المرء، وهم لا يمنعون من أداء الفرائض كالصلاة والصيام، بل المسلمون في الغرب يمارسون عباداتهم وطقوسهم بحرية كاملة. ورشاد علي ممارس ومدرّب وخبير في مكافحة الإرهاب، حيث درس الدراسات الإسلامية التقليدية في الأزهر بمصر، ثم الجامعية في كلية ماركفيلد ببريطانيا، وهو كاتب في غارديان وتلغراف، وزميل باحث في مؤسسة هنرى جاكسون. توهم الجهاديين ونظريتهم أما المداخلة الثانية فقد كانت من هانا ستيوارت، فقالت إن الجهاديين يتوهمون أنهم يدافعون عن دينهم، "ظانين أن الجهاد هو الطريق الوحيد لتحقيق مشروعهم الديني، وهدفهم تحقيق دار الإسلام في ظل حكم إسلامي وشريعة إسلامية تحت كنف الحكم الإلهي الرباني". وتساءلت: "إن كان الكثير من المسلمين قد لا يلتزمون بالكثير من تطبيقات الشريعة، فهل يجب إقامة الحدود والتعزيرات وأمثالها عليهم؟". وذكرت دور القاعدة وحماس في التنظير لرؤية فيها تطبيق الشريعة ولو بالقوة والعنف. وتساءلت أيضًا عن تفجيرات السابع من تموز (يوليو) في لندن، وعمّا حققت للمتشددين، وعن ذنب الأبرياء الذين قتلوا بلا ذنب ومنهم مسلمون؟ تطرف القرضاوي وذكرت ستيوارت الشيخ يوسف القرضاوي، الذي يرى ضرورة محاربة إسرائيل ولو قتل الأطفال والنساء، إذ يعتبرهم كلهم محاربين ويجوز قتلهم، فهي دار حرب بنظرته الضيقة المتطرفة. وهو دائم الانتقاد للأمم المتحدة، بينما تراه يطالبها في ليبيا بالتدخل حينًا ويمنعها حينًا في بلدان ثانية، من دون ضابط واضح ورؤية سليمة. وقالت إن الأزهر أوعى بكثير من القرضاوي وتسرعه في الفتاوى وتناقضاته الكثيرة وعدم وعيه وسذاجته. وشرحت ستيوارت النظرية الفقهية التي تقول إن الضرورات تبيح المحظورات، "حيث ضرورة محاربة إسرائيل، بحسب ادعاء القرضاوي، تبيح قتل النساء والأطفال والشيوخ منهم". وستيوارت حاصلة على شهادة الماجستير في الدراسات الدولية والدبلوماسية من كلية الدراسات الشرقية والأفريقية بجامعة لندن، وعلى درجة البكالوريوس في الأدب الإنجليزي من جامعة بريستول، وقدّمت تقارير عن التطرف والإرهاب في المملكة المتحدة وكذلك القانون الإسلامي ودور الدين في المجال العام. وهي باحثة في جمعية هنري جاكسون. أهواء ومزاج وكانت المداخلة الثالثة من الشيخ أسامة حسن، والتي اختار فيها الحديث عن ابن رشد وآرائه التي تعارض ما اعتمده الجهاديون. وأشار إلى مقاصد الشريعة كما تحدث عن القرضاوي وفتاواه الإنتقائية الشاذة مع مختلف الوقائع والحكام والأشخاص بحسب أهوائه ومزاجه. كما تحدث عن كتاب فقه الجهاد بمجلديه للشيخ القرضاوي، وأنه يدان به حيث ناقض نفسه وما كتبه بيده. ودرس حسن في السعودية، وشارك مع الأحزاب السياسية السلفية المتطرفة لعدة سنوات في أفغانستان ضد القوات السوفياتية ثم حزب التحرير. في أعقاب تفجيرات 7/7 في لندن، استيقظ من غفوته ليبدأ حملة ضد التطرف وللإصلاح الديني في أوساط المجتمع المسلم ليرجع إلى الجانب التقليدي من الإسلام الذي يعتقد أنه يعزز الوئام والتسامح كما يعرفه. وهو يعمل حالياً في مؤسسة كويليام كباحث ومستشار. المسألة معقدة ثم كانت ملاحظات الباحث نبيل الحيدري حول المداخلات الثلاث بأنها انتقائية بامتياز، حيث تختار من التراث ما يناسبها، وقد جعلت المسألة بسيطة جدًا، "لكن الواقع أنها أعقد بكثير من ذلك، إذ يستدل المتشددون بآيات أخرى بالعشرات موجودة في القرآن مثل (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) و(من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون) و(من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون)، وواضح في آيات أخرى ما هو حكم هؤلاء والآثار المترتبة عليهم، وآيات (أقتلوهم حيث ثقفتموهم) وهناك أحاديث كثيرة وسيرة الرسول في المدينة وحروبه والآيات فيها، وعلماء آخرون يستدل بهم المتشددون، ما يجعل المسألة أعقد بكثير مما ذهب إليه المتداخلون، خصوصًا أنّ المذاهب متعددة والفرق مختلفة والعلماء كثيرون متعارضون كتعارض تفاسير القرآن وقراءة التراث وتأويلاتها، وأقر المتحدثون صحة هذه الإشكالات مما يجعل الباب مفتوحًا لحوار أكبر وأعمق وأكثر صراحة". التشدد عند الشيعة وأجاب الحيدري عن سؤال من أحد الإخوة عن الجانب الشيعي قائلًا إن في الشيعة متشددين أيضًا كحزب الله اللبناني، "فقد بات واضحًا وهو يدافع عن النظام السوري ويشترك في قتل الشعب السوري ونظام ولاية الفقيه الإيراني وجرائمه في مختلف أنحاء العالم والأحزاب الطائفية في العراق والتابعة لنظام ولاية الفقيه الإيرانية، بينما الشيعة العرب وهم الأكثرية الساحقة الصامتة، لا تؤمن بولاية الفقيه ولا بالطائفية البغيضة". ايلاف